أقلام حرة
صادق السامرائي: الكتاب إلى أين؟

كنت مولعا بزيارة معارض الكتاب، ومع الأيام خمد ولعي، ففي السابق كنت مسرورا ومستبشرا وأنا أتجول بين أكشاك الناشرين ووسط زحام الناس الذين يشترون الكتب ويحملون أكياسا فيها كتب، أما اليوم فينتابني الألم والحزن، لخلو معارض الكتاب من المتبضعين، وحتى ولو إزدحمت بالزائرين فأنهم يتفرجون وحسب.
ومن تفاعلي مع الناشرين أجدهم في خيبة أمل، وبعضهم يعود خالي الوقاض (جعبة جلدية لحمل السهام)، فلا يُعرف كيف سيتمكنون من مواصلة المشاركات لأن ذلك يكلف كثيرا من المبالغ، وهم لا يبيعون بضعة كتب في هذه المعارض، التي صارت لا تدر ربحا على العارضين.
لدي مجموعة من الكتب العلمية الغالية الثمن كنت أريد إعطاءها لزميل فاعتذر بقوله: كل شيئ في الإنترنيت، فما حاجتي للكتب.
الشاشة إنتصرت على الورق، وسايكلوجية الأجيال المعاصرة ضوئية لا ورقية، والنظر في الشاشة أمتع من النظر في الورق، فكل نشاط أضحى براقا على شاشات ذات أحجام متنوعة.
من الأقوال المتداولة عبر الأجيال: "كل علم لم يحوه القرطاس ضاع"، ويبدو أنه قد إستنفذ غايته، وعليه أن يتحول إلى " كل علم لم يجد له مكانا على شبكات الإنترنيت بلا قيمة"
الكتب تواجه مصيرا قاسيا، فصديقي حائر بمكتبته التي تضم آلافا من الكتب، يريد إهداءها لأي مؤسسة تعليمية وعلى مدى سنوات لم يجد مَن يتقبلها منه.
زميلي يرسل لي صورة مكتبة لشخص توفى فرميت كتبها في المزبلة، فلا أحد من الأبناء والأحفاد يقدر قيمتها، بل يحسبها عبئا وتشغل مكانا ولابد من التخلص منها، ولو برميها في النفايات.
في زمن الصبا كنت وصاحبي نتجشم الصعاب كل شهر لنقتني عشرات الكتب، فمكتبة المدينة ما عادت تفي بحاجاتنا للمعرفية، ولا ترضي جوعنا لما هو جديد في عالم الإبداع.
وبين اليوم والأمس، وجدتني أجالس الشاشة الصغيرة التي أصابت علاقتي بالكتاب بأزمة تفاعلية.
الأستاذ كوكل يقول: " شبيك لبيك أنا خادم بين إيديك"، والذكاء الإصطناعي حاضر للتلبية الفورية لطلباتك مهما كانت!!
فإلى أين ستأخذنا قافلة القرن الحادي والعشرين؟!!
***
د. صادق السامرائي