أقلام حرة

صادق السامرائي: القراءة النفسية للتأريخ!!

طرحتُ الفكرة على صديق مختص بالتأريخ منذ سنوات، وهو أستاذ وعميد كلية، ورحب بالفكرة وقال هذا ما يعوزنا، لكنه طلب إطلاعِه على ما أكتبه، ومضيت أقرأ وأكتب، ولا أنشر إلا لماما، لأن المنقول في العُرف الجمعي مقدس، ولا يجوز التساؤل والشك والإستفهام، لكن القراءة النفسية الموضوعية تكشف عن تناقضات صارخة ما بين المدوَّن وطبائع السلوك البشري، وكأن المكتوب يخص أناسا من عوالم أخرى تضفى عليهم صفات لا بشرية.

وحاولت بين آونة وأخرى أن أختبر ردود الأفعال عن هذه القراءات التي ربما تبدو غريبة وصادمة، ومن العسير قبولها، ومن السهل إتهامها بما يحلو من الإتهام، مثلما يسوّغ الفقهاء رمي الذي يُعمل عقله في المواضيع الدينية بالكفر والزندقة، لأنه إعتدى على المنقول وحاول زعزعة المتعارف عليه، وأنار العقول بما لا يجب أن تنار به، لأن مناهج القطيع أحفظ للأمة والدين.

ونشرتُ بعض المقالات فاستحسنها عدد من أعلام الأمة، مما شجعني على مراجعة ما كتبته وإعداده للنشر، وبرغم ما فيه من غرابة وإقتراب غير مسبوق للحالات المدونة ، لكنها تستوجب النشر، ولو أنها مركزة وشديدة الكثافة، وتطرح أسئلة تحتاج من المهتمين بالتأريخ إمتلاك الجرأة العلمية للإجابة عليها.

فبحوث المؤرخين لا تأتي بجديد، وتعيد ذات الموضوعات، وتقدمها على أنها الثابت الذي لا يجوز المساس به، وكأن المدونات رصينة وصادقة ولا يصح النظر إليها وتحليلها وتنقيتها مما لا يقبله العقل، ولا يتوافق مع طبائع السلوك البشري.

وأكثر البحوث التي إطلعتُ عليها فيها ثغرات، وضعف في طرح الفكرة، والمعلومة، وحتى اللغة،

ولا ترتقي إلى منزلة بحث، ويمكن وصفها بالسردية التي أوجدها شخص لا همة له، ولا جرأة على التعاطي مع صلب الموضوع وجوهر البحث.

ولهذا فمن المسؤولية والواجب طرح قراءات في التأريخ، وفقا للرؤية النفسية والسلوكية بعيدا عن أي منظار آخر، فما لا يتوافق مع الطبع البشري يستحق الدراسة والتحليل وإستحضار الأدلة والبراهين، بدلا من تداوله على أنه حقيقة قائمة بفعل التكرار المرير.

وأرجو أن تؤخذ هذه القراءات على محمل الجد، وتجد مَن يستطيع أن يخوض غمارها ويسبر أغوارها، ويأتينا بما ينفع ويدفع إلى ما هو أرقى وأطيب، بدلا من تراكم الغثيث الذي يفت عضد الأمة ويبدد طاقات أجيالها فيما لا يفيد.

فهل لنا أن نعيد لنستعيد؟!!

***

د. صادق السامرائي

27\8\2021

في المثقف اليوم