أقلام حرة
صادق السامرائي: "ما جُمِعَ في غمدٍ سيفان"!!
يُقال والعهدة على مَن قال، أن الخليفة المهتدي بالله (255 - 256) هجرية، عندما تنازل المعتز بالله (252 - 255) هجرية، عن الخلافة، بذريعة أنه غير قادر عليها، بعد ان أذاقه أعوان (صالح بن وصيف) أنواع العذاب والمذلة والإمتهان، وأشبعوه ضربا وركلا وتركوه في الشمس الحارقة ومنعوا عنه الماء، وأهانوه وهو الإبن المدلل للمتوكل (232 - 247) هجرية.
قال المهتدي بالله لسجاني ومعذبي إبن عمه المعتز بالله: "ما جُمِعَ في غمدٍ سيفان"، وفي ذلك إشارة إلى الأمر بقتله، وبعد خمسة أيام من الخلع، ومرارات التعذيب، أدخلوه الحمام وقد أشرف على الموت من العطش، وبعد أن أخرجوه سقوه ماءً مثلجا فسقط ميتا، حسب ما يُروى.
وكان المهتدي مبعدا من سامراء إلى بغداد بأمر من المعتز، فأحضروه منها وبايعوه، وبرغم ما يُذكر عنه من تدين، إلا أنه إنتهى قبل أن يكمل سنة في الخلافة، حيث تم القبض عليه بعد قتال مرير راح ضحيته أربعة آلاف شخص، وتم عصر خصيتيه حتى مات، من قبل جنود (موسى بن بغا الشرابي الكبير)، والذي قضى على (صالح بن وصيف) بقطع رأسه، وكان المهتدي متهم بالتواصل معه.
و(صالح بن وصيف) هو الذي قتل المعتز ونفى أمه قُبيحة إلى مكة مع إبنه عبدالله بن المعتز (247 - 296) هجرية، وعادت به في زمن المعتمد على الله (256 - 279) هجرية، وإستحوذ على ذخيرة قُبيحة من الجواهر والذهب، وخاطب أم المعتز بالله بقوله : " قبحك الله ما فديتي إبنك بخمسين ألف دينار ولديك كل هذا المال"، ذلك أن سبب خلعه خواء خزينة الدولة، ومطالبة الجنود بالمرتبات، فأجابهم بعدم قدرته على دفعها، فسحلوه وضربوه وإعتقلوه وأذلوه، وما من ناصر له ولا معين، حتى أمه المتسيدة على الخلافة لم تنجده بمالها، وتخلصه من المصير الأليم.
هذا التفاعل القاسي بين الأقارب على الخلافة تسبب بتداعيات مروعة، فما كانت خلافات بني العباس بهيجة ومريحة، بل تكتنفها المخاطر والقلق والشكوك والخوف من أقرب الناس، حتى من الجواري، ولا يُعرف كيف كانوا يستطيعون النوم.
ويبدو وكأنهم كانوا في حرب عائلية متواصلة قضت عليهم، خصوصا بعد مقتل المتوكل، وتحولهم إلى رموز محنطة في دار الخلافة، تعبث بمصيرهم القوى المتنفذة خصوصا الأتراك والآخرين من غير العرب.
فالدولة العباسية منذ نشأتها لم تعتمد تماما على العرب، وإنطلقت شرارتها من خراسان، بقيادة أبو مسلم الخراساني (100 - 137) هجرية، الذي قتله أبو جعفر المنصور (95 -158) هجرية، وقصته معروفة.
وهكذا فالصراع الداخلي وأطماع الطامعين، قضت على دولة بني العباس، بعد أن أهلتها لتتلقى الضربة القاضية!!
***
د. صادق السامرائي