أقلام حرة

علي حسين: داعية البسمة

قبل ما يقارب السبعين عاماً تقدم الفتى النحيل لدخول معهد الفنون، لم يكن يرغب أن يصبح ممثلاً، فقد جرب ذات يوم أن يمثل دور عنترة في إحدى المسرحيات المدرسية، فأثار سخرية الطلبة والمعلمين، كيف لفتى يملك ذراعين نحيليين أن يصرع وحوش الصحراء؟، ولأنه عمل في النجارة وجد أن النحت أقرب إليه بعد أن سحره طين جواد سليم وأخشاب محمد غني حكمت وصخور خالد الرحال، في المعهد نبهه المعلم الشاب آنذاك وجيه عبد الغني إلى أن مكانه الحقيقي على المسرح وليس مع الطين، وكان صاحبنا يرغب بأن يصبح نحاتاً بعد فشله في الجلوس على حصان فارس بني عبس، إلا أن وجهه الذي كان أقرب إلى وجه الصبي المشاغب دفع أسعد عبد الرزاق بأن يقنعه للانضمام إلى فرقة 14 تموز التي تشكلت في ذللك الوقت، هناك اكتشف أعضاء الفرقة أن هذا النحات يذهل الجميع بقفشاته الكوميدية وبتلقائيته التي تخفي وراءها طاقة تمثيلية ساحرة، وتشاء المقادير أن يحط خريج كلية الآداب سليم البصري رحاله في فرقة 14 تموز ليقنعهم بتقديم تمثيلية أسبوعية تحت عنوان " تحت موس الحلاق " وليجد في حمودي الحارثي رفيقاً مخلصاً سوف يعمل صبياً في محل حلاقة الحاج راضي . وهكذا قرر أن يكون " عبوسي " وقرر الاثنان أن ينسيانا نحن المتفرجين أننا نجلس أمام شاشة التلفزيون، فأخذانا لنجلس معهما، يتشاجران فننصت لهما، يغضب الحاج راضي فتذهب أنظارنا إليه، يضحك عبوسي، فتنطلق ضحكات العراقيين مجلجلة.

ليس هناك من اسم لامع في الكوميديا العراقية استطاع أن ينافس مقالب عبوسي وتقلبات الحاج راضي وحكمته الدفينة، أو أي اسم آخر يخطر لك. لذا، سوف يخطر ببالك ايها المواطن أن هذين الممثلين صنعا ثروة كبيرة . لكن سليم البصري عاش سنواته الأخيرة يشكو من العوز وعقوق الفن ليموت بحسرته، فيما لم يجد حمودي الحارثي أرضا تأويه غير لجوء إنساني في هولندا، ومصحة لكبار السن ترعاه في آخر أيام حياته، في الوقت الذي أخبرنا فيه كبير رجال كوميديا العصر الحديث نور زهير أن الثلاثة مليارات التي نهبها ليست ملكاً للدولة، فقد ظهر نور زهير في حلقة كوميدية جديدة يتجول بمكان فخم بكامل الأناقة، يطلب منا نحن جماعة " عبوسي " ان نصمت، لاننا لانعرف الحقيقة التي تقول ان هذا زمن الشطار والعياريين

ايها السادة ونحن نرثي حمود الحارثي ندرك جيدا ان ما يجري في بلاد الرافدين تجاوز حلقات " تحت موس الحلاق "  ففي اللحظة التي ظهور فيها نور زهير، كان هناك عراقي آخر يغادر عالمنا مثلما ولدته أمه، لا مال ولا عقار، ولا قصور في شارع الأميرات.

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم