أقلام حرة

علي الجنابي: مئةُ عامٍ منَ الدُّخانِ

(من وحي صورةٍ لمحتها عن عجوزٍ غربيةٍ ،وإذ كانت تُشعلُ سيجارتها من لهب شمعة كعكعة ميلادها المائة)

مائةُ عامٍ ، وكَفُّ هِذِي الخالة بِتمرّدٍ يشعلُ السيجار في كلِّ حينٍ وحالْ.. ألهِبي السِّيجارَ ياخالة، وأسْهِبي يا ذاتَ خَدٍّ مُتَوَرِّدٍ ولا تُبالي بقيلٍ وقالْ..

دَخَّنَي، فيا ليتَ لي مثل ما أوتيتِ من حلاوةِ الأقوالٍ ومن طراوةٍ في أفعالْ.. أنا يا خويلةَ، وكلمّا أشعلتُ سيجاراً لأُكنسَ ما ارتكسَ من الغمِّ في البالْ... إحتبسَ شعب العراق عن بكرةِ أبيهِ، موبِّخاً لي أو ناصحاً بتَنطُّعٍ أو بتَعالْ.. ويكأنَّ بني قومي لا يشهقونَ إلّا مما في سُويسرا من"أوكسجينَ" الجبالْ.. ويكأنَّهمُ لا يُطعَمونَ إلا سُعراتٍ مُقَدَّرةً بمقاديرَ طبيةٍ موزونةً بمكيالْ.. ويحهم! ما بالُهم حاشدينَ وراشدينَ لي بنصحٍ كأنِّي مجرمٌ بينهم أو محتالْ.. ومن قبلُ كان النصحُ منهمراً من الأقربين من جيرانٍ ومن أعمام وأخوالْ.. ويكأنَّهمُ الهداةُ المَهديونَ على ظهرها، والمنقذونَ من نتانةِ التبغِ باستئصالْ.. فتراهمُ يرمقونيَ كلمّا رأوني وكأنّني لهم نذيرُ شؤمٍ، أو غرابٌ عليهمُ قد نطَّ ومَالْ..83 ali

ثمَّ تراهمُ يسلقوني بلسانِ لقمانِ الحكيم، أو بيبانِ العليم الفهيمِ الدالْ:

"أرمِ من يدك يا هيكلاً ذا خبالْ، لفافةَ سَرطانٍ ذاتَ أعلالٍ وإعطالْ . لا ريبَ أنَّكَ ستموتُ ناقصَ عمر كأسدٍ عُتيٍّ منفيٍّ بإضمحلالْ. وحمداً للهِ، وبهِ نعوذُ مما إبتلاكَ به من أهوالٍ باختلالْ".

ويح أذني وما سَمعت من قيلٍ قد صالَ في صيوانِها وجالْ...

إنَّهم يقولونَ؛ "نعوذُ باللهِ مما إبتلاكَ به من أهوالٍ باختلالْ"!

أفحقَّاً يعوذونَ بالله منّي وأنا أخوهم صبوحُ الوجهِ طيِّبُ الإستقبالْ..

لعلَّ مصافحتي لأيديهم هي "جُنابةٌ" يُهرَعونَ من فورهم بعدَها لأغتسالْ؟

لعلَّهم يظنُّونَ بيَ أنيَ أنا الذي مَحقتُ "هيروشيما" و"وناكازاكي" باحتلالْ..

يا لسخريةِ الدهرِ وما آلَ إليهِ من مآل!

إنَّ (غثوانَ إكزوز) و(علوانَ القهوجي) وإخوانهما في الصنعةِ والمثالْ..

يستنكفونَ من مجالستي لأجلِ سيجارتي ذي النَّعناعِ والتفاحِ والبرتقالْ..

أدخَّانُ سيجارتي الصَّامتِ خيرُ يا"غثوانَ" أم دخانُ"إكزوزكَ" ذو الموَّالْ ؟

أم تظنُّ يا"علوانَ" أنيَ إبليسُ المُفسِدُ للبيئةِ في البرِّ والبحرِ القابعُ في التلالْ!

أم أنا يا غثوانَ ويا علوانَ دون ذلك من أشكالٍ وإشكالْ؟

لعلَّكَ يا "غثوانَ إكزوز" ظننتَ نفسَكَ أنّكَ موسيقارُ الأجيالْ!

"محمدُ عبد الوهاب" المهووسُ بالنّظافةِ، ذي الطَّربوشِ والبنطالْ!

لا أخالكم ترتضونَ ذلكَ من (غثوانَ إكزوز)، ألا يا أيُّها المُدَخنونَ الأبطالْ؟

(وإنَّما غَثوانُ؛ هو فنِّيٌ يقومُ فجراً وحتى المغيب بلحامِ الثقوبِ في أنابيبِ العادم "الإكزوز Exhaust system" للآلياتِ الثقيلةِ والخفيفة، ورُغمَ أنَّهُ يعبسُ من سيجارتي ولو كنتُ بعيداً عنهُ بأميالْ، لكنّي أشهدُ إنهُ رجلٌ طيّبٌ مُتقنٌ لصنعتهِ وغيرُ حَيَّالْ، في ذا دهرٍ يستوفي على النَّاسِ إن اكتالْ، ولاصبغةَ لهُ إلّا الغشُّ والفذلكةُ والإحتيالْ).

[التدخينُ مضر بالصحة ننصحكَ بالإمتناع عنه].

***

علي الجنابي

 

في المثقف اليوم