أقلام حرة

علي حسين: ماذا حدث للمثقفين؟

يخبرنا القاموس الفرنس الشهير "لاروس" بأن كلمة نخبة استخدمت للمرة الأولى في فرنسا عندما احتجت مجموعة من الكتّاب، على رأسها إميل زولا على سجن ومحاكمة ضابط فرنسي اسمه درايفوس العام 1898 زوراً لتبرئة أحد كبار قادة الجيش، فقد نشرت كبريات الصحف الفرنسية على صفحاتها الأولى مقالاً مثيراً لإميل زولا بعنوان "إني أتهم" وفيه يوجه سهام النقد لرئيس الوزراء ووزير الداخلية وقادة الجيش لأنهم زوروا الحقائق، المقال الذي أصبح فيما بعد عنواناً للاحتجاج ودخل قاموس الأدب باعتباره أبلغ بيان ضد التعسف والظلم .

بالأمس استمعت إلى حديث السيدة " ندى كاظم " وهي أستاذة جامعية تعرضت للشتم والرجم بالطابوق والحصى لأنها خرجت في تظاهرة لنساء النجف ضد تعديلات قانون الأحوال الشخصية، واخبرتنا السيدة إن التظاهرة ضمت مجموعة من النسوة، تخيل جنابك أن مجموعة من الذين يرتدون العمائم ومعهم تابعين لهم يرتدون " العقال " مع مجموعة من الصبية يحاصرون سيدة ذنبها الوحيد أنها أرادت أن تعبر عن رأيها، في بلاد يتغنى فيها الجميع بحقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الرأي .

وأنا أستمع إلى حديث السيدة النجفية تساءلت مع نفسي عن دور النخب الثقافية في شجب وإدانة الاعتداء الذي حصل على نساء النجف..صحيح ان البعض من المثقفين اصحاب الرأي الحر تضامنوا مع نسوة النجف، ولكن اين البقية ؟

كان سارتر يقول "إننا"،- ويعني المثقفين والنخب الفكرية - "من سنصنع التغيير، لأننا نعبر عن مشاعر الناس وأحاسيسهم"، في بلاد العالم اليوم نرى أساتذة الجامعة وكبار المثقفين، يخوضون معركة التغيير بصلابة ويصبحون جزءاً من صناعة الحدث اليومي، يصرون على أن تبقى أصواتهم أعلى من أصوات السياسيين.. أما في العراق فقد يأخذ البعض على النخبة، أن الكثير منهم للاسف يقفون معظم الوقت في منطقة رمادية ليست لها معالم واضحة، في الوقت الذي كان بإمكانهم أن يحركوا المياه الراكدة في المجتمع.

بين الحين والآخر أعود لكتب المفكر الاقتصادي جلال أمين "ماذا حدث للمصريين؟" والذي يقدم فيه وصفاً لتحولات المجتمع المصري في نصف القرن الأخير، وقد وضع الكتاب صاحبه على سلم الشهرة الحقيقية، وليست الشهرة الزائفة التي يبحث عنها بعض متنطعي مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات .

في كتابه " ماذا حدث للمصريين " يشير الراحل جلال أمين إلى دور المثقف الذي ارتضى أن يُقصي نفسه عن أحداث بلاده، ويفضل عدم الانغماس في مشاكل البلاد، فتحول بعض أصحاب الرأي والقانون وبعض من يسمون بالتكنوقراط إلى فئة مستعدة لتقديم ما تطلبه السلطة، من أجل استمرار النظام السياسي.

عل تسمحون لي أن اسأل : ماذا حدث للمثقفين في بلادي؟

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم