أقلام حرة
علي حسين: ولاية "الدببة"
الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً، فصاحب هذه الزاوية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر الناس يتطلب من الكاتب أن يسعى كل يوم إلى الاطمئنان على أنّ العلاقة بينه وبين القارئ لم تدخل في مرحلة "الضجر واللامبالاة"، وأن الكلمات حاضرة ومؤثرة.. وأن نافذته لا تزال تحمل طعم ومذاق مائدة عامرة.
سيسخر مني البعض حتماً ويقول: يارجل السياسة في العراق مادة دسمة للكتابة الساخرة، ولكن ياسادة ياكرام، سوف يظل الفارق كبيراً في الحجم بين ما نكتبه، وسخرية السيدة عالية نصيف التي اكتشفنا مؤخراً أنها: "نبض الشارع العراقي وصوته المدوّي" وأتمنى ان لا تجرف الصحافة السيدة النائبة، وتنافس الفقراء من أمثالي على أرزاقهم .
هل نحن شعب لا يحب السخرية؟ لماذا نصر على أن ندشّن كل صباح من أيامنا الكئيبة، بحثاً عن حزنٍ، لنجد أنفسنا حزانى، متشائمين، نتحرك فاغري الأفواه، ننظر إلى وجوه أبطال المسلسلات الباكية، ونبدو بعد انتهاء المسلسل، كأننا ناجون من محرقة، لم نحتمل وجود ساخرين كبار من أمثال "حبزبوز" الذي مات معوزاً، او المرحوم "ميخائيل تيسي " الذي أصدر أول صحيفة فكاهية أسماها " كنّاس الشوارع " أراد من خلالها انتقاد العادات والنواقص في الناس والمجتمع، فاختار لها المكنسة التي لم تجلب له في النهاية سوى المصائب بعد أن وجد نفسه ذات ليلة محاصراً بالعصي والسكاكين ليقرر على أثرها رمي المكنسة في نهر دجلة، .
في خضمّ أخبار الكآبة ووسط فوضى سياسية، ثمة أفعال وأخبار تبدو مضحكة أحيانا، من هذه الأخبار المضحكة، خبر الدب الذي قرر مسؤول عراقي ان يستورده للترفيه عن الكآبة التي تعاني منها عائلته بسبب انقطاع الكهرباء عنهم، وشحة راتب الوالد الذي لا يتجاوز الآلاف من الدولارات.
كان المفكر الإيراني الراحل، علي شريعتي، ، يقول "إن الكاتب الذي يتجرّد من مجتمعه، هو الخطر الأكبر على هذا المجتمع، حتى إنْ صعد على عرش المفكرين بالعالم، ليبقى مجتمعه على الانحطاط نفسه، ولو جاء أبو ذر الغفاري بدلاً من آلاف من أمثال الكتّاب الذين لالزوم لهم، لتخلّصت مجتمعاتنا من التخلف وأنظمتها الدكتاتورىة الحاكمة".
فيلم "الدبة" لن ينته لأنه يظهر لنا أن أنصار دولة الكوميديا أكثر مما نتوقع، وظهر أيضا أن أساطير السادة المسؤولين عن أنفسهم تجاوزت الحد المعقول، وان مفهوم السيطرة على البلاد والعباد، سيكون بديلا لمشروع الإصلاح وتقديم الخدمات، وأن حل مشاكل العراق يكمن في استيراد اكبر عدد من الدببة يضافون الى الدببة المنتشرة في مؤسسات الدولة .
***
علي حسين