أقلام حرة
صادق السامرائي: الأنا والأنا!!
الأنا هي الصورة الذاتية والطاقة الفعلية، التي تحرك آليات السلوك القائمة في الأعماق البشرية.
ويمكن تشبيهها بالمحرك الذي يحرك السيارة والطائرة والقطار، وغيرها من وسائط الإنتقال المبتكرة.
وقد تكون الأنا (أربعة سلندر) أو ستة أو ثمانية أو أقل أو أكثر، وذلك يعتمد على الظروف التربوية والبيئية والوراثية، والثقافة المختمرة في وعي ولا وعي الأجيال، والمتدفقة في قنوات الصيرورة الذاتية للإنسان.
ولكل فرد نوع من (الأنا)، ولكل أمة ومجتمع (أنا).
والمجتمعات القوية تبني (الأنا) القوية، بواسطة ما تقدمه من إنجازات تعزيزية، وآليات تقوية وإسناد وتدعيم لعناصر ومفردات (الأنا).
والمجتمعات الضعيفة تصنع (الأنا) الجمعية المتفقة مع حالتها القائمة، وتوفر المسوغات والإحباطات والخيبات والعثرات، والمعوقات اللازمة للإمعان بالإضعاف والسحق القاسي لمعالم (الأنا).
وعندما تكون الأنا الجمعية مستضعفة، ومفرّغة من ملامح الوجود اللائق بدورها وإرثها الحضاري والمعرفي، فأن (الأنا) الفردية تحاول أن تستجمع وتختزن طاقات أخرى لكي تعبّر عن الذات المفقودة، أو الحقيقة الغائبة والمطمورة في تراب الإستضعاف والإنهاك والدونية الماحقة.
وهذا يعني أن هذه المجتمعات تتسبب في إضطرابات شديدة للأنا الفردية، وتساهم برعايتها وتوظيفها للتعويض عن مرارة إندحاراتها وتفاقم عجزها.
ويتجسد ذلك بوضوح فيما يسمى بالتفاعلات السياسية، حيث يتحول الذين يحسبون أنفسهم ساسة، إلى حالات متصارعة أو متناطحة، ترفع رايات "وما اجتمعت بأذوادٍ فحول"!!
فتصول على بعضها البعض حتى تتحطم قرونها وتتهشم رؤوسها، وتصاب بأنواع النزيفات الداخلية التي تفقدها صوابها وتجردها من قواها العقلية والمنطقية، فتستكين لهواها وإنفعالاتها وغضبها المسعور الفائق الأجيج، وبهذا تتحقق الحرائق والدمارات القاسية في المجتمع.
لقد تضخمت (الأنا) وانتفخت في واقعنا العربي، وتحولنا بسبب ذلك إلى بالونات فارغة، أو براميل متدحرجة في صخب المأساة، والتفاعلات الناجمة عن هذا التصادم المتنامي الشديد.
وعاشت "أنا"، ولتسقط كلّ "أنا"!!
***
د. صادق السامرائي