أقلام حرة
العلاقات العراقية - الكويتية وازالة التراكمات
الأزمات الخليجية ما تزال تحمل بين طياتها الكثير، تارة يحتدم الخلاف، وأخرى يقترب فيها التصالح، حتى لو كان رياضيا، ورغم أن انفراجة داخل صناع القرار الخليجي، يأتي في ظل تخوفات عربية من توترات إقليمية قد تطيح بغالبية مناطق الشرق الأوسط، لا سيما بعد الأحداث المستمرة التي شهدتها المنطقة من تهديدات والتي قد تتجاهلها هذه الدول، والعلاقات العراقية -الكويتية جزء مهم منها ويبقى مستقبلها في حالة من التعقيد ومتأثرة بتراكمات المرحلة السابقة في ظل وجود واستمرار القضایا العالقة بینهم وملتبسة على صعید العلاقات الإقلیمیة في منطقة الشرق الأوسط، ومرهون بطبيعة التعامل مع التطورات الحاصلة على الصعيد المحلي والإقليمي بعد ان أصبح لها جذورها التاریخیة ویدخل في دوامة الصراع المقيت الفاقد للهدف، ومدى ارتباط هذه التطورات بالقضايا الخلافية العالقة بین البلدين والتي لا يمكن الحديث عنها إلا من خلال تناول احتمالات حل هذه القضایا والوسائل الممكن اتباعها لتهميش هذه القضایا في بناء العلاقات المستقبلية بين البلدین، وخصوصاً في ظل تأثير تواجد الولايات المتحدة الامريكية العسكرية والسياسية في العراق التي ترغب في تقیید قدرات العراق الصاعدة لحین تأمین مصالحها الاستراتیجیة سواء من حیث الوجود المباشر أو من حیث الاستثمارات والذي فرض واقعاً مستهتراًعلى الساحة العراقیة وله بالطبع امتدادات فیما یتعلق بعلاقات العراق الإقلیمیة والدولیة.
لقد واجهت هذه العلاقات توتراً ملحوظاً منذ عقود طويلة وتحدیداً منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وما فيه من سنوات بتأثيرات خارجية مثل بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية، وشهدت اموراً أكثر تعقیداً من أي خلافات بین دول متجاورة أخرى نتيجة عوامل داخلية وخارجية معقدة جداً.
اشتدت التوترات بعد قيام النظام الجمهوري في العراق عام 1958 وزوال النظام الملكي الهاشمي في العراق، وظهر ذلك جلیاً من خلال دعوة الرئیس العراقي الوطني الراحل عبد الكريم قاسم عام 1961 لضم دولة الكویت التي تدعي ' كونها لم تكن جزءا من الدولة العثمانية' وحاول غزوها واحتلالها إلا أن التدخل البريطاني وجهود جامعة الدول العربية آنذاك حال دون تحقيق ذلك، إلا أن المطالبة العراقیة بدولة الكویت ظلت تمثل هاجساً للأنظمة السیاسیة العراقیة المتعاقبة وصولاً إلى تقديم الدعم الكامل لنظام المجرم صدام حسین في الحرب العراقية ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية والذي قام باحتلال دولة الكويت عام 1990 متحدیاً العالم كله، واشعل مرحلة جدیدة ومعقدة جداً من الخلافات الكویتیة العراقیة بعـد انتهـاء الحـرب العراقیـة الإیرانیـة فـي 8/8/1988 وبدأت بوادر أزمة ترسـم الحـدود المتكررة بيـن البلـــدین تتصـــاعد لنظرة الكويت التوسعية . وكـــان خـــروج العـــراق مــن الحــرب محمـــلاً بـــدون باهظـــة ومشكلات اقتصادية واجتماعیة، سبباً لتزايد حدة الأزمة بين العراق ودولة الكویت، وبدأ العراق یطالب دولة الكويـت بـ دفع مساعدات اقتصادية له وتأجير بعض الجزر الكویتیة كمنفذ تجاري ومائي علـى العـالم، إلا أن دولـة الكويت رفضت بشدة المطالب العراقیة.
وما زاد التوتر تصعيداً هو احتلال العراق للكويت في عام 1991 بأوامر من رئيس النظام البعثي، والخلافات بين البلدين حول مجموعة كبيرة من القضایا التي أضافت تعقیداً جدیداً للقضايا الخلافية السابقة، فبعد أن كان العراق یتهم دولة الكویت باستغلال انشغاله بالحرب على إیران لسرقة نفطه ومحاولة التلاعب بالحدود بين البلدین، ظهرت مشاكل أخرى بین البلدين وأمها إشكاليات ترسيم الحدود والحقول النفطية المشتركة. وكذلك التعويضات المالية العراقية لدولة الكويت عن الاحتلال، إضافة للمشكلة القدیمة المتمثلة بالدیون الكویتیة للعراق إبان الحرب مع إیران وأخیرا الأسرى والمفقودين نتيجة للاحتلال العراقي.
لقد تراكمت هذه القضايا الخلافية دون أية محاولة لإيجاد حل لها حتى قیام الولایات المتحدة الأمریكیة باحتلال العراق عام 2003. وهنا استغلت الكويت ضعف السلطة الحاكمة في استغلال العلاقة مع الولايات المتحدة وقربها منها لإطلاق مشروع مبارك الكبير والمثير للجدل على جزيرة بوبيان، ويقول الخبراء ان هذا الميناء سوف يؤدي الى حدوث تداعيات كبيرة سلبية خطيرة على الموانئ العراقية ويمثل الميناء موقعاً جغرافياً حيوياً في شمال الخليج بالقرب من السواحل العراقية عند مصب شط العرب وعلى زاوية الحدود العراقية – الكويتية المتزايدة الاهمية لوقوعها على قناة مرور ناقلات النفط التجارية الى الموانئ العراقية ومحاولات ايقاف العمل بمشروع ميناء الفاو الكبير بمغريات تقدم للمشاركين في عملية مناقشة الموضوع وكذلك لترسيم الحدود لفرض الكثير من إرادتها ورفضها النظام الجديد وفي الحصول على مكاسب وشراء ذمم البعض من المسؤولين المبعوثين لمناقشة المشاكل العالقة واسكاتهم بتبريرات واهية والتماطل في إيجاد الحلول، وجاءت قمة التأزم بالعلاقات الكویتیة مع العراق الجدید عام 2011 مع إعلان دولة الكویت نيتها بناء هذا الميناء الذي رأت فیه العراق اعتداء ً كویتیاً على الممرات البحرية المؤدية للموانئ العراقية (مع العلم ان السواحل الكويتية تبلغ 500 كم في حين ان السواحل العراقية لاتزيد عن 50 كم) وطلبت العراق رسمیاً وقف العمل بهذا الميناء والذي راي العراق إغلاقــاً لأي فرصــة لوجــود منفــذ بحــري عراقــي علــى الخلــیج مستقبلاً وهو الأمر الذي ثارت حوله إشكاليات عديدة وصلت إلى حد إطلاق تهديدات عراقیـة لدولـة الكویت، كما أخذت مجموعة من النواب العراقيين وبعض المسؤولين العراقیین على عاتقهم شن الحـرب الدبلوماسـیة والإعلامیـة فـي محاولـة لتعطیـل المشـروع،إلا أن الكویت أعلنت استمرارها بالبناء باعتبار المیناء يقام على أراضي الكویتیة ولا يسمح للعراق بالتدخل في السیادة الكویتیة على أراضيها.
ولابد الكویت والتي تتميز ازماتها بالركود بتوافر البیئة الإقلیمیة الدافعة بهذا الاتجاه أولا والعامل النفسي وتأثیره في منظومة صنع الفعل الاستراتیجي من قبل الكویت باتجاه العراق، ان إدراك حقیقة خطورة هذا العمل والحفاظ على الجوار الجغرافي والروابط التاریخیة والحضاریة والعلاقات العشائریة والقبلیة والأواصر الاجتماعیة من الزواج والمصاهرة والنسب والقرابة منذ عقود طویلة عبر التاریخ لا یمكن لهما بأي حال من الأحوال سواء جاءت هذه الحكومة أو تلك، أن یبقیا البلدین على طول المدى في حالة تجاذب سیاسي وتنافس اقتصادي وتوتر حدودي وخلاف مالي، وعليها ان تدرك التطورات الخطیرة المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي مع هبوب ریاح والعواصف الخارجية والتي قد تصل لها وقد تحمل في طیاته مفاجآت لا تستثنى أحدا من الأنظمة السیاسیة القائمة في المنطقة،ويجب التحرك بأتجاه بشكل مطرد نحو المزید من الترابط والتعاون على كافة الصعد السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة وإن الأمن الخلیجي یرتكز على مجموعة من التحدیات منها تحدي استقرار العراق وانعكاسه على فاعلیة الأداء في العلاقات الكویتیة العراقیة، وهناك فرصة للدولتین بأن یتخلصا من الإرث التاریخي الذي لوث علاقتهما وینظرا إلى المستقبل بنظرة تفاؤل وخصوصاً أن المنطقة العربیة تعیش حالة مخاض ولعل تجربة العراق الدیمقراطیة تتحول إلى مثال یفرض نفسه ومن هنا أن هنالك ضرورة لاستقراء واقع العلاقات مع العراقیة خلال المرحلة الحالیة من قبل الكويت ودراستها بواقعية تحافظ على مصالح البلدين الشقيقين.
***
عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي