أقلام فكرية
حاتم حميد محسن: الاختلاف بين هوبز ولوك حول حالة الطبيعة

دعا توماس هوبز الى ضرورة ايجاد سلطة مطلقة للحفاظ على النظام العام، بينما وقف لوك مع الحكومة المحدودة لحماية حقوق الافراد والحريات. كان لهوبز ولوك تصورات مختلفة عن الطبيعة البشرية والمجتمع. هما سألا: كيف ستكون الحياة بدون حكومة؟ بالنسبة لهوبز، الجواب هو الفوضى والخوف والصراع. اما لوك، فان الحياة بدون حكومة هو سؤال حول الحرية والمساواة في الحقوق الطبيعية. أفكارهما حول "حالة الطبيعة" تحدد الطريقة التي ينظران بها للسلطة والحرية، والكيفية التي تُصنع بها الحكومات. ان فهم الاختلاف بينهما هو وسيلة لرؤية الجذور التي وصلنا منها الى أنظمتنا السياسية الحالية. لنحلل الان هذا بالتفصيل.
مفهوم هوبز لحالة الطبيعة: الحياة سيئة ووحشية وقصيرة
اعتقد توماس هوبز ان الناس سيئين بطبعهم عندما لاتوجد هناك حكومة. هو تصوّر كيف ستكون الحياة بدون قوانين وقواعد واجبة الإتّباع من كل شخص – هذه تسمى "حالة الطبيعة" state of nature. في هذه الحالة، يرى هوبز ان الافراد سيعيشون في خوف دائم بسبب عدم وجود من يحميهم من بعضهم. الموارد مثل الطعام والماء وأماكن العيش ستكون محدودة، ولهذا ستكون الحياة صراعا مستمرا للوجود. النتيجة هي ان الناس ينتهون بحياة "انفرادية، فقيرة، سيئة، وحشية، قصيرة".
لنتخيل لو كنا جميعا نحن الشرطة لأنفسنا، نراقب باستمرار ظهورنا. اذا لم يوجد هناك نظام للحفاظ على الشرعية (حفاظ على السلم)، ولا يوجد رجل شرطة، سوف نصبح قلقين من كل شخص آخر. عندما يزرع شخص ما طعاما، سيكون حتما هناك آخرون يسرقونه – على سبيل المثال، اثناء اوقات الانهيار الاجتماعي، بعد الزلازل، حيث يصارع الناس على أشياء بسيطة مثل قناني ماء. هوبز اعتقد هذه هي الطريقة التي يتصرف بها الناس عندما لا تكون هناك قوانين. اساسا، العنف سيصبح طريقة حياة عادية لكل شخص .
وبسبب هذه الرؤية الكئيبة، جادل هوبز ان الطريقة الوحيدة للهروب من هذا الموقف الموحش والسيء هو ان يتنازل كل شخص عن حقوقه لحاكم قوي منفرد "ليفيثان" يضمن ان يتصرف جميع الناس بشكل جيد. وطبقا لهوبز، يحتاج البشر الى قائد قوي يستطيع فرض القواعد ويوفر الآمان ويمنع المجتمع من العودة الى بداياته الوحشية.
مفهوم لوك لحالة الطبيعة: حقوق طبيعية وحرية
جون لوك تمسك بمنظور أكثر ايجابية من توماس هوبز حول حالة الطبيعة. اذا كان هوبز اعتقد ان الحياة بدون حكومة ستكون "منعزلة، فقيرة، قاسية، وحشية وقصيرة"، فان لوك رأى انها يمكن ان تكون سلمية – طالما تُحترم فيها حقوق الافراد.
طبقا للوك، غياب الحكومة لا يعني الفوضى . بل هي تعني عدم وجود حكام او حكومات. في هذا الموقف، كل شخص هو مستقل ومتساوي. لوك على يقين ان الناس يستطيعون العيش مع بعضهم بسلام بدون أي سلطات طالما يتفقون مع بعضهم على التعامل المتبادل بإنصاف وحماية حرية كل واحد منهم. لكي نفهم هذه الحجة بشكل أفضل، لنتخيل عدد قليل من الناس يعملون بشكل تعاوني: كل واحد يساهم بالمهارة او الموارد للمصلحة العامة. هذا التعاون يرتكز على احترام حقوق الآخر. قال لوك، ان الافراد يمكنهم استعمال العقل لحكم أنفسهم. هم لا يحتاجون لحاكم مطلق للحفاظ على السلم. وبالرغم من السلمية العامة في هذا الظرف الطبيعي، يبقى الصراع ممكنا طبقا للوك. لذا، يتفق الافراد على انشاء حكومة. لكن قوتها يجب ان تكون محددة بشكل صارم، وينبغي لهذه الحكومة وبشكل رئيسي حماية حقوقهم وبشكل أفضل مما يمكنهم القيام به لوحدهم. جادل لوك ان مثل هذه الادارة يجب ان لا تنسى لماذا اتفق المواطنون على حكومة واحدة في المقام الاول – وهي الفكرة التي تتناغم مع العديد من الحركات السياسية اللاحقة وحتى الوقت الحاضر.
دور الخوف والثقة في طبيعة الانسان
توماس هوبز وجون لوك يختلفان في العديد من المظاهر المتعلقة بدور الخوف والثقة في طبيعة الانسان. طبقا لهوبز، الخوف يحفز الافراد. بدون وجود هيئة رسمية تفرض القوانين، سيكون الافراد دائما على الحافة، يخافون اما من الموت او التعرض للخيانة او يُصابون بالأذى من الآخرين. دعونا نتصور الموضوع على الشكل التالي: لو نظرنا الى أي مجتمع فيه كل شخص على أهبة الاستعداد للدفاع. في ظل هذه الظروف، جادل هوبز ان الخوف سيقود الناس للبحث عن الأمن من خلال وضع أنفسهم طوعا تحت سلطة حاكم قوي. هم يمكنهم فيما بعد تأسيس قواعد وتعليمات مع ضمان فرضها بحيث تحمي كل شخص من أي شخص آخر. رؤية لوك ليست تشاؤمية. هو رأى ان الناس قادرين على تأسيس علاقات جديرة بالاحترام مع بعضهم بالارتكاز على الثقة بدلا من الخوف. في حالة لوك الطبيعية، الافراد يمكنهم الاعتراف بحقوق بعضهم والتعاون فيما بينهم لمنافع متبادلة.
لنتخيّل مجموعة من المزارعين منخرطين بتهيئة التمويل اللازم لنظام ري. كل واحد سيكون مقتنعا بكونه ممثل بشكل متساوي وايضا يثق بالآخرين للقيام بهذا. لن تكون هناك حاجة الى استدعاء قوة أعلى كمنفّذ للتعاون. نظر لوك للافراد كونهم لديهم القدرة للعمل مع بعضهم من خلال العقل ومن الطبيعي جدا للناس التعاون بدلا من حالة الصراع المستمر. بالنسبة الى لوك، الثقة وليس الخوف شكّلت الأساس للجماعة وبالتالي، الحافز للحكومات.
العقد الاجتماعي: ليفياثان هوبز مقابل الحكومة المحدودة للوك
آمن توماس هوبز وجون لوك في مفهوم العقد الاجتماعي، رغم الاختلاف في رؤيتهما لهذه الفكرة. هوبز يرى ان الطريق للخروج من فوضى حالة الطبيعة هي ان يتخلى الناس عن بعض حقوقهم لحاكم ذو سلطات مطلقة –"ليفياثان" يثق بطاعة كل شخص للقواعد. بالنسبة لهوبز من الضروري تماما امتلاك شخص ما او مجموعة لسلطة مطلقة للمحافظة على النظام في المجتمع ومنعه من الانزلاق مرة اخرى لحرب الجميع ضد الجميع. الناس يتفقون على طاعة حاكم ومنحه سلطة مطلقة مقابل حماية الافراد ليس فقط من عنفهم وانما ايضا لكي يشعروا بالأمان في السرير ليلا.
نظر لوك الى العقد الاجتماعي بشكل مختلف. هو اعتقد ان الافراد لم يتخلّوا عن كل حقوقهم عندما يلتحقون بالمجتمع. بدلا من ذلك، هم وضعوا اتفاقية مع بعضهم البعض لإمتلاك حكومة تحمي حقوق كل واحد منهم (الحياة، الحرية، الملكية).
انت تستطيع تصوّر جالية اتفقت على انتخاب ممثلين لها. مهمتهم ستكون الإعتناء بمصالح واهتمامات كل الجالية. لوك قال ايضا يجب ان تكون هناك اشياء لا تعملها الحكومة، والناس يجب ان يكون لهم الحق بإنهاء الاتفاقية ان لم تلبّي هذه الشروط. خلافا لهوبز الذي لا يؤمن بقدرة البشر على العيش مجتمعين بدون سيطرة شخص ما قوي – لوك اعتقد ان الناس يمكنهم الإعتناء بأنفسهم. هذه الفكرة حفزت الديمقراطيات في كل مكان (حيث الحكومة مسؤولة عن إجراء انتخابات منتظمة).
حقوق الملكية ومفهوم الملكية
توماس هوبز وجون لوك كان لهما رأيان متضادان بشأن حقوق الملكية والملكية في حالة الطبيعة. طبقا لهوبز، في حالة عدم وجود حكومة، سيكون من المستحيل لأي شخص ان يكون آمنا بسبب عدم وجود آمان للملكية. اعتقد هوبز ان الملكية الحقيقية توجد فقط عندما تكون هناك دولة قوية تفرض القوانين التي تحمي الملكية. في حالة عدم وجود ليفاثيان يضع هذه القواعد، فان كل شيء متاح ويمكن السيطرة عليه في كل الاوقات. اما جون لوك، فقد جادل ان حقوق الملكية هي فطرية. طبقا للوك، اذا مزج الافراد عملهم مع الموارد، يمكنهم المطالبة بتلك الموارد باعتبارها لهم. فمثلا، الشخص الذي زرع الارض وأنتج طعاما، او بنى بيتا فهو له حق متأصل بتلك الملكية الخاصة. لو ان نجارا عمل منضدة من الخشب، يرى لوك ان العمل ذاته هو ضمان ملكية المنضدة، ويضيف ان الحكومة يجب ان تحمي فقط حقوق ملكية معقولة ومرتبطة بالعمل. خلافا لهوبز، هو لم يعتقد ان منع العنف او منع الإستيلاء بالقوة يشكل الهدف الوحيد او الرئيسي للحكومة الشرعية.
اذن ما هي الاختلافات الاساسية بين هوبز ولوك؟
الرجلان لديهما فكرتان متعارضتان بشأن المجتمع والطبيعة البشرية. هوبز اعتقد انه في حالة الطبيعة، ستكون هناك حرب مستمرة – وهو الموقف الذي يكون فيه كل شخص ضد الآخرين – وجود مشبع بالخوف بحيث لا أحد يستطيع فرض السيطرة الاّ الحاكم الأقوى. اما جون لوك فهو يؤمن بالضد من ذلك: هو اعتقد ان الناس كانوا متساوين واحرار في هذا الظرف الماقبل اجتماعي ولازالوا مستعدين للإعتراف بحقوق الآخر.
وعندما يأتي هوبز الى قضية ضمان الأمن، فهو جادل لأجل السلطة المطلقة، بينما أصر لوك على الموافقة كشيء أساسي لحماية الملكية والحرية واسلوب الحياة.
اذن، ما هو النموذج الأفضل اليوم؟ هذه المفاهيم المختلفة تستمر بالتأثير وصياغة النقاشات السياسية المعاصرة. هل هناك حالات يجب فيها التضحية ببعض الحريات لكي يمكن زيادة الأمن الكلي؟ او هل يجب ترك الافراد دون المساس بحقوقهم الطبيعية؟
يرى هوبز ان سلطات مركزية قوية يجب ان تكون قادرة على الحفاظ على السلم والنظام. افكار لوك تتحدث كثيرا عن الديمقراطية وحرية الافراد والحاجة الى وسائل للرقابة والسيطرة على اولئك الذين يمسكون بالسلطة.
***
حاتم حميد محسن