أقلام فكرية
كاظم لفتة جبر: المشاعر الانسانية الخالصة
تعبر المشاعر عن الفهم العاطفي للأشياء من حولنا. لما نحمله من أحاسيس ومواقف اتجاه الموضوعات.
وتعني الإنسانية القيم الأخلاقية والجوانب الإيجابية والقواسم المشتركة بين الناس التي تظهر فيها انسانيتهم وشعورهم الجميل اتجاه بعضهم باختلاف هذا الشعور لدى الافراد.
كما يرتبط الشعور الانساني بالجانب الأخلاقي والقيم العليا كالحق والخير والجمال، وهذا ما أكد عليه الفيلسوف ايمانويل كانط اذ رأى بأن الإنسانية هدف الاخلاق وأساس فكرة الواجب، لأن المفاهيم العليا هي التي تحدد المعنى الانساني للناس، وكون ما هو لا إنساني جزء من الإنسان، فالحق مضاد للباطل، والشر مضاد للخير، والقبيح مضاد للجمال، وهذا كان معنى الانسانية في تصورات الفكر الأولى.
إذ اخذ معنى الإنسانية الطلاق والشمول في الفهم، ولازال كذلك يتصوره الأغلب، ألا أننا نجد معناه متغير غير ثابت، ففي كل عصر معنى للإنسانية كونه مرتبط بالمشاعر، كذلك خاضع للعوامل الخارجية والظروف الداخلية لكل فرد، والبيئة والثقافة التي تسود في جغرافية ما، فالذي يرسم معالم الإنسانية ليس الإنسان، بل نسق و بنية تحكم العصر والمجتمع، قد يكون الدين، وقد تكون أيديولوجية، أو عادات وتقاليد، وقد تكون التكنولوجيا. لذلك نحن لا نملك مشاعرنا.
وقد ظهر مفهوم الإنسانية في القرن التاسع عشر للدلالة على منجزات وافكار عصر النهضة، وتقدم الإنسانية في العلوم والفن والأدب والجمال، لذلك ارتبطت معاني الإنسانية بالعلمانية والتقدم ورفض المعاني الدينية. لذلك كان ينظر لهذه الحركات نظرة ريب كون أن عقل الناس تعود على احتكار الدين لمعاني الحياة والفكر.
إذن فالمشاعر الإنسانية متصيره في المعنى، ويخضع فهمها للمعرفة والثقافة والسلطة، والحالة النفسية، وتظهر في كل ما نفعله ونتفاعل معه، فليست كل محبة ذات معنى انساني كما يفهما الأغلب، بل إن الكره جزء مهم من وجود الإنسان كونه كائن غريزي عاطفي في اختياراته ومشكلاته وتعامله مع الاخر، كما أن المحبة يمكن أن تختل انسانيتها عند ما تخضع للمجاملة والتعصب والأفكار المنحرفة. لذلك لجئ الإنسان إلى فهم ذاته وتحولاتها، وقلب كل ما هو لا إنساني إلى شيء إنساني من خلال الفنون والجماليات.
فالتساؤل الذي يمكن أن يطرح، ما الذي يُحدد المشاعر والسلوكيات بالمعنى الإنساني؟
ويمكن الاجابة عن ذلك، بأن المعنى الإنساني لا يمكن ان يحدد من خلال الفعل أو التفاعل بين الأنا والآخر، بل المعنى كامن في النية والدوافع الإنسانية، وعلى الرغم من أن تلك الدوافع ذاتية، ألا أنها تكتسب معناها العام من التفاعل معها من قبل المجتمع.
اذ تُرسم ملامح الإنسانية تحت سطوة سلطة المجتمع، فما اتفق عليه أنه إنساني فهو إنساني لمجتمع ما، وما اتفق عليه أنه لا إنساني فهو لا إنساني وخير دليل على ذلك ما يحدث حول أمر ما في منصات التواصل الاجتماعي، فالمعنى الإنساني يرتبط بالثقافة والهوية لا بالحقيقة، التي حددتها القيم العليا. وهذا ما أكده عالم الاجتماع والفيلسوف اوجست كونت بأن الإنسانية تشكل كائناً جماعياً يتطور مع الزمن.
وترى هلينا كرونين من خلال مشاركتها في كتاب (الانسانيون الجدد) من تحرير جون بروكمان، أن الطبيعة البشرية ثابتة، أنها طبيعة كلية، وغير متغيرة ومشتركة عند كل طفل يولد، بما يسري خلال كل تاريخ نوعنا، أما السلوك البشري الذي يتولد عن هذه الطبيعة فهو متباين ومتنوع إلى مالا نهاية، فإذا أردنا أن نغير سلوك ما، ما علينا إلا أن نغير البيئة. أذن طبيعة الإنسانية تنقسم إلى قسمين: فطرية وأخرى مكتسبة.
فالمعاني الإنسانية من كرم وإيثار واحترام وشجاعة وعفة وشرف معاني متفاوتة بين الناس والأمم بسبب طبيعة اختلاف تبني الأفكار والثقافات والهويات، كما أن التطور التكنولوجي والتواصل الرقمي سمح للناس بالتعرف على طبيعة تلك الاختلافات، واكتشاف أهم المشتركات بين الشعوب بعيداً عن السياسات والايديولوجيات، وهذا ما ظهرلنا في أزمة كورونا، وكذلك في القضية الفلسطينية.
فالإنسانية بالمعنى الأيديولوجي تعتمد السببية، وفي المعنى الديني تعتمد الأمور الصالحة، أما في عند الإنسان متجردا من كل فكر وهوية، فهي المشاعر الجمالية الخالصة.
***
كاظم لفتة جبر