أقلام فكرية
حاتم حميد محسن: سبينوزا ووحدة الوجود
ذات مرة، كتب المهندس المعماري الأمريكي فرانك لويد رت :"انا اؤمن بالله، لكني فقط اسميه طبيعة". هذا باختصار، يلخص العقيدة الفلسفية لوحدة الوجود، وهي العقيدة بان الواقع مطابق للالوهية: أي ان الكون مظهر او تجسيد لله.
بالنسبة لأنصار وحدة الوجود، الله ليس شكلا مجسما يتدخل في الشؤون الانسانية، ويعمل خارج قوانين الطبيعة، بل هو ببساطة الكائن الدائم، والسبب الغير مسبَّب لجميع هذه القوانين والذي يكمن في قلب الوجود.
وهكذا لا وجود هناك لإله سوى مركّب المادة والقوى والقوانين المتجسدة في الكون. الوجود ذاته هو إلهي.
هذه الفلسفة في وحدة الوجود نالت شهرة في الثقافة الغربية كثيولوجيا وفلسفة مرتكزة على عمل الفيلسوف سبينوزا في القرن السابع عشر(وبالأخص كتابه الأخلاق).
يقترح سبينوزا اننا نستطيع اكتشاف وتحسس الله ليس من خلال العبادة الخاضعة لعالم متعالي، وانما باستعمال الفلسفة والعلم لإنارة الوحدة العجيبة للعالم الذي نعيش فيه حقا.
الحرية والتنوير ينتميان الى هذا الواقع، وليس الى عالم مختبيء وخيالي غير متاح الاّ للسلطات الدينية. (السلطة الدينية في زمن سبينوزا سارعت الى معاقبة سبينوزا وطرده بعد اقتراحه هذا).
اذا كان سبينوزا يقف بقوة في صف وحدة الوجود، فان بعض الباحثين يرون ان فلسفته في الحقيقة هي أقرب الى الواحدية الوسيطة لكارل كروس panentheism (1) وهي العقيدة بان الكون هو "في" الله بدلا من ان يكون نفس الله.
هل ان وحدة الوجود ميتافيزيقا جميلة ام انها فارغة المحتوى؟
كثيرا ما يُساء فهم وحدة الوجود، فهي كانت مؤثرة بعمق طوال التاريخ. عندما سُئل آينشتاين من جانب الحاخام هربرت غولدشتاين ما اذا كان يؤمن بالله، أجاب:
"انا لا اؤمن بإله يهتم بمصير البشرية وبأعمالها، بل بإله سبينوزا الذي يكشف عن ذاته في الإنسجام بكل ما موجود في الكون". كان لوحدة الوجود تأثيرات راديكالية. من المهم ان نتذكر، ان الطبيعة غير منفصلة عنا، نحن أنفسنا طبيعة.
الفيلسوفة المعاصرة هيلين دي كروز كتبت:
"حالما تدرك انك تعبيرعن كل الطبيعة، انت ستدرك بالرغم من انك ستموت، انك ايضا خالد بالمعنى غير التافه". من جهة اخرى، يشكو فيلسوف القرن التاسع عشر آرثر شوبناور من ان "وحدة الوجود هي فقط كناية عن الإلحاد"، لأنك "عندما تسمّي العالم إله فانت لا توضحه، انت فقط تثري لغتنا بمرادف لكلمة "العالم" وهو مرادف سطحي لا لزوم له .
***
حاتم حميد محسن
....................
الهوامش
(1) للتمييز بين وحدة الوجود pantheism و الواحدية الوسيطة panetheism التي صاغها الفيلسوف الألماني K.C.F.Krause1781 -1832) كمحاولة لايجاد موقف وسط بين التوحيدية الايمانية ووحدة الوجود ، فان هذه الرؤية ترى ان كل الوجود في الله، وان العالم والله معتمدان كل واحد منهما على الأخر في التأثير، حيث هناك ترابط داخلي بين الله والعالم، باعتبار ان العالم في الله والله في العالم. انها تساوي الكون مع الله (كوحدة الوجود) لكنها خلافا لوحدة الوجود تسمح لله لتكون له هوية منفصلة متميزة عن الكون . في الواحدية الوسيطة، كل ما موجود هو متضمن في الله، لكن الله منفصل وأكبر من كل الأشياء الموجودة. هذه الصيغة من وحدة الوجود ليست انجيلية كونها تنكر الطبيعة المتعالية لله، وتنكر ايضا المعجزات وترى ان الله يتغير. طبقا لها، الروح الكونية توجد في كل مكان، والتي بنفس الوقت "تفوق" كل الاشياء المخلوقة. يرى كارل كروس ان الالوهية والتي يعرفها الضمير بداهة ،ليست شخصية (لأن الشخصية تنطوي على قيود)، وانما هي جوهر شامل لكل شيء، يحتوي الكون ضمن ذاته.