أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: جون رولس وقناع الجهل

ما هي صفة المجتمع العادل؟ كيف يمكن ان ينظّم الناس انفسهم بأحسن طريقة لضمان ان لا يُعامل أي شخص بشكل غير عادل؟ كيف يجب ان تُوزع السلطة والثروة والحرية؟ هذه من الأسئلة الصعبة والمعقدة، والجواب عليها يختلف حسب التجارب الحياتية للناس ونمط عقائدهم وقيمهم.

في الحقيقة،عندما نناقش ما هو الأحسن للمجتمع، نحن عادة نناقش بدرجة ما ما هو الأفضل لأنفسنا وعوائلنا او،على الأقل، نحن نسترشد بتصوراتنا الخاصة حول ما تعنيه "الخيرية".

هل هناك طريقة اذاً؟، لننظر ما وراء تحيزاتنا الشخصية ومصالحنا وعقائدنا؟ ماذا يمكن ان نعمل لتأسيس وصف او تفسير محايد للعدالة؟

يستخدم جون رولس في نظريته للعدالة اثنين من المفاهيم الاساسية يستطلع فيهما المبادئ التي يجب ان تحكم المجتمع.

1- الموقف الأصلي:

وهو موقف افتراضي يأتي فيه الافراد مجتمعين لتأسيس مبادئ للعدالة تحكم مجتمعهم. في هذه التجربة الفكرية، يُفترض ان يكون الافراد راشدين وأحرار ومتساوين. هم يوضعون خلف قناع من الجهل يمنعهم من معرفة تفاصيل معينة حول أنفسهم، مثل مكانتهم الاجتماعية، الثروة، المواهب، العرق، الدين او الافضليات الشخصية.

في عمله عام 1971 (نظرية العدالة) يستعمل رولس نظريته كنقطة بدء، الموقف الاصلي، يبني منه موقفه بان العدالة المجتمعية  تعني بالضرورة الانصاف .

2- قناع الجهل:

وهو عنصر أساسي في نظرية رولس. قُصد به ضمان ان مبادئ العدالة المتفق عليها في الموقف الأصلي هي منصفة وغير متحيزة. الافراد ومن خلال عدم معرفتهم بخصائصهم الشخصية، يُجبرون للنظر في مبادئ للعدالة تكون مقبولة لدى جميع افراد المجتمع بصرف النظر عن ظروفهم الفردية.

عندما نقوم بتقطيع كيكة الى شرائح، فان أذكى طريقة لضمان الإنصاف هي التأكد من ان لا يكون الشخص الذي يقطع الكيكة هو الشخص الذي يقرر منْ سيحصل على كل قطعة. في نفس هذه الروحية، يعتقد الفيلسوف السياسي في القرن العشرين جون رولس ان افضل طريقة لتعريف المجتمع العادل هي باستخدام ما يسمى "قناع الجهل".

الفكرة التي خلف قناع الجهل هي انه لو ان الافراد لا يعرفون موقعهم الخاص بهم في المجتمع، سيكون من المحتمل جدا ان يختاروا مبادئ تكون منصفة وعادلة لكل فرد، بدلا من تفضيل مبادئ تفيد أنفسهم على حساب الآخرين. يجادل رولس بانه خلف قناع الجهل ، سيختار الافراد مبادئ تضمن الحقوق الأساسية والحريات للجميع، بالاضافة الى الفرص والمنافع للفئات الأقل حظا في المجتمع.

رولس يدعونا ان نتصور القوانين التي سنتفق عليها جميعنا لو لم تكن لدينا فكرة عن منْ نحن وأين ننتهي في المجتمع: نحن ربما وُلدنا لأي عائلة، في أي موقف، وتربّينا على مُثل لعدة انظمة عقائدية. يبدأ رولس من هذا "الموقف الأصلي" للجهل بخصائصنا الشخصية وظروفنا الاجتماعية معتقدا ان معظم الناس سيرون انه من العقلاني والمقبول الاتفاق على مستوى معين من الرفاهية العالمية والتعليم والفرص، وحماية الحقوق الاساسية والحريات. في النهاية، انت قد ينتهي بك الامر كونك أي شخص – غني، او فقير، معافى صحيا او مريض.

لهذا انت من غير المحتمل ان تقترح نموذجا يستلم فيه بعض الناس ثروات كبيرة، وآخرون يولدون في فقر مدقع، ويكونون عرضة للتمييز نتيجة عرقهم او عقيدتهم او نوع جنسهم.

في الحقيقة، ان العمل في ظل قناع الجهل، ستترتب عليه نتيجتين هامتين للعدالة:

1- منح المساواة:

كل شخص تُضمن له حريات اساسية تتضمن حرية التفكير والكلام والتعبير والانتماء والحق في الملكية.

2- معالجة اللامساواة:

اذا كان كل شخص يتلقى مستوى عادل من التعليم، وفرص في تطوير تام لقدراته، والحظ في المنافسة على المواقع الرسمية، والمسؤولية، والتجارة وغيرها، عندئذ فان اللامساواة في الثروة والسلطة تكون مسموح بها طالما هي تفيد فئات المجتمع الاقل حظا. على سبيل المثال، اذا كانت لدى شخص ما موهبة معينة في القيادة، عندئذ هو يمكن ان يتمتع بالمكافئات الاجتماعية والاقتصالدية التي تترافق معها، طالما هذا الترتيب يُبنى بطريقة تعطي أقصى منفعة لمن هم في أسفل السلم الاجتماعي (أي،لا تصبح مؤذية او مستغلة، وانما تحسّن ظروف الجميع، جاعلة كل فرد افضل حالا مما لو كان في أي نظام بديل آخر).

بالطبع، رولس يقترح قناع الجهل كفرضية لتجربة فكرية – شيء يوضع في الذهن عند البحث عن تاسيس مبادئ للعدالة اساسية وحيادية يُحكم بواسطتها المجتمع.

الإنتقادات

1- النقاد المعاصرون لنظرية رولس المثالية يتسائلون عن الفائدة العملية من الافتراضات المثالية مجادلين بانها لا تقول لنا الكثير عن الكيفية التي تعمل بها في عالم غير مثالي. مُثل رولس في الامتثال الصارم هي غير واقعية وتفتقر الى علاجات للظروف الحقيقية الغير مثالية والمتحيزة.

2- انها تعمل فقط اذا كان الافراد رشيدين تماما ولم يتأثروا في قراراتهم بالاختلافات في الذوق او كراهية المخاطرة او عوامل اخرى. واذا حاولنا ازالة تلك العوامل من الافراد الذين هم خلف القناع، سيبرز السؤال حول ما اذا كانت النظرية لاتزال طريقة جيدة للمجتمعات.

3- قناع الجهل يفرض قرارات على مستوى الافراد، هو لا يبيّن لنا الاشخاص الموجودين خلف حجاب الجهل الى أي مجموعة سينتمون في العالم الواقعي. هذا يستبعد القيم الجماعية او قيم الجماعة من عملية صنع القرار.

4- احدى المعارضات لنظرية رولس هي ان قيمنا تعتمد على مواقفنا الحقيقية حيث لا معنى من السؤال ماذا سنختار خلف قناع الجهل. نحن نفتقر خلف القناع للمعلومات التي نحتاجها لنقرر أي نوع من القواعد يمكن الاتفاق عليها للمجتمع.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم