أقلام ثقافية
محمد سهيل: قراءة في كتاب "امرأة على الشاطئ المقابل".. قصص لمحمد المجالي
بين يدي مجموعة قصصية او بالأحرى ميتا سرد يحمل عنوان (امرأة على الشاطئ المقابل) يجذبك منذ الوهلة الاولى بغلافه المميز الأنيق لمؤلفه الكاتب الأردني الشاب (محمد عبد الله المجالي) يضم بين دفتيه مائة وثمانون نصا سرديا مكثفا. نقتبس ــ بادئ ذي بدء ــ النص التالي: "بعض الجمال لا يخبو ابدا.. هو يتعتق فقط.. يصبح فاخرا.. يكون اكثر هدوءا واقل تهورا.. يزداد في تألقه.. وفي كل سنة تمضي تتضح فخامته.. الجمال بعد الأربعين يكون سحره متغلغلا ويقينيا.. لايمكن ان تتركه بعدما اعتقدت به.. هو حب لا ردّة عنه.. ناضج وفيه دفء كثير".. نص (بعد الأربعين) ص 94
في المجموعة قدر كبير من المغايرة في كل تفصيل.. فالمؤلف المجالي يهدي الكتاب الى: "النقاط الثلاثة.. التي استخدمها كفواصل بين جملي..و ففي هذا الفراغ الأكثر ارباكا.. الكثير من الكلمات التي عنيتها ولم اكتبها".. الاهداء ص 5
تنضوي المجموعة الى شكل من اشكال التقنيات البنيوية او ما يسمى بالميتا سرد وهو تقنية أدبية تتضمن قصة تتحدث عن نفسها وتنشغل ببنيتها الفنية، حيث يُستخدم السرد في العمل الأدبي ليناقش طبيعته وأسلوبه في السرد. إنه يجعل القارئ يدرك أن القصة ما هي إلا بناء فني، ويدعوه للمشاركة في عملية التفكير حول كيفية إنتاج المعنى: " عادة يكون الأكثر حديثا عن الفرح... هو الأكثر حزنا فقد اخبرتني احداهن يوما: انه حتى بائعة الورد تشتهي ان يهديها احدهم وردة".. بائعة الورد، ص 176
ومن خصائص الميتا سرد توفر عنصر (الوعي الذاتي) حيث يكون النص مدركا لعملية انشائه. هنا يكون النص مدركًا لعملية إنشائه، وينشغل بـِ "كيفية" سرد القصة بدلاً من مجرد سرد الأحداث: "احيانا اكتب نصا عاما.. اتناول فيه مسألة انسانية تعنينا جميعا... يغلفها الحزن بطريقة ما.. قد اتحدث عن حالة اشتياق لن يطفئه لقاء ابدا...".. نص لا يصلح للجميع، ص 58
اما الخصيصة الثانية من خصائص الميتا سرد فهي التركيز على البنية: حيث يُسلط الضوء على بنية العمل الأدبي، ويُشير إلى أن القصة ليست بالضرورة انعكاسًا مباشرًا للواقع: "أتؤمنون بالرسائل العابرة للزمن؟.. يكتبها احدهم في ماض بعيد.. لتتخطى السنوات الطويلة والأشخاص".. رسائل عابرة للزمن، ص160
التداخل مع المرويات الأخرى: قد يتداخل مع مرويات أخرى مثل الأساطير أو التاريخ لخلق نصوص موازية داخل العمل الأساسي.ان إشراك القارئ: يجعل القارئ مشاركًا فعالًا في بناء المعنى من خلال جعله واعيًا بالعملية السردية: "اعتاد ان يراسل غادة السمان ويشي لها ما في قلبه خلسة... كان يظن انها سره...".. رسالة الى غسان كنفاني ص 163
ويطغى الجانب التأملي على نصوص المجموعة متخذا شكل اعترافات وفترات بوح ذي طابع وجداني وفلسفي في آن معا: "انه لعمل عظيم ان تحتفظ بقواك العقلية... ان تستطيع مقاومة كل الأشياء التي تقودك الى الجنون في هذا العالم البائس".. عمل بطولي ص 181
منجز سردي لنصوص حرص كاتبها ان تنهمر كشلالات صامتة ضمن اسلوب يعتمد صياغات معتنى في بنائها.
وتتبقى ملاحظة صغيرة تتعلق بترجمة عنوان العمل (امرأة على الشاطئ المقابل) الى:
(A Woman On The Other Side)
وأرى شخصيا تحريا لمزيد من الدقة ان يترجم العنوان الى: (A Woman On The Other Shore) او
A Woman On The Opposite Shore
الكتاب صدر عن دار (امواج) 2019
كتاب يستحق القراءة.
***
قراءة: محمد سهيل احمد






