أقلام ثقافية

ناجي ظاهر: ثلاث صور للكاتب

يسعى الناس في العادة إلى تحسين ظروفهم المعيشية، ماديًا ومعنويًا، فترى كلًّا منهم يسعى بطريقته الخاصة به لتحقيق ما يرغب ويريد، وهذا ينطبق على كلّ الناس بمن فيهم الكتّاب، فماذا يطلب الكاتب وينشد عندما يتقدّم بكتاب ما إلى المطبعة أو دار النشر؟.. إنه يطلب الامرين، أو أحدهما كما سنرى. في هذا يتفق الكتّاب في شتى بقاع العالم، غير أنهم يختلفون وفق البلاد التي يعيشون فيها، فاذا كانت الدولة مُتقدمة وقارئة، كان وضع الكاتب كذا، وإذا كانت متخلفة، بين قوسين، كانت ظروفه كيت، اما اذا كان يكتب لأقلية فان امره يختلف كلّيًا.. وهكذا.. فيما يلي اتطرق الى ثلاث صور تجسّد وضع الكتاب في كل أصقاع العالم، بشكل عام.

الصورة الأولى، وضع الكاتب في الغرب:

يتّصف وضع الكاتب هناك بأنه عادة ما يكتب عمله الروائي خاصة، ويبذل أقصى ما يمكنه من تجويد، عبر المراجعة وإعادة الكتابة إذا تطلّب الامر، بعد الانتهاء مِن هذه المرحلة يتقدّم يكاتبه إلى إحدى دور النشر التي تروق له وتعجبه، فإذا ما قبلته، بعد معاينته والنظر فيه، وفيما يُتوقّع ان يثيره مِن أصداء تتمثّل في إقبال القراء عليه، قاموا بنشره بعد تحريره وبذل مجهود غير عادي من أجل أن يحظى الكتاب بالاهتمام المحتمل أولًا والإقبال على اقتنائه ثانيًا. وفي حال رفضته هذه الدار، عاود الكاتب الكرّة فأرسله إلى أكثر من دار، وفي حين قبول إحدى دور النشر إعداد الكتاب للنشر وطباعته، تبدأ مرحلة أخرى تتمثّل في تسويق دار النشر للكتاب ولفت القراء إليه، من أجل تحقيق الربح المرجو، ونحن إذا ما أرسلنا نظرة متمعنة فيما يُعانيه الكتّاب المبتدئون هناك، في العادة، فإننا سنلاحظ أنهم يواجهون العدد من العقبات والعثرات، حتى يصلوا إلى مرحلة الموافقة على إصدار الكتاب. في هذا المجال نشير إلى أن الكاتب يعرف أنه إذا ما حقّق كتابه نجاحًا حقيقيًا فإنه قد يرتاح طوال المتبقي من أيام العمر، مما يدرّه عليه كتابه من دخل دائم وسائل. يساهم في هذا كله الاقبال القرائي في الغرب، أما إذا لم يكن الكتاب ذو مستوى، انصرف عنه القرّاء وأهملوه.

الصورة الثانية، في عالمنا العربي المُحيط بنا:

ينقسم الكتّاب في هذا العالم اسوة بالعالم العربي، الى قسمين، فاذا ما كان الكاتب في بداية طريقه، فإنه يحتاج أولًا لأن يُثبت نفسه، حتى تغامر إحدى دور النشر المعروفة، وتُقدم على طباعته. لهذا تراه يتوجّه إلى هذه المطيعة أو تلك طالبًا منها طباعة كتابه، مُقابل مبلغ من المال. بعد طباعة عدد من الكتب التي تلفت الاهتمام، ويُعرف اسم الكاتب، قد تتعامل معه دار النشر بنوع من الليونة، غير أنها لا تُرحّب به تمام الترحيب، إلا إذا كان مشهورًا وسبق وحققت كتبه انتشارًا واسعًا، نسبيًا بالتأكيد. هكذا يجري الأمر في هذه الفترة بالطبع، أمّا في فترات سابقة، عندما كان الكتّاب قلةً في العالم العربي، فقد كان الكاتب عادة ما يتّفق مع دار نشر، بعد إثبات نفسه أيضًا، بحصوله على جائزة ما، أو باقتناع ناقد مشهور بما أنتحه وقدمه من مؤلفات، أما في الفترة الراهنة فإن الامر يختلف نوعًا ما، ذلك أن دار النشر عادة ما لا تغامر بطباعة كتاب قد يُخسّرها الكثير، لذا تراها تتعامل مع الكتّاب بقفازات مِن حرير وبحذر شديد. السبب في ذلك يعود أيضًا إلى قلة القُراء. وهنا في هذا العالم، يَطلب الناشر مِن الكاتب أن يكون قد أثبت نفسه، وبات الربح من وراء اصدار كتابه مضمونًا.

الصورة الثالثة، في بلادنا:

يُعتبر وضع الكاتب في بلادنا، وضعًا إشكاليًا ومن نوع فريد، فهو يندر أن يجد دار نشر قويّة ترضى بطباعة كتابه، خاصة الأول، الأمر الذي يحشره في الزاوية، كما يقال، فلا يكون أمامه من مفرّ، سوى أن يتوجّه إلى إحدى المطابع، أو دور النشر، التي نادرًا ما تخوض مغامرة إصدار كتاب دون ضمان مردوده ونجاحه، مهما كان محدودًا، وأن يعبّئ جيوبه بما تتطلّبه طباعة كتاب، ليقدّمها هنيئُا مريئًا إلى المطبعة أو دار النشر، هكذا يصدر الكتاب، غير أن صاحبه يواجه بعد صدوره، مُشكلة من نوع آخر، تتمثّل في توزيعه.. وفي ظل عدم الاقبال على الكتب في بلادنا، وتعويد الناس على تقديم الكتب إليهم مجّانًا، فإن الكاتب عادة ما يُضطر إلى توزيع كتابه مجانًا في هذه الأمسية أو تلك الفعالية الثقافية. نوع آخر مِن الكتّاب في بلادنا، يَعرف قوانين اللعبة وما ستوصله إليه مِن نتائج، عادة ما يبحث عن ناشر يُحسن إصدار الكتب بالشكل المُناسب والمقبول، فيخيره الناشر بين واحد من أمرين، احدهما أن يدفع مُقابل إصدار الكتاب، والآخر أن يقوم بتقديمه إلى إحدى المؤسسات المعنية بطباعة الكتب، مثل بايس، فإذا ما رضيت لجنة الفحص، عن الكتاب ووافقت على طباعته، على نفقتها الخاصة، قدمت المؤسسة التمويل السخي للناشر، فيقوم هذا بطباعة الكتاب، ويمنح صاحبه عددًا محدودًا مِن النُسخ، يقوم هذا الأخير بتوزيعه أيضًا مجّانًا على أصدقائه ومَن يتوقّع منهم شيئًا مِن التشجيع، في الاماسي والفعاليات الثقافية الأدبية أيضًا، وهناك نوع آخر مِن الكتّاب، ومعظم هؤلاء من الدارسين الجامعيين، عادة ما يتقدّمون باقتراح دراسات، سبق لهم وقدموها، ضمن دراستهم الجامعية أو قدّموها في أمسيات أدبية سبق لهم وشاركوا فيها. ويختلف هؤلاء عن باقي الكتّاب في بلادنا في أنهم نادرًا ما يقومون بالطباعة على حسابهم الخاص، ويتقدّمون بدراساتهم إلى دور النشر ذات العلاقة بالمؤسسات المعنية بتمويل اصدار الكتب، فتقوم هذه بطباعة ما يقدمه اليها أولئك، من دراسات في كتب فاخرة، ومِن المُلاحظ على هؤلاء أنهم يطبعون بالجُملة، ثلاثة أو أربعة كتب دفعة واحدة، وهم بالمُجمل لا يختلفون عن سابقيهم، في توزيع كتبهم في الامسيات الأدبية والفعاليات الثقافية، إلا فيما ندر.. فانهم يبيعون عددًا قليلًا مِن النُسخ. أما الكُتب المدرسية، فلها شأن آخر.. وحديث آخر، فهي الوحيدة التي تُربّح وتُريّح.

*كما ترى أخي القارئ، استعرضنا فيما سلف، أوضاع صور ثلاثة كتاب، كلهم يجهد وكلهم يكتب، مع اختلافات جذرية في أوضاع كلٍّ منهم، ففي العالم الغربي، تُوجد مساحات أكبر بما لا يُقاس، فيما يتعلّق بالنجاح الذي يُمكن أن يُحقّقه الكاتب في حال نجاحة، فقد أضحت كي رولنجز صاحبة هاري بوتر مثلا مِن الأغنياء الذين ينعمون بالحياة الهنيئة، الشهرة والمال، لقاء نجاح سلسلة كتبها، ويُهمني أن أشير هنا إلى أن الكثيرين من الكتّاب في الغرب، عادة ما ينصرفون عن الكتابة، إلى أعمال أخرى في حال عدم نجاحهم، أما في العالم العربي المُحيط بنا، فان الكاتب يُعاني حتى يصل، وتتمثّل معاناته هذه في أن دور النشر تُفضّل الربح المضمون وتترفع عن المغامرة، وكي يُحقّق الكاتب هناك، إبّان الفترة الجارية تحديدُا، نجاحًا ما، عليه أن يسلك طريقًا صعبًا، وأن يدفع الثمن تامًّا. وكلّ هذا يتمّ جرّاء قلة القُرّاء.. تلك القلة التي تخيف دور النشر وتجعلها تُقدّم رجلًا وتؤّخر أخرى قبل القيام بأي مُغامرة. أما وضعُ الكاتب في بلادنا، باستثناء مؤلفي الكُتب المدرسية المفروضة على طلاب المدارس فرضًا، فإنه وضعٌ مُزرٍ، ذلك أنه مِن الصعب عليه أن يُحقّق أية مبيعات إلا إذا تحوّل إلى تاجر، ونسي انه كاتب، وفي هذه الحالة أيضًا لا يوجد هناك ما هو مضمون، إن جُلّ ما يطلبه الكاتب في بلادنا، هو أن يُصدر كتابه، وأن يرضى بالربح المعنوي، ممثّلًا بامتداح عدد مِن الأصدقاء والمحيطين، أو بأمسية إشهار، إنه يفعل كلّ ما يُمكنه، بصورة عامّة، مِن أجل إيصال رسالة آمن بها، أو مِن أجل الشُهرة، وعادة ما لا يُحقّقها إلا مؤقتًا. مسكين.

***

ناجي ظاهر

 

في المثقف اليوم