أقلام ثقافية

ناجي ظاهر: قصة صالون ادبي

دأبتْ خلال سنوات مديدة على التحدث عن صالون ادبي تريد ان تقيمه وان تقدم للحياة الادبية في مدينتنا المشتركة الناصرة.. ما يذكر ويبقى. وكنا ما ان نلتقي ونشرع في التحدث حتى تعود الى طرح الفكرة مجددا. وكثيرا ما كانت تطرح علىّ أنا واحد من اصدقائها المقربين سؤالا طرحته خلال سنوات. هذا السؤال هو: ماذا علينا ان نفعل لإقامة صالون ادبي يجمع  الادباء والمبدعين في ظل تعثر اقامة اتحاد للكتاب، لأسباب سياسية باتت جلية معروفة.

كنت كلما طرحت علي الصديقة العزيزة نهى زعرب - قعوار، هذا السؤال افكر فيما عسانا نفعل تلبية لحاجة ادبية مشتركة، لم اكن اقل منها حماسة في المبادرة اليها وتنفيذها، الى ان حان الوقت كما يحدث عادة، فشرعنا بالاتصال بعدد من الفنانين والمهتمين بالأدب، وعقدنا جلسة الصالون الاولى في بيت الصديقة نهى القائم في حينها على مقربة من ساحة المطران في الناصرة. حضر هذه الجلسة كل من الفنان عماد دلال، والمحامي المتأدب الصديق على رافع وزوجته اضافة الي انا كاتب هذه السطور، وعدد من افراد اسرة الصديقة نهى في مقدمتهم زوجها ورفيق دربها الاستاذ بهجات قعوار. تداولنا في هذه الجلسة في امر اقامة صالون ادبي، تحدثنا كثيرا الا ان ما تحدثنا فيه بقي وراءنا ونامت فكرة اقامة الصالون، الى ان استفاقت بعد فترة من الزمن، لنجد انفسنا وقد تمكنا من جمع جمهور من الادباء والمتأدبين في مقدمتهم الشاعر الدكتور جمال قعوار شقيق زوج السيدة نهى.

في هذه الجلسة ابتدأت الفكرة بالتبلور اكثر فاكثر، واتذكر ان المرحوم جمال قعوار افتتح الجلسة بكلمات عذبة هدفت الى تعضيد ميلاد الصالون الادبي النصراوي الذي يذكر بصالون مي زيادة ابنة مدينتنا  الناصرة الذي اقامته في القاهرة وترك اثرا ودويا ما زالت اصداؤه تتردد حتى هذه الايام، رغم مضي العشرات والعشرات المضاعفة من السنوات على انتهائه، ورحيل عدد من اعلامه الى عالمهم الاخر. رحم الله مي  زيادة. عندما ادلى جمال بكلماته هذه طلب مني ان القي كلمة فتحدثت عن اهمية اللقاء بين الادباء والناس بشكل عام من أجل العصف الفكري وتبادل الآراء ومن اجل التغلب على ما يعانيه الانسان المعاصر من وحدة وعزلة في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة واتذكر انني تمثلت خلال حديثي بقصة "الشقاء" للكاتب الروسي انطون تشيخوف. هذه القصة التي دفعت حوذيا للتحدث الى حصانه بعد ان اعياه التواصل مع راكب كان من الممكن الا يكون عابرا، الا انه عبر مخلفا وراءه حسرات وزفرات كما قالت نهاية القصة.

بعد هذه الجلسة الثانية وقد عقدت في بيت طنوس قعوار، اول رئيس بلدية لمدينتنا الناصرة وهو احد اجداد السيدة نهى. انتقلت عائلة نهى من بيتها في ساحة المطران للإقامة في بيتها الجديد الفاره في مدخل حي القفزة. عندها استدعتني الصديقة نهى للشروع في عقد الصالون مجددا.. فابتدأنا بدعوة الاصدقاء.. وعقدنا الجلسة الاولى الحقيقية للصالون وهي الجلسة التي ستضم عددا من الادباء والمتأدبين ومحبي الادب.. وسوف تستمر حتى هذه الايام.

اتفقنا في تلك الجلسة على ان نعقد جلسة شهرية في الاربعاء الاول من كل شهر، وتداولنا في كيفية الاستمرار، وهكذا كان. استمر الصالون بعقد جلساته الشهرية وقد قمت بتكليف من ادارة الصالون بتغطية اخباره خلال فترة ليست قصيرة، الامر الذي ساهم بإعطائه دفعة الى الامام، وشجع الكثيرين على حضور جلساته.

في الفترة التي اتحدث عنها، وهي الاولى في حياة الصالون، اتفقنا على ان نطلق عليه اسم "صالون نهى"، وكان ذلك بعد جدال طال وطُرحت فيه العديد من الاقتراحات الى ان استقر الاسم وشرعنا باستعماله والاشارة اليه كلما اقتضت الحالة.

الآن وقد مضت سنوات مديدة على اقامة هذا الصالون، وابتعدت عنه لأمور شخصية صرفة، اود ان اشير الى عدد من اعلامه.. وان اتوقف عند عدد من محطاته الكبيرة لعلها تدفع الدماء  المتجددة في شرايينه الحية. اتذكر ممن ساهم في انعاش الصالون كلا من الادباء والمثقفين: الدكتورين بطرس دلة ومنير توما من كفر ياسيف، والزجال المبدع شحادة الخوري من ابو سنان، واتذكر ان الزجال محمد زعبي- ابا الشادي ابن بلدة سولم، حضر عددا من جلسات الصالون، كما حضره الكاتب محمد علي سعيد والكاتبة الصديقة فاطمة ذياب من طمرة والشاعرة امال رضوان من عبلين والكاتبة زينة فاهوم من الناصرة، ومن الشعراء اذكر الشاعر يحيى عطاالله من يركا، وجورج جريس فرح ونزيه حسون ، وازدانت جلسات الصالون بحضور لافت للفنانة الكاتبة نهاي داموني من شفاعمرو، فقد كانت تشنف الاذان في نهاية كل جلسة تقريبا باغان من الزمن العربي الجميل. الطريف في الصالون انه جمع ازواجا رجالا ونساء ما كان يضفي جوا طريفا على الاجواء.

كانت جلسات الصالون تعقد بشكل عام بطريقة عشوائية، فما ان يفتح احدهم موضوعا ما حتى تندفع النقاشات مثيرة ومغنية، مفيدة ومسلية. ناقشنا في الصالون الادبي العديد من القضايا الحارقة في مقدمتها قضية الربيع العربي في بدايته وطلبنا من الاخوة ان يتريثوا قليلا في الحكم عليه واتخاذ موقف منه، وقد تبين اننا كنا مصيبين في هذا فقد تبين انه ربيع اشبه بالخريف. ونذكر مما قلناه ان السياق العالمي منذ الحرب العالمية الثانية لا يسير في مصلحة العرب وانما هو ينطلق بقوة في مصلحة اعدائهم ومبغضيهم.

في فترة قريبة تالية على إقامة الصالون بشكله الرسمي، اكتشفنا انه لا بد لكل جلسة من مدير يتولى ادارة الحوار بين الاخوة الحاضرين، وتم الاتفاق على تكليف الدكتور بطرس دلة القيام بهذه المهمة الشاقة، فقام بدوره على اكمل وجه، علما ان السيدة نهى تولت ادارة الجلسات الاولى.

 ضم الصالون نوعين رئيسيين من الجلسات احدهما تعلق بالأدب واهله، وقد نوقشت فيها العديد من الكتب مثل رواية احلام مستغانمي " الاسود يليق بك"، والعديد من الكتب المحلية، كما استضاف العديد من الشخصيات الثقافية المعروفة وقد استضاف في هذا الاطار كلا من البروفيسور جورج قنازع في حديث موسع عن الشيعة والدكتور فهد ابو خضرة في حديث هام عن العولمة. وقد تم في الصالون احياء ذكرى العديد من الادباء الراحلين، اذكر منهم الدكتور سليم مخولي وقد كرسنا لإحياء ذكراه جلسة كاملة.. عقدت بحضور عدد من ابناء اسرته. النوع الاخر من الجلسات تمحور حول الصحة وابعادها واتذكر ممن استضفناهم كلا من: محمد صفدي، شربل بلوطين، وطبيب عيون نسيت اسمه تحدث عن المستجدات في موضوع طب العيون.

انني اليوم وانا انظر الى الخلف بأمل اشعر ان صالون نهى الادبي مع كل ما قد يقال عنه، ادى دورا رياديا وما زال يؤدي هذا الدور بكل محبة، لقد تركت هذا المجلس قبل حوالي السنتين لأسباب شخصية صرفة، واذا ما سألتموني عما اشعر به اليوم.. اقول لكم انني اشعر بفخر ان ما اسسناه وبنيناه معا استمر وسوف يستمر رغم ابتعاد البعض عنه وانا منهم. سيدة نهى ارجو لك دوام التوفيق.. فقد تسنمت موقع الريادة بإقامتك هذا الصالون الادبي الرائد، فكنت جديرة به وكان جديرا بك.

***

بقلم: ناجي ظاهر

في المثقف اليوم