أقلام ثقافية
ناجي ظاهر: القارئ مرشدا للروائي

ما هو دور القارئ في تشكيل توجّه الكاتب الروائي نحو بناء رواياته وإقامة تقنياتها على أسس مُقنعة، ويمكنها أن تجتذب من يُقبل على قراءة هذه الرواية المفترضة او تلك التي، علما أن فكرتها ما زالت تدور في ذهن صاحبها أو مَن ينوي كتابتها وإخراجها للناس؟.. للإجابة على هذا السؤال المُحيّر والاشكالي كما سنلاحظ، وضعت الكاتبة الامريكية نانسي كريس كتابها التحفيزي" تقنيات كتابة الرواية"، مُركزةً على إرشاد مَن يود أن يكتب رواية ناجحة وتلقى القبول الشديد لدى قطاعات واسعة من القراء، ومَن يعلم ربّما تلقى مثل هكذا قبول لدى أعضاء لجنة منح جائزة من تلك الجوائز التي يسيل عند ذكرها الكثير من اللعاب.
قبل الدخول في عالم هذا الكتاب الارشادي المثير لا بُدّ لنا من تلمّس الطريقة الناجعة لقراءته، وعادة ما تكمن هذه الطريقة في عنوان الكتاب أي كتاب او في عنوانه الجانبي. العنوان الجانبي لهذا الكتاب يُخبرنا قبل الخوض في قراءته بأنه انما يقدّم تقنيات وتمارين لابتكار شخصيات دينامية ووجهات نظر ناجحة.
ما إن ندخل إلى حرم الكتاب قارئين متمعّنين، حتى نُفاجأ بعنوان مقدمته وهو "ماذا يريد القارئ"، وهذا يعني أنه على الكاتب أن يضع القارئ نُصب عينيه، عندما يُقبل على التخطيط لكتابة رواية أولًا والشروع في كتابتها ثانيًا، للإجابة على هذا السؤال ترى الكاتبة أنه من الطبيعي أن تكون هناك رغبة عارمة لدي مَن يُود أن يكتب الرواية، في إقناع جميع الناس أو القراء، بان يقرأوا روايته، وتضيف غير أن هذه الرغبة غير منطقية، كون القراء يختلفون فيما بينهم، فماذا يفعل الكاتب في مثل هكذا وضع، أن يكتب لإقناع قطاع معين من القراء؟.. هذا الأقرب الى الواقع والمنطق، هكذا نرى أن تحديد القارئ المُفترض يساهم كثيرًا في كتابة الرواية. تقول الكاتبة ضاربة مثلًا على ما تقصده:" إن المرأة التي تختار (قراءة) قصة رومانسية مثلًا إنما تُريد أشياء معينة من الشخصيات في الكتاب(الرواية)، الذي اشترته، ومعرفتك (تقصد الكاتب)، بهذه التوقّعات تُساعدك في ابتكار الشخصيات التي ترغب تلك القارئة – أو قارئ اللغز أو الخيال العلمي-(الرواية) قضاء اربعمائة صفحة معها".
لكن كيف يختار الكاتب الروائي العتيد شخصيات روايته؟.. تُجيب المؤلفة انه توجد هناك العديد من الطرائق، منها أن تختارها من الواقع اليومي المعيش المحيط بك، أو من الخيال أو من أي مصدر آخر متاح.. الأصدقاء مثلًا. بعد اختيار الروائي شخصيات روايته ماذا يُفترض به أن يفعل؟. تُجيب الكاتبة عليه أن يختار الشخصية المركزية التي يُريد أن يروي على لسانها ومن وجهة نظرها.
الآن وقد بات أمر شخصيات الرواية واضحًا وتمّ بالتالي تحديد من ستكون منها الشخصية المركزية، ماذا سيفعل الكاتب الروائي؟.. ها هو الوقت المناسب للبدء في الكتابة، وهنا ترى الكاتبة أن الشخصيات تنقسم إلى نوعين الشخصية المُتفاعلة أو النامية، وفي المقابل الشخصية الثابتة، والفرق بين هذين النوعين هو ان الشخصية المتفاعلة تتغير وتتبدّل وفق تفاعلها مع ما تحتويه الرواية وتقدمه من أحداث، في حين أن الشخصية الثابتة تبقى كما وصفها الكاتب، منذ بداية كتابة الرواية حتى نهايتها او الانتهاء منها. وهنا ينبُق السؤال أي من هذين النوعين أفضل؟ وتُجيب الكاتبة ان لكلّ منهما وضعيته وكينونته، وليس بإمكاننا أن نقول إن هذا النوع أفضل من ذاك.
فيما يتعلّق بهدين النوعين من الشخصيات الروائية، المتفاعلة والثابتة، حسب تعبير الكاتبة، والنامية والمسطحة، كما يرى أ.م فورستر في كتابه المشهور " اركان القصة"، تختلف الآراء وتتضارب، وأعتقد أنه لكلّ من أصحاب الآراء المتضاربة هذه حُجتُه واجتهاده، فمّن يرى ما تراه المؤلفة نانسي كريس، كما أرى، إنما يعتمد على القُدرات الإبداعية التي يتمتّع بها الكاتب وفي قدرته على عرضه أو ابتكاره الروائي المتخيّل، أما مَن يرى خلاف هذا الرأي فإنه يقيم رؤيته هذه على الديناميكية الداخلية للعمل الروائي بغضّ الطرف عن كاتبه، بمعنى أنه يتعامل مع الكتابة الروائية تفنيًا، احترافيًا ومهنيًا.
بعد تحديدها شخصيات الرواية أولًا وشخصيتها المركزية ثانيًا، تؤكد الكاتبة أن نمو وتطوّر الحَبكة الروائية (التصاعد المنطقي للأحداث - ن- ظ)، يتعمد أول ما يعتمد على الشخصية الروائية، فهي عمادُ الحَبكة الروائية وهي التي تحددّها وتُوجّه مسارَها، وذلك وفق رؤيتها ورأيها.. صورتِها وتصوّرها للواقع، فإذا كانت الشخصية إيجابية تطوّرت الحُبكةُ في هذا الاتجاه، وإذا كانت في المقابل، سلبية تطوّرت بهذا الاتجاه أيضًا.
لقد توصّلنا حاليًا إلى حالة مِنَ الوضوح، فقد فرغنا مِن تحديد الشخصيات، وتمكّنا مِن اختيار الشخصية المرّكزية مِن بينها، كما اتضح لنا دور الشخصيات في تطوّر الحَبكة الروائية، فماذا علينا أن نفعل.. إظهارًا وعرضًا للشخصّيات الروائية؟، إن ما يُطلب منّا هو أن نضعها في مسرح يكشف عن تصرفاتها وسلوكياتها، أما في وصفنا لهذه الشخصيات، فمن المفترض أن نصفها ضمن الاسترجاعات الكتابية أو ما شابه، كما يُفضّل أن نصف كلًّا ِمن الشخصيات، خاصة المركزية، عبرَ عينيّ شخصية أخرى من شخصيات الرواية.
هكذا بات واضحًا أن انتهاج التعبير المنطقة الداخلي للرواية، يُعتبرُ مِن أهم التقنيات، بل التقنية الأساسية لكتابتها. بالعودة إلى اهتمام الكاتبة بالشخصية الروائية، كما يتصوّرها قارئ الرواية المُحتمل، تُنهي المؤلفةُ كتابها بالقول: إن" أكبر مساعدة تُقدمّها لنفسك ككاتب، هي اعتبار الرواية قصة الشخصيات، وليست قصتك الخاصة".
***
ناجي ظاهر
....................
* مؤلفة الكتاب نانسي كريس، كاتبة من مواليد ولاية بوفالو الامريكية عام 1948 ابتدأت الكتابة عام 1976، وهي مؤلفة العديد من روايات الخيال العلمي، وقد فازت بأكثر من جائزة لقاء كتاباتها الروائية.