أقلام ثقافية

غريب دوحي: في ذكرى استشهاده.. لوركا في الشعر العربي

في التاسع عشر من آب مرت ذكرى استشهاد الشاعر الإسباني فيديريكو غارسيا لوركا حينها كانت إسبانيا تشتعل بنار الحرب الأهلية، ففي إحدى صباحات شهر آب الشديد الحرارة تم أُعدامه على يد القوات الموالية للدكتاتور (فرانكو) كان ذلك في عام ١٩٣٦ حيث امتزج دم لوركا بعرقه.

بإعدامه انطفأ آخر مصباح قمر غجري في سماء إسبانيا حيث غنّاه القمر لحظة استشهاده لقد سكت اخر عندليب اندلسي يصفه معاصروه أنه كان شابا هادئا لا تفارقه الابتسامة حتى في أحلك الظروف.

هكذا كان شهيد غرناطة الذي وُلد فيها عام ١٨٨9، شاعرا ومسرحيا ورساما وعازف بيانو ومؤلفا موسيقيا، يعده البعض من أهم شعراء القرن العشرين. كان لوركا ثوريا جمهوريا النزعة لهذا قتل على يد الفاشست وكان استشهاده قد دفع بشهرته الى الامام.

لم يتزوج ولكنه كان في قلبه العديد من النساء ممن يعملن معه في المسرح، يدهشه قصر الحمراء بغرناطة فينظر إليه بدهشة الشاعر العبقري.

تخرج لوركا من جامعة غرناطة وكان متأثرا تأثرا بالغا بالشعر العربي الأندلسي حتى ظن كثير من النقاد والمؤرخين بأنه من أصل عربي أو ربما كان عربيا من جهة الوالد فقط.

كان في رسومه متأثرا بالفنان (بيكاسو) ١٨٨١ – ١٩٧٣، ومن أصدقائه الرسام سلفادور دالي وقد أنجز لوركا الكثير من اللوحات سمي بشاعر الغجر لأنه كان محبا لأعمالهم الشعبية التي كانوا يمارسونها في غرناطة، وكشاعر رومانسي كان القمر بالنسبة له مكان ساميه بالنسبة له وقد سماه البعض بشاعر القمر.

وتتمثل أعماله الأدبية بكتاب نثري سماه (انطباعات ومشاهد) ١٩1٨ ويعد (كتاب الأشعار) ١٩٢١ أولى دواوينه الشعرية تلاه ديوان (أناشيد) ١٩٢٧، وديوان ثالث (أغاني غجرية) ١٩٢٨ اما اشهر مسرحياته فهي مسرحية (عرس الدم) ١٩٣٤.

وله ديوان شعري آخر اسمه (ديوان التماريت) ١٩٢9 وكان واضحا في هذا الديوان تأثره بالشعر العربي.

لم يهرب ولم يدخل الخوف إلى قلبه عندما دخل الفاشيون غرفته فلم يجدوا فيها غير أوراق فيها قصائده، كانت التهمة الموجهة إليه (أنه اساء بقلمه اكثر مما اساء اخرون  بمسدساتهم) اقتاد الجنود المسلحون لوركا إلى منطقة (فينزار) وأعدموه رميا بالرصاص فجر يوم ١٩ /آب / ١٩٣٦.

رثاه العديد من شعراء العرب والأجانب، رثاه الشاعر بدر شاكر السياب شاعر النخيل والأنهار ورثاه من شعراء العرب محمود درويش شاعر الزيتون والبرتقال بقصائد رائعة عبّر فيها هؤلاء الشعراء عن حبهم وإعجابهم بشاعر القمر (لوركا). قال شاعرنا السياب في قصيدته المسماة (غارسيا لوركا):

في قلبه تنور

النار فيه تطعم الجياع

و الماء من جحيمه يفور

طوفانه يطهر الأرض من الشرور

و مقلتاه تنسجان من لظى شراع

تجمعان من مغازل المطر

خيوطه ومن عيون تقدح الشرر

و من ثدي الأمهات ساعة الرضاع

و من مدى تسيل مها لذة الثمر

ومن مدى للقابلات تقطع السرر

ومن مدى الغزاة وهي تمضغ الشعاع

شراعة الندي كالقمر

شراعه القوي كالحجر

شراعه السريع مثل لمحة البصر

شراعه الأخضر كالربيع

الأحمر الخضيب من نجيع

كأنه زورق طفل مزق الكتاب

يملا مما فيه بالزوارق النهر

كأنه شراع كولمبس في العباب

كأنه القدر

وهذه قصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش بعنوان (لوركا) وهي رباعية رائعة:

عفو زهر الدم يا لوركا وشمس في يديك

و صليب يرتدي نار قصيدة

أجمل الفرسان في الليل يحجون إليك

بشهيد وشهيدة

هكذا الشاعر زلزال وإعصار مياه

و رياح ان زار

يهمس الشارع للشارع قد مرت خطاه

فتطاير ياحجر

هكذا الشاعر موسيقى وترتيل صلاة

و نسيم إن همس

يأخذ الحسناء في لين إليه

و له الأقمار عش إن جلس

عازف الجيتار في الليل يجوب الطرقات

و يغني في الخفاء

و بأشعارك يا لوركا يلم الصدقات

من عيون البؤساء

نسي النسيان أن يمشي على ضوء دمك

فاكتست بالدم أزهار القمر

أنبل الأسياف حرف من فمك

عن أناشيد الغجر.

المجد والخلود للشاعر الذي كانت حياته لغزا ومماته لغزا.

***

غريب دوحي

 

في المثقف اليوم