أقلام ثقافية

حميدة القحطاني: تربة القلوب

في العلاقات، كي لا نُنسى، لسنا بحاجة لأن نكون استثنائيين. يكفي أن نمرّ بصدق، بنوايا طيبة، وببساطة عميقة. حينها، يبقى أثرنا، ولا نُنسى.

علّمتني الزراعة أن أنظر جيدًا إلى التربة قبل أن أغرس فيها بذوري الثمينة. فالبذور التي أرجو منها شجرًا وزهرًا وثمرًا، تستحق أن تُمنح أرضًا تُعنى بها، كما أعتني بها أنا.

ليست كل تربة صالحة. فبعضها تغمره الأملاح، سبخة، حتى زراعة الشعير أو الجت فيه تُعد هدرًا للطاقة والموارد. وإصلاحها مكلف... وأنا في غنى عن خسارات لا مردّ لها. وهناك تربة أخرى، تبدو جيدة في ظاهرها، لكنها تخفي أعماقًا مريضة. ألقي فيها البذور، فلا ينبت منها إلا القليل. وما ينبت، يكون هزيلًا، بطيء النمو، مرهقًا في رعايته.

تربة تعاني من أمراض خفية، وإصلاحها يستنزف الوقت والعمر، رغم مظهرها اللامع. أما التربة الخصبة… فهي التي تحتضن البذور بمحبة، وتنبتها بعنفوان، وتمنح في مواسمها أطيب الثمر.

وهكذا هم الناس... في داخل كل إنسان تربة: عقلٌ وقلبٌ ونفسٌ تحمل خصائصها الخاصة. لا تتعجّل بإلقاء بذورك، ولا تهدر مواردك دون تمعّن. اختبر التربة ببذور بسيطة أولًا، وتأمل كيف تنمو… فما لا ينبت، لا يُجبر على النماء. وما ينمو بضعف، لا يستحق عمرك.

فلا تستثمر في شخصٍ لا يرى ولا يقدّر استثمارك فيه، لأنك لن تجني سوى الشوك، وهدرٍ واستنزافٍ لطاقتك. وحتى إن لم تُثمر التجربة، لا تندم أبدًا…

ما دمت قد مررت بها بنية حسنة، وبقلب صادق، وببساطة محبة. فالدنيا تُذوّقنا الحلو والمر، وتختبرنا بالتناقضات. وكيف لنا أن ننضج إن لم نتذوق طعم الفقد؟ لا نمو مجاني... ولا نضج بلا ثمن.

***

حميدة القحطاني

 

في المثقف اليوم