أقلام ثقافية
أمان السيد: باراماتا ريفير الذي فرق بين حبيبين

هل تكفي جلستان معهما تفقدهما بعدها ليسرح في قلبك حزن يجبل ذاته بعبير ورود استقبلتك في تلكما الزيارتين في مدخل بيتهما؟!
وهل لو قدر لك اختيار شكل موتك ستختاره رومانسيا، وأنت تعلم أنهم سينسجون حوله حكاية لعاشقين ظلا حتى لحظاتهما الأخيرة يدا بيد، أمنية تتمنى لو أن الكون لا يفرقهما؟!
وهل يجذبك المكان الذي عشقته، وأكثرت من التردد عليه لتمارس هواية تحبها لتقضي نحبك فيه، وأنت الذي شرقت تفاصيله وتنفستها؟!
وهل يقدر لأناس أن يلتقوا، لأن قدرا ما يجمعهم، ولأن أحاسيس ما سيعيشها طرفان سترافقهما ذكرى جميلة رغم ما ستغص به من الألم؟!
وهل الوجوه المرايا تعكسك في الانطباع ذاته، وحين حملت لها الود بادلتك بالود ذاته؟!
ترى حين نغوص في أسرارك يا حياة على أي شطّ سنتوقف، وفي أي الأبواب سنلج، ومن أي الكنوز سنعبّ؟!
السيد أحمد دنيا، وزوجته السيدة حليمة النابلسي/ دنيا لبنانيا الأصل من مدينة المنية التابعة لطرابلس، عزيزان قريبا غاليين علي، صعقني خبر موت الزوج، وطريقته وما حصل للزوجة، خبر دريت به منذ ساعات، ومن حينها والمشاهد أمامي تتوالد، ورغم أنهما كانتا زيارتين لبيتهما فقط، لكني أقف دهشى مما راحت تشتغل عليه ذاكرتي من الإضاءات، وكأنهما سنوات أزورهما كل يوم، ولا أنقطع..
في أولاهما حفّني عبير الزهور في صدارة بيت أفصح عن دفئه، وسار معي وافترش جلسة ثنيتها بصحبة صديقتي الغالية سلام أخت صاحبة المنزل وزوجها الغالي أخي عمر علم الدين، وجميعهم ينحدرون من بيوت كرم وحفاوة وود ووفاء يندر وجوده في هذا الزمان، وفي مدينة مثل سيدني غربية تبعد، وتنأى في كل شيء عما حملناه من موروثات وتقاليد كعرب، وكمسلمين في أوطاننا الأم.
كان بود يوم الاثنين المنصرم أن يكون يوم نزهة مرح، وصيد لزوجين في سن التقاعد جمع بينهما الحب وظللتهما السكينة، اعتادا التردد على ركن من نهر باراماتا عندما أفلت قياد السيارة من السيد أحمد رحمه الله، ويعتقد أنه داس على دواسة البترول، وأول ما شحط أمامه زوجته التي ارتفعت في الهواء، وسقطت ثانية على مقدمة سيارتهما السوداء التي أودت بجزء من الجدار السلكي الفاصل بين النهر والرصيف، قبل أن تسقط بثقلها في النهر دائرة تسحب طريقها المائي إلى عمق النهر!
قدرت الحياة لحليمة الزوجة الوادعة، شفاها الله وعافاها، لكن الموت استأثر بزوجها الرجل الثمانيني الوقور الهادئ كطفل بريء..
ستصاحبني جلستان معهما في بيت نطق بنظافة ناصعة، نظافة قلبين استضافاني ذات مرتين، وسيظل الطريق إلى بيتهما يغدق في قلبي نورا رغم أنه كان مظلما في تلكما الساعتين، وستعنّ على البال سنارة صيد، وسلة بلاستيكية لحفظ الأسماك التقطتا صورة تذكر بحبيبين سقطت ورقة أحدهما بعد أن ناداه الله إلى واسع رحمته، وقدّر للآخر أن ينتظر منفردا يعيد ترتيب المشاهد مثلي بدمع لن يضاهيه نهر برماتا غزارة وسيلانا..
أمان السيد - سيدني
16-4-2025