أقلام ثقافية
الفينيق حسين صقور: القيم التوافقية (2): التقييم والتلقي للعمل الإبداعي

العمل الإبداعي هو ذاك القادر على اختراق جدار الصمت وعلى الولوج إلى قلب المتلقي وأفكاره مهما كانت وتحريض السؤال أياً كان
نحن كائنات حية وحركية وقودها المشاعر ومكبحها عقل واع ومدبر وماهر غياراتها بالمجمل تشاركية.. فإن كان الحدس موجهاً فهو وليد إلحاح معند للذاكرة حتى وإن استعصى القبض على أسبابه.
الجمال الداخلي هو جدار طاقي يحمينا من شرور أنفسنا وشرور العالم من حولنا وهو يوجهنا لتفريغ الشحنات الإنفعالية عبر أعمال إبداعية وأنشطة إنسانية بناءة.
و في مضمار التشكيل أقول:
العمل التشكيلي الذي يستوفي شروطه هو ذاك الذي يحقق التوافق ما بين قيمه التعبيرية والجمالية فلا وجود لقيمة فيه بعيداً عن الأخرى ولا يمكن أن يرقى ذاك العمل لمستوى الإبداع إن لم يستوف جميع مقوماته..
في التلقي
اللوحة التشكيلية خاضعة للمؤثرات اللحظية المرتبطة بالظروف الداخلية والخارجية (النفسية - والجسمانية). وهو خاضعة لتلك المؤثرات ذاتها لحظة التلقي المؤثرات المحيطة بالمتلقي. وهذا يغني العمل لتتنوع وتتعدد القراءات بعدد من مرَّ على اللوحة من زوار.
أنا كفنان إن لم تكن لي رؤيتي وفلسفتي الخاصة بالحياة فإن أية رؤية فنية أدعيها هي محض استعارة غير نابعة من الذات وبالتالي فهي لا تحمل أية خصوصية الإبداع هو رسالة موجهة لعالم آخر ولزمن آخر قادر فك شيفرته واللوحة الإبداعية لا يمكن قياسها سوى من خلال الدائرة الأكثر اتساعاً ومن خلال مساطر قادرة على قياس ما يتمتع به العمل من فرادة وخصوصية وقدرة على التجدد والإدهاش.
بذور العمل الإبداعي لا يمكن أن تسقى عبر المنافسة فأنت كفنان حالة فريدة لا يمكنك أن تنافس غير ذاتك ومن خلال ذاتك المتواصلة مع طقوس العمل الخاصة بها.
أما المنافسات والمسابقات فلا أساس لها في التشكيل وأعتقد أن من كرسوا جائزة أفضل عمل وأغلى لوحة وغيرها كانت غايتهم محاولة تضخيم وتعظيم فنان على حساب آخرين.
وهي محاولات لتحطيم وإلغاء الإبداع الحقيقي عبر تكريس الانتباه لما هو دون.. وأنا لا أعمم هنا.. تقييم العمل الفني مهمة ليست سهلة وتحتاج لناقد تشكيلي قادر على سبر أغوار العمل والكشف عن القيم الابداعية فيه والأهم من هذا وذاك قادر على تبرير خياراته للعلن وبكل شفافية.
الأطفال أكثر قدرة على تقييم الأعمال الفنية وأعتقد هذا لسببين أولهما أن الطفل يستند لانطباعه الأول في الحكم ويعبر عن رأيه بدون خوف ودون أن يكون تابعاً لأية جهة.. ثانيا الطفل يطلق آراءه بعفوية وتلقائية فهو غير مؤدلج أو محاصر بذاك الكم الهائل من المعلومات المشوشة.
هناك اتهام يصر عليه البعض من غير المواكبين وغير القادرين على استيعاب ماهية الفن ومفهومه المتبدل عبر الزمن يلخصه سؤالهم الدائم لماذا أغلب الفنانين الشباب يصرون على تقديم أعمال لا يفهمها أغلب الناس؟.
والحقيقة هو ليس إصراراً بقدر ما هو استيعاب للتجربة التشكيلية منذ بداياتها وحتى الآن وهو شعور ذاتي وضمني بالإشباع منها وهو وعي تام لمفهوم الإبداع وبالتالي فهم أبناء زمنهم ... من تلك التراكمية تتشكل رغبتهم العارمة في الاختلاف وترك أثر غير مسبوق للأجيال القادمة.
هم يحرقون المراحل وقد استوعبوها في مخيلتهم قبل هذا.. ثم ماذا.. تأخذهم تجاربهم لأماكن غير مألوفة. تجاربهم هذه تحتاج لزمن كي تنضج ومن ثم تعرض.. هي تحتاج أيضاً لمتابعة حثيثة من قبل قارئ أو متلق مهتم وأكثر انفتاحا. تلك هي سمات الإبداع الحقيقي فهو دائما وأبداً سابق لزمانه.
ووقع العمل تقرأه في عيون المتلقي قبل أن تلمسه في أسئلته وعباراته العفوية والسؤال الأكثر وضوحاً ودلالة على ما ذكرت (عملك جميل ومميز.. شيء ما يشدنا إليه لا نعرف ما هو.. لكننا لم نفهم شيئا فهلّا شرحت؟!!).
ربما اعتاد المتلقي أعمالاً مقاربة للواقع أو محشوة بالكثير من الأفكار لذلك كان يطلب دائماً وأبداً الشرح والحقيقة أن التشكيل كان ولايزال نخبوي يتطلب متابعة دائمة ولا يمكن اختصاره في إجابة.. ولكن يبقى السؤال هو المفتاح.
وتبقى الإجابة دوماً: العمل الإبداعي هو ذاك القادر على اختراق جدار الصمت وعلى الولوج إلى قلب المتلقي وأفكاره مهما كانت وتحريض السؤال أياً كان.
***
الفينيق حسين صقور