أقلام ثقافية

صابر مولاي أحمد: حفيف النخيل (5): اختفاء حواضر الصحراء

تطل القصبة العالية الأبراج من إحدى جنباتها، على أطلال قصر كبير، أو بالأحرى أطلال مدينة ممتد الأطراف على مساحة واسعة[2] مفروشة بمختلف الصخور الكبيرة والصغيرة، بعد أن سحبت الرياح المتوالية عبر الزمن كل شيء، وتعذر عليها سحب الحجارة وهي تحتضن ما تبقى تحتها من الطوب والطين، وأسرار كثيرة مدفونة تحت التراب، من بينها قطع مهشمة من أواني الفخار، عليها آثار دهن السمن والشحم الذي تدل عليه رائحة التراب ولونه، وقد جعله طول الزمن يتخمر ويتحول إلى تربة دسمة داخل مختلف قطع الفخار، إلى جانب أثار بعض من الألواح الخشبية، وجذوع النخيل التي اتخذت فيما مضى أسقفا للبيوت، وقد أتت عليها الأَرَضَةُ[3] ولم يتبقى منها إلا تراب أسود اللون شبيه بالرماد، دليل أن الخشب تحلل وتحول إلى تراب، حتى بعض العملات النقدية النحاسية أو الفضية، لا يمكن أن تميزها عن الحجارة، لكثرة ما علق بها من صدأ، أخفى معالمها...

وعلى مسافة طويلة بطول المدينة المهدومة وبالقرب منها، مقبرة متسعة، وقد سويت مع الأرض بفعل عوامل التعرية، فأديم الأرض ووجهها يشعرك أنه تراب أخرج من باطنها منذ زمن بعيد، طول المقبرة وعرضها دليل على أن أهل المدينة، قد عمروها لعقود طويلة من الزمن، يتناقل الناس فيما بينهم أن  رجلا فيما مضى حفر حفرة كبيرة في عين المكان، وإذا به يكشف عن جسد واضح المعالم لم تنل منه الأرض شيئا، وهذا دليل كاف في نظرهم، بأن  الكثير من أهل هذه المقبرة سعداء في مماتهم، وهي رواية يتناقلها الناس دون دليل، فكل منهم ينسب الخبر إلى ضمير مجهول ينتسب إلى الذين فارقوا الحياة. أمنية الكثير من الناس أن تحفظ أجسادهم لوقت طويل من تحت الأرض وهم رقود في قبورهم، وهي ثقافية ضاربة في القدم وقد بذل الفراعنة كل ما بوسعهم من أجل حفظ أجسادهم بعد مماتهم بتحنيط ملوك موتاهم، حتى لا تتآكل وتتحلل بفعل الزمن، كثيرة هي الحكايات والمسلمات التي تبنى عليها حياة الناس دون دليل، وكيف نلوم الناس فيما ذهبوا إليه وقد ورد في الأثر: (إنّ الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء).[4]

لا أحد يعرف شيئا عن تاريخ تلك الأطلال، أهل القصبة يسمونها "ديار المجاهدين" أي جهاد هذا وأي مجاهدين هؤلاء، وفي أي زمن من الأزمنة، من بين ما خطَّه كبار المؤرخين منذ القدم أن هناك " مدينة درعة يقال لها (تيومتين) وهي قاعدة درعة... وهذه المدينة آهلة عامرة بها جامع وأسواق جامعة ومتاجر رابحة، وهي في شرف من الأرض والنهر منها بقبليّها وجريته من الشرق"[5] وذهب بعضهم إلى القول:" لا أظنها إلا بلاد تمتيج (تمتك) ويدل على ذلك أثار مدينة خالية في شرف من الأرض لم يبقى إلا أساس سورها وأبراجها، وهما في نهاية من الكبر، ومقبرتين عظيمتين خارجها قد اندرستا تدلان على عمارة المدينة وكثرة الناس بها وقد بني في عصرنا هذا في جانب منها قصبة بعض أشراف سجلماسة، ونزلوها وملكوا بها البساتين الكثيرة."[6]

ذاكرة أهل القصبة في هذا المجال كأنها ذاكرة سمكة لا تتذكر أي شيء سوى أنها تسبح في الماء، كذلك هم سكان القصبة يفتحون أعينهم صباح مساء، ويترددون على أطلال ممتدة الأطراف، وهم لا يعرفون عنها شيئا، وهي مسألة ليست بالغرابة في شيء، فأرجاء الواحة مليئة بالأطلال والنقوش الصخرية، وكثيرة هي الأطلال التي ذابت حيطانها وانمحت وتحول الكثير منها إلى بساتين وحقول صارت تنعت باسم القصور، كناية عن القصور العامرة في سالف الأيام. لم ينجوا من أطلال الواحات إلا تلك التي ترسو على الربوات العالية، أو تلك التي على تقع على الجنبات المرتفعة من النهر حيث يتعذر تحويلها إلى حقول وبساتين، فمدينة درعة (تيومتين) التي ذكرها المؤرخون كانت صاحبة حظ كبير، فقاعدتها جاءت على أرض محدبة تطل على الحقول من الأعلى، كما أن تربتها الحجرية المتماسكة ساعدتها لتعمر أطلالها وقتا طويلا من الزمن، شاهدة على اختفاء حاضرة من حاضرة الصحراء.

يا ترى كيف لمدينة بهذه الضخامة أن تتحول إلى أطلال، هل هي حرب مدمرة، أم هو قصر سلطاني كبير، أدى مهمته ووظيفته، التي جعلته ينقضي بانقضاء دوره الوظيفي... فهو لا يبعد عن أطلال "تاكمادرت"[7] إلا بمسافة ما يقرب عشرة كلومترات.. الأمر الوحيد الذي يطمئن إليه أهل القصبة أن قصبتهم لم تبنى على أنقاض أطلال المدينة المقابلة لهم. وهم يسمون أحد جنبات أطلالها القريبة من الباب الرئيسي لقصبتهم، باسم ساحة أحمد المنصور.[8] فهذا المكان دون غيره من بقية الأطلال يحتل في أنفسهم درجة تقديس واحترام، لا أحد يتغوط أو يتبول على أرضه، من حَرُم فيه لا يهاجمه أحد حتى يغادره، فعلى سطحه تسرج الخيول للسياق، ويمتطي عرسان القبيلة فرسانهم، في سباق فرجوي يثبت للجميع بأنهم ذووا أهلية للدفاع عن قبيلتهم، وقد ادعى الكثير منهم بأن المكان تسكنه الأرواح، ومن الناس من تكهن بأنه أبصر بأم عينيه من بعيد، في جوف الليل جمع من الناس يطوف في المكان، وهم يحملون قناديل قد امتد ضوءها بعيدا... ومنهم من تكهن بأن اليوم الموافق للمولد النبوي من كل عام، في لحظة عابرة من جوف الليل تحت ضوء القمر، يجتمع رجال ذووا قامات طويلة بلباس أبيض وهم يتصافحون فيما بينهم.

البعض من الناس أكد أنه رآهم في هذا الوقت بالذات من أعلى سور القصبة، إلا أن المشهد لم يستمر طويلا، وقد اعتاد البعض من أهل القرية، أن يتطلعوا لرؤية المشهد في جوف الليل من كل ليلة من ليالي المولد النبوي، تحت ضوء القمر، من أعلى سور القصبة، ومن خلال شرفات أبراجها، وعندما يختفي القمر، يدعي بعضهم بأنه رأى المشهد في حلة جميلة من البهاء والبياض، وينفي البعض الآخر الرؤيا بقولهم لم نرى شيئا، وأعيننا على المكان طيلة ضوء القمر...ويدخل الطرفان في جدال كبير، ولا أحد منهم يملك حجة للنفي أو الإثبات، وليس أمامهم حل إلا انتظار مرور حول كامل، وقدوم ليلة جديدة من ليالي المولد النبوي، ليجدوا أنفسهم مرة أخرى في اختلاف متجدد بين من ادعى رؤية المشهد وبين من ينفي ذلك، والغريب أن البعض من الذين أقروا بأنهم لم يرو شيئا في الموسم الماضي، يدعى  في الموسم الذي يليه بأنه أبصر شيئا ما تحت نور القمر، شبيه برجال ذوي قامات بلباس أبيض...

في أحد ليالي المولد النبوي تسلل أحد الشباب إلى عين المكان دون أن يكتفي بالنظر من أعلى سور القصبة، وقد افترش حصيرا على الأرض، وتلحف بسلهام من الصوف، وجلس القرفصاء وظهر مستند إلى الجهة الداخلية من تقاطع بقية أطلال أحد الأبراج، ها هو الآن يحدق طيلة الوقت في وسط الساحة وقد انعكس على حجارة بلاطها ضوء القمر، كل همه أن يبصر ذوي القامات الطويلة واللباس الأبيض وهم يتصافحون فيما بينهم، إنه يريد أن يقطع الشك باليقين، ها هو الآن في عين المكان ومن حوله حالة من الصمت المطبق، لا يستمع إلا لتردد أنفاسه ما بين خيشومه وصدره، وبعدها تسترق أذناه السمع لدقات قلبه، بين الحين والآخر يصله صدى نباح الكلاب بعد أن استفزهم، صوت عويل ذئب قادم من مكان بعيد، تقدمت ساعات الليل وعينه على المكان...اختفى القمر، وسدل الليل ظلامه، بعدها بلحظات سمع ابتهالات المؤذن التي تسبق أذان الصبح، وبعدها بقليل طلت شمس الصباح الباكر، وقد استسلم بعدها للنوم، وعند الضحى غادر المكان، ليجد أهل القصبة مشغولين بأجواء العيد، عيد المولد النبوي، فالأطفال الصغار في سباق فيما بينهم وهم يحملون بين أيديهم إلى الأعلى، لعبة المروحة ذات الهيكل المصنوع من القصب، وذات أجنحة مربعة الشكل مصنوعة من الورق  مطلية بصباغ زاهية، يسمونها فيما بينهم بـ: "أحَرْ واضي"[9] فكلما جرى الأطفال وزاد سباقهم إلا ودارت مراوحهم بسرعة فائقة، كأنها ترمز إلى دورة الزمن، وتعبر عن  حالة من الفرح المنقطعة النظير بيوم عيد أشرف الخلق.

أما الكبار فقد توجه الكثير منهم بعد أذان الظهر نحو ضريح القرية ليجتمعوا حوله مرددين مختلف الأدعية والأذكار في مدح الرسول عليه السلام، وقبل الختم بالدعاء في زحمة بين ذوي العمائم والجلاليب البيضاء، نطق رجل بكلمة مفادها ماذا عن رؤية الليلة؟ وهي كلمة جعلت جموع الحاضرين، يدخلون في جدال فيما بينهم، وقد حاول الرجل الشاب الذي تسلل إلى عين المكان ليقنعهم بأنه كلف نفسه عناء ليلة كاملة، لعله يأتيهم بخبر يقين، لكن عندما أخبرهم بأنه لم يظفر برؤية شيء، عاد الجمع إلى ضجيج وجدال، بين من يدعى الرؤية ومن ينفيها، رؤية أناس ذوي قامات طويله يتصافحون فيما بينهم تحت ضوء القمر.

وإذا بالبعض من الناس ينتهز فرصة زيارة أحد كبار شيوخ علماء الواحة المعروف بكرمه ولطفه وقبول السؤال وسأله أمام جمع كبير من الناس، ليحكم بين المختلفين، لكن جواب الشيخ لم يكن شافيا كافيا، سواء للذين ادعوا الرؤية أو للذين نفوها، إذا كان رأيه: "الذين قالوا برؤية المشهد، فقد رأوه بقلوبهم ليس بأعينهم، فإن ذلك لم يحدث في حضرة البصر، بل حدث في حضرة البصيرة، والذين نفوا رؤية المشهد فقد نفوه بأبصارهم لا بقلوبهم".

أما الجانب الآخر من أطلال المدينة الممتد الأطراف، ولسخرية التاريخ فأهل القصبة جعلوا منه مجمعا لجِيَّف الدواب والأبقار والأغنام التي ماتت بين أيديهم لسبب من الأسباب، وإذا به يتحول ليلا إلى مرعى للكلاب التي تقصده من أمكنة بعيدة، وهي تنبح طول الليل، لتتفرق وتختفي عند أذان الفجر، شمس النهار تكشف عظام وجماجم الحمير والبغال، مبعثرة في كل جانب بين الصخور وبقايا الحيطان وبين بعض نباتات الصحراء، كأنها قرابين ميؤوس منها مهدات إلى أرواح تسكن المكان.

الواحة في مختلف أرجاؤها مليئة بالوقائع والأحداث الضاربة في القدم، يتناقلها أهل الواحة شفاهية وقد تنضاف إليها أشياء كثيرة وتحذف منها أشياء أخرى، والحكي من هذا النوع كثيرا ما يرتبط بشخصية مشهورة، لها حضور مميز في التاريخ العام وفي التاريخ الخاص للصحراء، من بين تلك الشخصيات شخصية السلطان لكْحَلْ،[10]  الذي نسبت إليه الكثير من الروايات والأساطير التي جعلت منه سلطان قوي، وقد عرف زمانه الكثير من الحروب، كان للواحة فيها حظ كبير وقد اختلف أهلها معه في حروبه، وارتأوا منازلته، دفاعها عن مدينتهم "سجلماسة" التي تَلُفها الواحات من كل جانب، إنها حاضرة الصحراء، وباب الدخول إلى "بلاد السودان إلى غانة، وبينها وبين مدينة غانة مسيرة شهرين في صحراء غير عامرة"[11] ومن امتلكها امتلك طريق الصحراء كله.

وكان ذلك سببا كافيا ليحاصر السلطان لكْحَلْ المدينة، ويقطع وريد الساقية[12] الذي يسقي أهلها، وأثقل عليهم الضرائب[13]... وكان هذا من بين العوامل والأسباب التي جعلت أهل المدينة يفكروا في مفارقة مدينتهم، ويتفرقوا في جنبات مختلف الواحات عبر المعمور، ومنهم لجأ لبراري الصحراء... لم يترك السلطان لكْحَلْ لأهل الواحة ما يذكِّرهم به عبر الأجيال إلا حكايات هدمه للقصور، و القصبات... والغريب في الأمر أن مخيلة أهل الواحة نسبت له كل بليَّة حلت بها، فالقصور التي جرفتها السيول والتي امتدت لها أيادي قطاع الطرق زمن السيبة،[14] نسبت آفتها إليه.

كثيرة هي الأساطير التي تحكى عن حاضرة واحات الصحراء "سجلماسة"، المدينة الضاربة في القدم والتي اختفت ما بين يوم وليلة، تقول الأسطورة أن سكان المدينة في يوم من الأيام، استيقظوا على فجر ذلك اليوم الذي أذَّن فيه مؤذن المسجد الكبير للمدينة، وهو يرفع كلماته من الآذان "أصبح ولله وخلت" بدلا من "أصبح ولله الحمد" يا لها من مفارقة أن يكون خطأ مؤذن في الآذان سببا في اندثار مدينة من الوجود، وقد عمرت لفترة طويلة من الزمن.[15] ربما أن أذان المؤذن، كان تعبيرا عن حقيقة ما حدث، جراء سيل عارم أو هزة أرضية...حولت المدينة إلى خلاء بعدما أن افتقدت أهلها... وربما هو آخر أذان من أعلى آخر صومعة، لآخر مؤذن، بعدما أن بقي لوحده، ولا أحد سيستجيب لدعوة الآذان دونه، بعدما تحولت جنبات حيطان المدينة إلى خواء وخلاء، صدق المؤذن "أصبح ولله وخلت".

تصور معي مدينة يحكمها أمير من إحدى الإمارات، وقد كانت على طول الزمن نقطة وصل ما بين مماليك شمال الأرض وجنوبها، وليست هناك مدينة أكبر منها وسط مختلف الواحات، قصدتها مختلف الأجناس، وجمعت مختلف الأديان والثقافات...ها أنت الآن وسط هذه الأطلال التي سوتها التعرية وعوامل الزمن مع الأرض، تنحدر وتجلس القرفصاء، وتضع كلتا يديك على خدك، وتحذق بعينيك يمينا ويسارا، الهدوء والصمت يحاصرك من كل جانب، وأنت بين أكوام مرتفعة ومنبسطة من التراب، وقليل من الأحجار، وبعض من بقايا أواني الفخار... كثيرة هي الأرواح التي تملأ المكان، وكثيرة هي الأصوات والضوضاء والقيل والقال الذي سبق له أن عم هذا المكان، وكثيرة هي الأشعار والمخطوطات التي خطتها الأيادي تحت نور قناديل المدية، وكم هي مراسيل السلاطين التي حملها أعوانهم، بين أزقة المدينة ودروبها، كثيرة هي الدسائس والقرارات ومعاهدات السلم والحرب، التي خرجت من بوتقة تراب هذه الأرض، هنا سال مدال كثير مصنوع  من صوف النعاج  على ألواح خشبية مطلية من صلصال تربة الأرض، لطلاب بذلوا قصارى جهدهم في حفظ القرآن وعلومه. كثيرة هي الأحمال التي فكت أو ربطت على ظهور الدواب، وكثيرة هي المؤن التي تزود بها محتري الأسفار عبر الصحراء وخارجها... ها أنت الآن تمد يدك إلى تراب الأرض وتمسك بكمشة منه، تقربها إلى انفك وتشم رائحة، مفارقة لرائحة التراب الخالص، تراب امتزج بخلطة مختلف توابل أطعمة الثقافة عبر الزمن، تشم رائحة ممزوجة بورد البصرة وبخور سمرقند وتوابل تمبكتو... تمعك تراب الأرض بين يديك وتلقي به بعيدا، وتضرب كفا بآخر، ويتطاير منها مسحوق غبار تليه عطسة غير متوقعة من جسدك، الذي اختنق بثقل أرواح المكان.

اندثار مدينة من هذا النوع كان له أثر بليغ على مختلف أرجاء المعمور، أمر غريب أن تتحول حاضرة من حاضرة مدن الصحراء إلى ركام من التراب والطوب، وقد عاش أهل الواحات بعدها حالة من اليتم والضياع، وكلفهم الحدث بناء مدن صغيرة أخرى...إلا أنها لم تُعد مجد حاضرة الصحراء الذي ضاع إلى الأبد، والمثير للاستغراب أن ذاكرة أهل الصحراء لا تخزن أشياء كثيرة، حول الأسباب التي كانت من وراء اختفاء مدينتهم، والذي يزيد الأمر استغرابا أن كتب المؤرخين شبه خالية من معرفة السبب الفعلي الذي كان من وراء اختفاء المدينة، كأن الجن أو مخلوقات أخرى سحبتها إلى عالم مجهول لا نعرف عنه شيئا، ربما أن الناس استبدلوا الحزن على ما حدث بالنسيان، الشخص الذي لم تنساه ذاكرتهم هو "السلطان لكْحَلْ" أفخم ملوك بني مرين، دفين شالة على ضفة نهر أبي رقراق، في غفلة أن مختلف قبائل الواحات عرب وأمازيغ وغيرهم من قبائل الصحراء، قد تحولوا في لحظة من الزمن إلى قطاع طرق ونهب وتخريب، أحد أهم موانئ الصحراء الذي تحطُّ على أرضه مختلف قوافل الشمال والجنوب، ومع الزمن استبدلت موانئ الصحراء بمواني المحيطات، بما فيها المحيط الأطلسي، وتلك بداية عقارب ساعة حضارة أخرى، أول ما بدأت كانت سببا في انزلاق حاضرة الصحراء  نحو مجهول  يلفه الظلام لا أحد يعرف عنه شيئا. مدينة يلفها العجب اختلف حول أول من بناها وشيدها وقد قيل إن حضورها يعود إلى زمن الرومان، واختلف حول أسباب زوالها اخلافا لم تفك ألغازه بعد.

***

بقلم: د. صابر مولاي أحمد

كاتب وباحث مغربي مختص في قضايا الفكر والدراسات القرآنية.

.....................

[3]  النمل الأبيض

[4]  رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد

[5] أنظر: المسالك والممالك، لأبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (-487هـ)، دار الغرب الإسلامي، عام النشر: 1992م، ج.2، ص.845

[6] أنظر: طليعة الدعة في تاريخ وادي درعة، لأبي عبد الله محمد المكي بن موسى ‏الناصري الدرعي (ت 1163هـ)، تحقيق، صالح بن ابراهيم أيت باب التمكروتي، الكتاب صدر عن، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية لسنة 2022م

[7]  تاكمادرت: هي مدينة تاريخية على وادي درعة في المغرب وهي منشأ وأصل سلالة الدولة السعدية التي حكمت المغرب (1510م-1659م)، كان أول سلاطينهم محمد الشيخ يدعى «الدرعاوي التاكمادرتي»

[8]  أحد أبرز سلاطين الدولة السعدية حكم المغرب ما بين (1578م - 1603م)

[9]  ويسمى كذلك بـ"الفرواط " أو الفرواد"

[10]  لكْحَلْ: بمعنى الأسود، والكُحْلُ هو ما يضع في العين من مسحوق أسود من أجل الزينة

[11]  المسالك والممالك، لأبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (-487هـ)، دار الغرب الإسلامي، عام النشر: 1992م، ج.2، ص.837

[12]  من جهته، يذكر محقق كتاب الأنوار الحسنية أن السلطان أبا الحسن علي بن عثمان المريني الشهير بالسلطان الأكحل ودفين شالة بالرباط [-1351م] حارب "سجلماسة حيث غور العين التي هي عماد أهل سجلماسة في حياتهم الزراعية وهي العين المعروفة اليوم بـ "عين تيمدرين" القريبة من أرفود والتي حفر حولها مائة بئر، ثم طمسها بالصوف والقطران والرمال" أنظر: المدغري أحمد ابن عبد العزيز ابن الحسن، الأنوار الحسنية، تحقيق عبد الكريم الفيلالي، الرباط، 1966م، ص. 92

[13]  يرى صاحب الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى أحمد الناصري(-1879م)"أن أهل سجلماسة اختلفوا مع السلطان الأكحل فحاصرها، واشتغل بتغوير ماء العين التي تسقى منها، فكان ذلك سببا في خلائه" الناصري أبو العباس أحمد خالد، الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الدار البيضاء، دار الكتاب، الجزء الثالث 1954م، ص. 120

[14]  بلاد السيبة مصطلح تاريخي مغربي يشير إلى الفضاء أو المجال الذي لم يكن مُؤمَّنا ويعرف نوع من الفوضى، إذ لا توجد فيه أجهزة إدارية أو عسكرية للسلطان، وفي الغالب تمتنع قبائل بلاد السيبة عن دفع الضرائب، ويكتفي الكثير منها بالمكانة الروحية للسلطان.

[15] سجلماسة ثاني مدينة إسلامية تم بناؤها في الغرب الإسلامي بعد مدينة القيران، وهي مدينة تاريخية كانت تقع في الجنوب الشرقي للمملكة المغربية، التي تطلّ على واد زيز وغريس وتودغة، بالقرب من مدينة الريصاني حاليا، التابعة إداريا لإقليم الرشيدية كمكون من جهة درعة تافيلالت. أسّسها بنو مدرار الخوارج الصفرية في أواسط القرن الثاني للهجرة/ الثامن الميلادي، وبالضبط في سنة 140 هـ/ 757 م، واعتبرت عاصمة أوّل إمارة مستقلة عن الخلافة في المشرق، وتسمّيها الساكنة بالمدينة العامرة أو المدينة الكبيرة. غابت واختفت عن الساحة التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بنهاية الدولة المرينية حوالي 1393م. وهناك من يرد تاريخ تأسيس المدينة إلى زمن الرومان في المغرب.

 

في المثقف اليوم