أقلام ثقافية

زهير ياسين شليبه: الغرباء وغسل العار

عزيزي يونس اللجوج!

يا للجاجتك وإلحاحك!

لا تزعلْ منّي! طلباتك صارت كثيرةً! لكن مع ذلك أحاول أن أجيبك باختصار.

طلبتَ مني يا صديقي العزيز أن أكتب لك عن احتفالات رأس السنة هنا في هذا البلد الغني الصغير الجميل، وقتَها كانت الشمس تفتخر بإشراقها المتواصل حتى التاسعة مساءً، نعم كانت تشبه ليلة من الليالي البيضاء في عاصمة روسيا الشمالية: "لينينغراد" عفواً، "سانكت بطرسبورغ"، في نهاية يونيو وبداية يوليو، كما أتذكر، وإلا فأنا ضعيف بالأنواء الجوية. المهم، إني أجبتك آنئذ، وأنا "أدق" صدري قائلاً لك: تدلّل! غالٍ وطلب رخيص! صحيح، والله صحيح، أعترف بذلك، نعم وعدتك بالكتابة لكن كلام الليل يمحوه النهار، وأنا رجل، عفواً أقصد إنسان، متقاعس، أو بالأحرى مزاجي، يوم هيك وآخر كيك، وثالث ن ... ، عفواً، سامحني، هكذا هي الأمور هنا، كل شيء يجري حسب الطقس، أعتذر لك كثيراً لتأخري عن طلبك اللحوح اللجوج وأنت تعاني من الحصار، ومع ذلك وجدتُ نفسي اليوم منغمراً في رغبة الكتابة إليك، منخرطاً ومنهمكاً، في  الرد على سؤالك، وأحاول قدر الإمكان التركيز على سؤالك، وكما كانوا يقولون لنا في المدارس: فهم السؤال نصف الجواب، فأنا فهمتُ منك أنك تريد أن "تنفّه" عن نفسك وتستمتع بقراءة رسالة بلا نكد، كلها أفراح واتراح! أليس كذلك؟ وطبعاً سأتذكر دوماً ما طلبته أو "أمرتني" به: عدم التشعب وتقليب المواجع والانتقال إلى موجات أخرى، كما عهدتني أو شخّصتني و"اتهمتني" تقريباً! ولا يهمك سأسعى وأبذل كل ما بوسعي! إليك الرسالة!

الدنمرك دولة علمانية ديمقراطية، نعم، لكنها ذات خلفية مسيحية، إنهم يحتفلون بكل الأعياد الدينية المسيحية، لكن كما كان الناس عندنا في السبعينات يقولون ممازحين "مسلم بالجنسية".

الناس هنا يعشقون شجرة عيد الميلاد، يزينوها ويرقصون حولها في ليلة الكريسمس لكنهم ليس بالضرورة كلّهم متدينين. وأقول لك: لم يتقبل الناس هذا التقليد الجديد أو الموضة مباشرة وبدون اعتراض على الشجرة!

تقوم مؤسسات الدولة بتزويق أماكنها كل حسب اجتهاده، البلدية تنظف الشوارع وتعلّق الأعلام الملونة والشراشيب، تنصب شجرة كبيرة حقيقية مزيّنة ومزوّقة في ساحة المدينة الرئيسة، غالبًا ما تكون في مركزها كما هو الحال في كوبنهاجن. وتُخصّصُ محطاتُ التلفزيون برامجَها لهذا الغرض. هناك برنامج خاص للأطفال يبدأ من بداية شهر كانون الأول حتى رأس السنة اسمه "مفكرة عيد الميلاد" مكرس لهذه المناسبة مستوحى من الثقافة المسيحية، يُعرض فيلمٌ عن حياة سيدنا عيسى المسيح، فتصَوّر يا صديقي، مثلاً، كيف سيكون رد فعل عائلة ملتزمة باعتقادٍ آخر غير النصرانية، تريد تربيةَ أطفالهم عليه.

إنه أمرٌ متعبٌ بالتأكيد في البداية، وليس دائمًا سهلاً على آباء وأمهات غير مسيحيين، أو تابعين لكنائس أخرى، تقبّل ذلك! المسلمون يعترفون بكل الأديان السماوية السابقة ويَعتبرون المسيح نبيًا، لكن الرسول محمد خاتم الأنبياء، هذا ما لا يراه الآخرون! بل يغيظهم! هنا يكمن الصراع!

فيلم "الرسالة" عن حياة الرسول أهم بالنسبة للعائلة المسلمة من برنامج آخر عن الأديان!

عمومًا يبدأ الناس بالحديث عن عيد الميلاد والتحضير له منذ بداية شهر كانون الأول أو منتصفه، يفكرون بكيفية الاحتفال، أين وكيف وماذا يأكلون ويشربون، ولو في حقيقة الأمر أن الطعام معروف.

وكالعادة فإن أفراد العائلة يحتفلون بهذه المناسبة بأكل ما لذَّ وطاب من الوجبات والشراب والرقص حول شجرة عيد الميلاد المزينة بأحلى التزيينات اللّماعة بمختلف الألوان وصور الأقزام وهم يتدلون على أغصانها، وهدايا كثيرة مخفية تحتها توزع فيما بعد على الأطفال والكبار وهم يُقَبّلون ويحتضنون بعضهم بعضًا.

الأمر الآخر هو ان الكريسمس إذا جمعته مع "دورة" السنة ونهاية الأسبوع يصبح إجازة لا بأس بها، يسافر فيها بعض الناس. بدأنا نأخذ هذا الخيار أو يأتي أصدقاء مقربون جداً لنا ونحتفل معًا بهاتين المناسبتين، لكن هناك الكثير من المغتربين المسلمين الأصوليين، بالذات الجدد، وحتى الدنمركيين المورمونيين وشهود يهوه لا يبالون لهما وأطفالهم لا يشعرون بهما.

أتذكّر أني قلت لسْتين العامل "الروبوت" أو "الماكنة" كما أسمّيه، الطيّب، المشرف على بنايتنا السكنية، الجثيث، الطويل الضخم، عملاق من أحفاد القراصنة، "مبروك بعيد الميلاد"، ردّ عليّ ببرود أو جفاء :

- "إنكم لا تحتفلون بهذه المناسبة"،

أجبته:

- مع ذلك مبروك!

قال مبتسمًا ابتسامةً صغيرةً باهتةً بانت من طرف شفته:

- شكرًا.

تسائلتُ بين نفسي، من أين له هذه الأحكام النمطية؟ بالتأكيد بعد معايشته لبعض النزلاء من الأديان الأخرى بمن فيهم المسلمون وشهود يَهوه والمورمونيون ممن لا يُحيون هذه المناسبات، ولا يجاملون ويخشون على أطفالهم من التماهي مع الآخرين.

لكنها عطلةٌ لا يُستهانُ بها، يستغلها الناس بمن فيهم المغتربون للتزاور والسفر إلى ذويهم الى مدن او دول أخرى قريبة منهم. احتفلنا مع عائلة اخرى من أصدقائنا جاؤونا من السويد، قضينا ليلة جميلة بالذات مع الأطفال، لولا محاولة قتل "غسلاً للعار" حدثت هنا، أفسدت علينا أمزجتنا الجميلة واسترخاءنا.

دعني هنا أنقل لك مقاطعَ قصّةٍ كتبها صحفي مكرّسة لهذا الحدث، من جريدة محلية، وأعذرني إن كانت سلبيةً، يقول الكاتبُ:

- " أنا فعلاً متأثر وحزين لحد الآن على ما حدثَ، أعرف الرجلَ المسنَّ شخصيًا، اعتدى على "ضحيته" في لحظة غضب، لم تمتْ والحمد لله، أجل، بَقيتْ على قيد الحياة، اغرورقت عيناه بدموع الفرح والندم لسماعه هذا الخبر، كُتبتْ لها حياة أخرى جديدة، بشرى سارّة له، فقد أحبّها كثيرًا كما يحب ابنته وتمنى لو لم يرتكب هذه الجريمة.

وُلدَ هذا الرجل الفلاح الطيب في بلد "يحج" إلى سواحله الدافئة ملايين الأوروبيين سنويًا، حيث الجبال الشاهقة الجميلة الخضراء، قَدِمَ إلى ألمانيا ومنها إلى الجزر الدنمركية الباردة منذ الستينات للعمل حالمًا بالسعادة، وصار هذا المسكين المعذّب أبًا لأطفال كثيرين، لا أتذكر ثمانية او عشرة، أغلبهم يعاني من صعوبات وتحديات مختلفة، أحدهم مدمن، ضايع، صايع، زوّجوه من بنت شابة اسمها قمر، وهي حقّاً  اسم على مسمّى، وجهها كالقمر، "طازة"، "سر مهر" جاؤوا بها من الأرياف على أمل أن تصلحه، وهل يمكنها ان تقوم بذلك بعدما أفسده الدهر، اكتفوا بأن قالوا لها: خطيبك ميكانيكي، الحمد لله كانوا شرفاء، لم يبالغوا في وصف ابنهم، لم يقولوا لها مثلاً: إنه مهندس طيران! كانوا يعوّلون عليها لإصلاح ابنهم! هي أفضل منه تعليمًا، بقي لها سنة وتنهي الثانوية العامة، من يدري؟ كان يمكن أن تصبح معلّمةً أو طبيبةً في بلادها، لكنها فضّلت ألا تضيّع فرصة العمر: "لم الشمل"، أو "السحب" كما يقولون في بعض الدول الفقيرة، تركتْ الدراسةَ، ضحّتْ بفارس أحلامِها، أحبّها وأقسمَ لها أن يسعدها إن بقيت معه، مع ذلك جاءت إلى هنا، إلى هذا البلد الأوروبي الجميل، كانت تظن أنها ستنعم بالرفاهية وتطور شخصيتها وتكمل تعليمها، وقد تمد يد العون لقريبها و"ما الحب إلّا للحبيب الأول"، لم تجد غير النكد اليومي والفقر والعنف الأسري، بقيت حبيسةَ المنزل مع أفراد عائلة زوجها، أجل، كانت هذه الحقيقة مفاجأةً، بل كارثة بالنسبة لها!

عريسُها، المحروس زوجُها أو بعلُها مدمنٌ لا يفقه شيئًا من الحياة، يهيل ويميل في شوارع المدينة، بقيت معه خمس سنين على هذه الحال، احتارت المسكينة ماذا تفعل له ليتحسن وضعه، بلا فائدة، عبثًا حاولتْ وحاولتْ، أنجبت منه طفلين وثلاثة على مبدأ "كَثّري الحجار يثقل الدار"، عذراً إذا كان هذا المثل غير صحيح، أو أنه من تأليفي، النهاية ليست هندية "هَبي إند"، بل حزينة، هربت الزوجة الغريبة، أرادَ والدُه قتلها غسلاً للعار بينما كان بعلها الشاب يتسكع مع المدمنين قرب كنيسة مريم العذراء في العاصمة.

هي الآن راقدة في المستشفى بينما الأب في السجن، صاروا موضوعَ الصحافة وألسنة الناس، تلوكهم!

حدّثَني ابنُه، العريس "المقدام" في مراتٍ نادرةٍ التقيتُه فيها وكان بمقدوره الحديث والتعبير عما في خلجات صدره، قال بلكنته الجلية وهو مشغولٌ دومًا بتصفيف شعره الأسود اللماع بفعل الدهون، الطويل النازل على جبهته تارةً، يضع السيجارة في فمه حينًا آخرَ، نافثًا دخانها إلى الأسفل وإلى الأعلى، مبتسمًا بين الفينة والأخرى مكررًا:

- أليس كذلك، أليس كذلك، واللهًً، والله، كان أبي يضربني لأتفه الأسباب، مرةً لأني سألته عن "أبو البول" وكيف يتم الجِماع، ليس هناك مشكلة، أليس كذلك، صار يسب ويشتم، ويقول إني لا أحترمه، وضرب المنضدة بيده، جرحها، قلت له: أبي هذا ما علمّونا إيّاه في المدرسة، يسمّونه التعليم الجنسي، أليس كذلك، لماذا تضربني يا أبي، الله يخلّيك، أنت تعرف ممنوع ضرب الأطفال، أليس كذلك، لكنه صار عصبيا أكثر من السابق، يسب ويشتم وضربَ حتى والدتي ضربًا مبرحًا، قال لها: "أنتِ السبب، تدلّلينه، تريدينه أن يصير دنمركيًا"!

صحيح انا "ابن القعده" يعني آخر العنقود، أليس كذلك، لكني لم أرَ بحياتي اي دلالٍ ومحبةٍ منه، تصور مرة طلبت منه ان يشتري لي دراجة مثل كل زملائي التلاميذ، أليس كذلك، فرحتُ كثيرًا لأنه وافق، لكنه ظل يماطل ويماطل ويؤجل الموضوع، وفي كل مرة يقول: انشاء الله، انشاء الله أو بكره، أخيرًا هلكت، صرت أخجل أمام أصدقائي، أليس كذلك، والدة أحدهم أهدتني دراجة كانت حلوة ونظيفة، لكني مع ذلك قلت لها مفتخرًا، وأنا كنت في العلالي، فرحًا للغاية: أبي سيشتري لي واحدة، وعدني، أليس كذلك، هي تفهّمتْ موقفي، كانت أُمًّا دنمركيةً طيبة للغاية، تحبني كما تحب ابنها تأخذني معهما الى المطعم والسينما ومدينة الألعاب، والله كلها غالية جداً، أليس كذلك، ومع ذلك تدعوني في كل المناسبات.

عُدتُ إلى البيت، قال لي والدي:

- اليوم راح أشتري لك دراجة، فرحتُ للغاية، لا تتصور سعادتي، كدت أطير من الفرح، والله نمت أحلى ليلة في حياتي، لن أنساها إطلاقًا، وحلمتُ أني أسوقُ دراجةً جميلةً فيها سبعة "كَيرات" وحلّقت بها إلى أعالي السماء، فوق، فوق، سقطتُ ومع ذلك لم أشعر بالألم، كنت مبتهجًا فرحًا سعيدًا، أليس كذلك، بقيت منتظرًا اللحظة التي سيأخذني فيها الى محلات الدراجات، لكن لم يحصل أي شيء من هذا القبيل، فوجئتُ بأنه جاء بدراجةٍ قديمةٍ صدأةٍ، رماها في الممر قائلاً: تعال يا صبي خذها، اشتريتها لك، ستذهب بها غدًا إلى المدرسة، لم أَسُقْها طبعاً عندما اذهب للمدرسة خشية أن يراها زملائي ويسخرون مني، في حقيقة الأمر لم يكونوا كذلك لكني لم ارغب باستعمالها رغم الضغط والضرب، إي والله يضربني، لم أستخدمها، يقول لي: "لازم تروح للمدرسة بها، لماذا لا تريدها؟ تستعر منها؟ أنا لما كنت بعمرك ما كان عندي دراجة يا غبي!"

أو، مرّة أخرى، رجوتُه ان نعمل حفلة عيد ميلادي وأدعو زملائي مثل الدنمركيين، أليس كذلك، كلهم سألوني عن ذلك، أخبرته، توسلت به، بابا الله يخليك دعني أسوّي حفلة عيد ميلاد، صار عصبيا، قال: "كم مرة طلبتُ منك ألا تلح عليّ، هذا حرام"، كان فعلاً عنيفًا معي، أكلتُ ضربًا من هذا الأصلي، ثاني يوم رحت للمدرسة، سألتني المعلمه عن الكدمات الزرقاء على وجهي، كذبتُ عليها بالطبع، قلتُ لها: سقطتُ، لم تصدّق ذلك، اتصلت بالمشرفة الاجتماعية، تدخلت البلدية، أخذوني إلى مقابلات خاصة مع ناس محترفين متخصصين، كشفوا الأمر، انتزعوني جبرًا من أمي وأبي، أليس كذلك، أعطوني هدايا، اشتروا لي ملابسَ ودراجةً جديدةً، كنت أهرب وأريد العودة إلى أهلي، وأشتاق إلى أخوتي وأخواتي باستمرار ولم أشعر بالاستقرار منذ ذلك الحين.

ومنذ ذلك الحين، أنا تائه! ضائعٌ! لم أنهِ المدرسة ولم اتعلم بشكل جيد! هذه هي الحقيقة، أنت لا تعرفها وأنا أحببت إبلاغك بها حينذاك، شكرًا لك، حاولتَ دوماً مساعدتي، أنت إنسان طيب، أنا أعرف أنك تحب والدي وعائلتنا كلها، تريد لنا الخير وتعيننا، لكن الآن صعب، أنا مدمن وأرتادُ مكانًا خاصًا للعلاج، أليس كذلك، أنت تفهمني، أليس كذلك"، قالَ كلمته الأخيرة وعلامات الألم والحزن بادية في عينيه، بانت أسنانه كلّها صفراءَ بنية أثناء ابتسامته اليائسة، بدا كأنه أكبر من عمره الحقيقي بعدة أعوام.

هذا هو الذي ينغّص علينا حياتنا يا صديقي القارئ، مع الأسف لدينا ما يكفي من هذه الهموم بين غرباء البلدان الدافئة، والقصص كثيرة تدمي القلب، الجميع يردّدُ عبارةً شهيرةً "نخشى على فلذات أكبادنا". مسكين والده كان يشتغل في البناء يأتي الى البيت متعبًا، يضرب أطفالَه، أبعدت البلدية بعضهم منه، تزوج من اخرى، في النهاية تقاعد عن العمل، أراد أن يتوب وصار يدعو الناس للجامع، لكن، "بعديش؟ بعد ما وقع الفأس بالراس؟"!

الأولاد "فالتيها" في الشوارع، من المؤسف أنه لم يلتقِ بإمامٍ ذكيٍّ وخبيرٍ يعرف كيف يرشده بأن العبادات وحدها غير كافية، كان عليه أن يكون طيبًا حنونًا مع أفراد عائلته، يحرّم عليه ارتكاب الجريمة، على الأقل المفروض أن المسلم لا يقتل!

هذا الأب القاسي كان دوماً يقول إن أولاده طيبون لا يضربون أحدًا، لا يفهم أن تربيتهم ليس بالضرب، ومن أين تأتي العدوانية المترسخة في شخصياتهم، هو غير قادر على استيعاب خطأ تربيته لهم، تقليدية قديمة عفا عليها الزمن وأن طفولتهم غير طبيعية، لا يدرك أن عدوانية أطفاله نتيجة حتمية لعنف أسري مارسه لأتفه الأسباب، وانعدام الرعاية والحنان والحب بينه وأم أولاده!

أبناؤه، طيبون بالفطرة كما أحسستُ بهم، لا تتصور عزيزي القارئ كم أحبهم كلهم بلا تمييز، الإناث أفضل من الصبيان في الدراسة، يواظبن على واجباتهن البيتية، الصعوبة عند الأولاد، "بعضهم يعاني من الشعور بالنقص وضعف الشخصية ومشكلة الهوية والانتماء واحترام الذات، وهي نتيجة طبيعية لطفولة بائسة غير مستقرة ومليئة بالمطبّات"، كما يقول المحلل النفساني! مِن أين للأب أن يعرف هذه المصطلحات ويفهمها!

تصوّر أن أحد المحللين قال:

- يبدو أن هذه العدوانية او الطريقة الفظّة الخشنة في التعامل مع الآخرين صارت راسخةً في الجينات لتاريخها الطويل في الشرق، لا يمكن حلها إلا بتنويرية جديدة وفترة استقرار طويلة تنشأ فيها عدة أجيال. طبعاً انزعج منه ابنُ العائلة الأكبر، وصفه بالعنصرية:

- أستغرب منك تتكلم بهذه الطريقة، تصنّف البشر حسب انتماءاتهم العرقية،

لكن النفساني قال له بثقة العارف الحكيم:

- مرّتْ أوروبا بالوضع نفسه، لكن التنويرية والتطور غيّرا الأمور ومُنعَ ضرب الأطفال في المدارس، والمنازل، أجل لا تتصور أن أسلافنا كانوا أفضل منكم، ولا يزال حتى يومنا هذا يعاني بعضنا من نفس هذه الأمراض الاجتماعية.

انتهت قصة الصحفي!

1994الدنمرك

***  

د. زهير ياسين شليبه

 

في المثقف اليوم