أقلام ثقافية
محمد سعد: ثَرثْرةٌ فوقَ المصطبَةِ على ناصِيَةُ حارَةِ الطبَالَةِ
في لحظات اختيار العُزلةُ الْإِختيَارِيةُ، أجلس وَحِيدًا واتذكر من جلس قَبْلْنَا هنا وأين هُمْ الآن...؟ نُدْرَكُ كم هي أصبحت حياتنا هشة، وكم نحن ضعفاء، من التغيُّراتُ في المُجْتمعِ أمام قوة الزمن الذي يبتلع كل شيء بلا رحمة، ولا يترك لنا سوى الأحلام المنسية علي مصاطب وحواري وذِقاقٍ القرية، العصافير فوق اسطح المنازل الريفية في حالة صمت رهيب لا أحد يشعر بحالات الموت البطئ حينما يتمرد القدر، وتعلو أصوات الرعاع السفلة والصعاليك، وتهيج خفافيش الظلام.. انتظر من يضيء شمعة. في زمن العتمة اعيش بين العشق والجنون والهوس، قدري جعلني اكون كَاتِبًا وجُغرافِيًّا وبَاحِثٌ في عصور الإضمحلال والوباء وثقافة التفاهه والفرجه والحرب والدم، والفوضي والشعبوية، وصعود الأقزام، علي المنابر.
في زمن عز فية الرجال ويموت كل الرجال. ونعيش زمن العيال. وتبقي الحياه بدون حياء، فيصعد شرذمة من القوم. تلعب أدوار علي المسرح ولكن المسرح ينهار والنار تشتعل من جانبية. ومازال الكومبارس والممثلون علي خشبة المسرح، في عزاء كبير. يتسأل المارة في الشوارع من مات / رغم شعوري الحسي ان حالة من الزهايمر بدأت في حفلة زار للمشعوذين و حفلة زور ونفاق ورياء في حلقة ذكر لزفاف ميت. وفجأة خرج المذيع علي خشبة المسرح ليعلن عن وفاة كل القرية، ليسمع مذيع آخر ليعلن وفاة كل العرب من عاصمة الخلافة العباسية والأموية والفاطمية والعلوية،. فيخرج المستضعفون في الأرض من المحيط الي الخليج. يَجلِسُونَ علي سلالم القصر اي قصر. بالدعاء (َنْثَر عَلَينَا مِلْحُ الطَّعَامِ ايْهَا السُّلْطَانُ) ولكن أي سلطان عليك تُعَدُّ الرُّؤُوسُ أو تقطعها. فسوف يخرج جيل يجعل الأخضر يَابِسًا، فيخرج السلطان في خلَسَة. ويكتب علي جدران وحوائط ودورات المياه (أعيش أنا ويموت ضحاياي).
المهم أن الكل صار يحكى، ولا أحد يخفى نواياه السيئة، لكن نحن لا نقرأ، وإذا قرأنا لا نفهم، وإذا فهمنا لا نصدق، وإذا صدقنا نخاف ونخاف مما صدقناه ونهرب منه.
علي شواطيء البحار.. فتنزعج الأسماك من أجسادنا المريضة من العفن التي تطفو فوق مياه البحر، لتصل الي الشاطئ الأخر فيتساءل الأفرنج من اي أمم هذة الجثث ليأتي الرد مكتوب من اروقه الأمم (أمة ماتت من سنين) الغريب الكومبارس علي خشبة المسرح والمسرح ينهار والبطل يبحث عن سلالم الطوارئ في المسرح المنهار ولكن المسرح تشتعل النار من جانبية ومازال الجمهور يصفق ومازالت سوسو تصرخ وتصوت علي خشبة المسرح لا مفر نصحني. الكاتب /محمد الماغوط/ فيما قال:
في القرية يقولون لي: مكانكَ ليس هنا.. فأسرعت الي المدينة يقولون لي: مكانكَ ليس هنا..
في الوطن يقولون لي: مكانكَ ليس هنا..
وفي المنفى يقولون لي: مكانكَ ليس هنا.. أين مكاني إذاً. ياكاتبنا بحثت عنه في كل مكان.. ؟ احتمال في الفضاء.. ,في مرحلة الفِطام، وأنا أحبو
باكياً وراءَ أمِّي المنصرفةِ عنِّي وراءَ الكنسِ والمسحِ ونفضِ الغبارِ، كنتُ آكل كلَّ ما تطوله أظافري الغضَّة من ترابِ العتبةِ والشَّارعِ وفسحةِ الدارِ.
ويبدو أنَّني أكلتُ حصَّتي من الوطن منذ ذلك الحين. وصلت الرسالة ليس لنا مكان في وطن الرأسمالية المتوحشة وطن الذئاب.. !!
***
محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري