أقلام ثقافية
محسن الأكرمين: الذات السوية وبلا خسائر...
ما بقينا نُهدهِدُ أنفسنا بالتفكير الايجابي ونلتزم به، فإننا حتما نبحث عن جرعة من الحقيقة التي قد تُنْعِشُ المستقبل بالتغيير. حتما، الكل يفكر في أن زمنا من عمره قد ضاع منه وتسرب دون عيشه بالتمام، وهذا الفزع قد يأتي متأخرا. فحين نتحرر من عدم الاهتمام بالزمن، تبدو الحياة خرفة، وقد تبيت تبلل مكانها قعودها. ولهذا ففي صغر سن العمر كل الأشياء تحمل الإثارة، وتزيد من تطلعات الاهتمام بالأفق والحلم. لكن الفشل المركب التجريبي، وحتى المتحرك لا يمكن الهروب منه ولا معه، فالذات قد تبقى عالقة ومتواجدة حيثما وصلت. لذا قد تكون الفكرة المترددة بالعقلانية أن: تجد حلا يناسبك (أنت وأنا ونحن) أولا، وقد يمنعك (أنت وأنا ونحن) من تناول فاكهة الخيبات الممطرة رعدا وبرقا.
اليوم لا ينقصنا غير الجواب عن سؤال: كيف تضحك من دموع تذرفها وحيدا؟ قد يكون هذا السؤال مفزعا، من حيث البناء التركيبي، لكن صدق الإجابة التي نبحث عنها اليوم تماثل سؤال: كيف يجب أن نتحمل الألم؟ وكيف نحول أثر الألم إلى أداة حياة؟
لن أتحدث اليوم عن كيفية ربح الذات السوية بلا خسائر وبلا صناعة مطبات حياتية آتية، بل سأتناول الحل من حيث تقبل الألم من غير أن يشكل الألم نقمة مستديمة، ويصبح مهلكا لنا بالإفراد والجمع، ونبيت نسيا منسيا. فأعظم الحقائق فزعا في الحياة أكثرها إزعاجا للذوات، فحين نسمعها سواء أتت بخبر النجاح أو الفشل، تبكي العيون.
لن نختلف البتة، فقد لا نرغب في سماع الحقائق البشعة المزعجة للأنفس، لماذا؟ لأن في تركيبتنا النفسية العميقة تسكن الأشياء المغلوطة، وتتخفى عن الظهور كذلك الأشياء السليمة. فالاهتمام بأمر مهما صغر حجمه وشكله يحمل مثال (أصغر الكلاب أشدها نباحا) هي مواطن الألم قبل التراكم الكمي. ووحين يبيت نوعيا يمثل حركة من التفكير الهائل والخوص في همِّ الحياة، ولما لا الخروج بأفكار مدهشة والعثور على السعادة في مواضيع مؤلمة ومتخفية. فالأشياء الايجابية المصممة للفرحة قد تمثل هدهدة للحياة غير مريحة، فيما ثقل السلبيات قد يزيد ويدفع نحو الاكتئاب ومداومة عيش الألم. فالقلق بات مزدوجا ومكررا في عصرنا الحديث، لأن الخوف بات إحساسا بالذنب والاخفاق، ويتعلق بالترابط بقلقنا بخصوص ما يتعلق بالقلق نفسه.
كيف يمكن أن تكون سعيدا؟ كيف يمكن أن تكون حياتك بائسة؟ إنها حلقة العلاقة بين الجنة والنار، والتي تتكرر بالمفاجآت الممتلئة من جيل لآخر، ومن عهد (قابيل وهابيل). فلا منطقة وسطى توجد ما بين الجنة والنار !!! لكن أن تكون سعيدا حين تكون مستنيرا من الناحية الروحية، وتُواصل البحث عن حقيقة السعادة مثل (حي بن يقظان)، أن تُحارب الألم واليأس حين تعلن جهارا (إلى الجحيم أيها الألم !!)، فاللامبالاة الذكية تكسبنا القفز عن تفكير (لا تحاول) وتقعد منبوذا جريحا، إلى مناولة العمل بأمر (حاول) لمعرفة حقائق الحياة.
***
محسن الأكرمين