أقلام ثقافية
عن تجربة الفنانة التشكيلية والباحثة نورة البجاوي
الكائن بوصفه حمال عواطف وأحاسيس في درب محفوف بشؤون شتى حيث النظر والقول والحلم والحنين مجالات جذب لأجل الفكرة وبها تقصدا للكيان في تجليات ابتكاراته وانتظاراته بما يعلي من شأن الحضور والاقامة في أرض الغادين والعائدين.. الكائن هذا المبصر تجاه الأمكنة والأشياء والعناصر تمنح شيئا من بهائها النادر للمحبين والمولعين بالصنوف والضروب والأنواع من ألوان هذا الفن..
هي فكرة الذهاب الى نقطة في الطفولة من خلالها تلمع ممكنات كثيرة تعلن شغفا قديما تلبس بالذات وهي ترى قادم أيامها في الدروب.. دروب الابداع ومنه هذا الابداع الفني الذي يبرز الكثير من اعتمالات الكينونة في حمال أحوالها وتفاصيلها.
هكذا نلج عوالم التجربة وبداياتها بخصوص فنانة رأت في الفن وجهة وملاذا في عالم مربك به الكثير من نائبات الدهر وارهاقه خطت بداياتها بكثير من العناء الجميل والدأب والمكابدة والفن هنا وبالنسبة اليها ترجمان دواخل وهي التي صبرت بالفن ولأجله لتشير الى الآفاق حيث النجمة المأتلقة.. الصبر معلم كائنات والفن فكرة حلم تحلت بألوان الصبر لديها وهي الطفلة التي تخيرت سفرها المعنون بالابداع والاصرار والجمال المبثوث بين تلوينات الأعمال واللوحات والمنجز عموما لديها في خانة الابتكار والتجدد.
تعددت مشاركاتها الفنية وخلال حوالي عقدين نشطت وأشرفت على عديد النوادي والمعارض الفنية واهتمت بالخصوص بمجالات التكوين في الرسم ضمن عدد من نوادي الاختصاص.. في لوحاتها تبرز حساسياها الفنية في تناسق لوني بين الموضوع ومكوناته في فضاء العمل المنجز لتحضر ثيمات مختلفة يجمع بينها تأمل الفنانة واعتمال حالها حيث الفكرة تقودها للفن ورسالته الاجتماعية والانسانية والجمالية..
هي الفنانة التشكيلية نورة البجاوي التي تعد لمعرضها الفردي بدار الثقافة ابن خلدون خلال الفترة من 20 ماي الى 21 جوان 2023.. تأخذنا الى البدايات وشيء من التجربة لتقول ".. في طفولتي أذكر أن أمي كانت تعمل بفندق ومن خلال عملها وما توفر لديها من مجلات يجلبها السياح معهم ويتركوها عند المغادرة ومنها المجلات المصورة على غرار مجلة تان تان وكنت حين تمكنني من المجلة أسعى لرسم محتوياتها وعمري آنذاك ثلاث سنوات وبرزت موهبتي وفي مرحلة ارتياد الروضة تفطنت المربية لموهبتي وتحدثت مع أمي بشأن موهبتي المبكرة وما توفر لي من شغف بالرسم والتلوين وذاكرة بصرية قوية.. ومضيت في هذا الولع بالرسم وكنت أضع أشيائي على الطاولة وأرسم وعندما صار عمري احدى عشر سنة أخذتني أمي الى دار الثقافة بالعوينة وحصلت على اشتراك في نادي الرسم واثر ذلك شاركت في معرض للرسم ونلت الجائزة لتكون أول جائزة أحصل عليها وهذا أسعدني وزاد في حبي للرسم وعالم الألوان حيث كنت مع من هم أكبر مني سنا.. كنت أصغر رسامة في تونس في تلك الفترة من عمري.. كبر هذا الغرام بالرسم وبالموسيقى أيضا وعلى اثر حصولي على شهادة الباكالوريا درست بالمعهد العالي للفنون الجميلة بنابل وشجعني أستاذي الذي أعتز به وبتجربته الفنان طارق السويسي وكنت أرسم الطبيعة الميتة ويتابعني في عملية الرسم عدد من الأسائذة يقفون خلفي ليروا مراحل انجاز عملي.. هذه الموهبة تواصلت وكللت بالاعداد لماجستير حول " نظريات الابداع " في تأطير للأستاذين الناصر بالشيخ وهشام المسعودي ورغم ظروف اجتماعية صعبة مررت بها فاني واصلت هذا الذهاب في نهج الفن.. ثم عملت في مجالات متعددة ومنها ما هو خارج تخصصي وكانت لي أنشطة بمراكز التكوين والنوادي ما منحني الخبرة والتجربة وبالمناسبة فان بعض أعمالي بيعت للأجانب والعرب من أحباء الأعمال الفنية.
بالنسبة للفن فاني لا أؤمن كثيرا بالمدارس الفنية لأن الفن والفنان في حالات تطور دائم مثل بيكاسو وقد مر بمراحل عديدة في كل مرة تتقدم به الحياة ليوطف ذلك في تجربته ليثريها.. صحيح أنني في بداياتي تأثرت بتجربة مدرسة تونس وفنانيها وأعمالهم مثل الفنان الراحل علي بن سالم ثم سعيت بعد ذلك للتجاوز لأبحث عن الجديد.. مدرسة تونس تجربة مهمة وفيها تركيز على التراث واليومي.. الفن المعاصر هو فن مختلف فيه نقد وايصال رأي وهنا يكتسب الفن رسالة وبعدا توعويا.. قدمت في أعمالي (البوب آرت) Pop Art وفن البوب هو مجموعة من الظواهر الفنية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بروح العصر، وجوهر حركة ثقافية واسعة النطاق في الستينيات. نشأ في بريطانيا العظمى في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، ولكنه انتشر بسرعة إلى العالم الغربي بأكمله في سياق المجتمع الصناعي الرأسمالي.. هذا في بعض أعمالي موجود وأعجبتني التجربة لخصوصية هذا النمظ الفني وأنا بالأساس فنانة بورتريه أعمل كثيرا في سياقات البورتريهات ومع تقدمي فيها صرت أتخلى عن الألوان في الكولاج وفي الفن الاستيعادي.. سعيت كثيرا في عملي الفني ضمن تجربتي الى وجود التنوع في أعمالي وو الثراء والحركة مع عدم ميلي لمسألة الأسلوب الخاص ايمانا مني بأن الفنان يمر بعدة أساليب.. الفن علمني أنني خلال البحث والانجاز أكتشف أشياء حديدة والبصمة كما قلت لا تعنيني.. في معرضي الجديد الذي أعد له من فترة هناك تنوع في الأعمال المقدمة بين الحروفية التجريدية والبورتريهات والكولاج وغيرها وفيها تناسق وأشعر عميقا أنها تعبر عني وعن أبحاثي وتجاربي.. ".
هكذا هي الفكرة الفنية التشكيلية في شواسعها وأبعادها الجمالية والوجدانية والانسانية عند الفنانة نورة التي ترى في الفن ملاذها وحياتها حيث كان لها في فترات حياتها الصعبة بمثابة العلاج.. الفن حلمها الناصع وهي التي ترى فيه مجالا لمزيد التوعية بدوره في حياة الناس كما أنها تعشق الموسيقى التي كانت تعادل الرسم في ميلها وولعها.. هي ترسم لتسافر وتوقظ الذكريات في الانسان وتحلم وتحب وتحن الى الجميل الكائن في الانسان وفي الأمكنة..
نورة البجاوي فنانة تشير الى العناصر والأشياء الطالعة من لوحاتها وأعمالها بحلم طفلة وشموخ فراشة وهي في ذلك تواصل مسيرتها مع الفن حيث يكون موعدها مع جمهور الفن التشكيلي خلال الفترة من 20 ماي الى 21 جوان 2023 بقاعة المعارض بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون.
***
شمس الدين العوني