أقلام ثقافية
سلطة الألم...
لن ينفع القفز عن سلطة الألم المستبد بلحظات هشة من الملهاة، ونقول حينها أن الفرح دواء وبلسم لشرايين الألم. لم يعد الألم ذاك الزائر الخفيف الظل، بل بات يوازي تركيب الفعل الذي يتطلب أكثر من مفعولين بمتغيرات مسارات الحياة.
طبعا، وقد لا نختلف بتاتا بأن الألم يتغذى من الحياة، يلتهم وبشراهة فرح الحياة، ويحضرها في انعكاسات مرايا الذكريات بمقايسة المنشطات الفكرية والشعورية. الألم يتذوق الفرح من تفاحة آدم التي أخرجته من نعيم الجنة. حين تكشف نقاب وجه الألم الغول بالمأساة المعاناة، تجده يتجسد في عالم الأجساد والنفوس الإنسانية بالدمع والوجع. تجده في علاقة أخطبوطية وثيقة بين الذات والآخر بالتبادلية غير المريحة. إن الألم بحق تشكيلة تفاعلية سلبية تتحرك بين مثلث العقل والنفس والجسد، وبذات الوسط الاجتماعي، وبالضرورة النسبية بتنوع ثقافات التحمل والمجابهة.
الألم المفزع كارثة نمطية مصغرة بحق، صدمة من الوجع والحزن والعذاب الممتد في الزمن والمكان. قد نُخْفي الألم بكل أغطية البسمة والرياء الاجتماعي، وبكل المتنفسات النفسية، لكنه يبقى حاضرا ويحمل خريطة مرجعية لنقط الألم المشتتة بالمحدودية الرياضية، فهو يبقي سلسة العلاقة بين البداية والنهاية قائمة. نعم، الجروح تبقى أبلغ شدة عند وقع صدمة الفقد (الكبرى)، فلا الزمن يقدر على مسح صورة الفقد من من الذكريات التي حتما تأتي وتؤدي النفس.
قد تكون تجربة تكسير أضلاع الألم من التجارب التي تُضاعف إحساس شدة الألم على النفس العليلة منذ البداية. قد يكون الإيمان (بالقدر خيره وشره) من بين المحطات السالكة نحو ضبط الأعصاب التي (حرقت) من شدة الألم، وترميمها بغشاء الذكريات الفرحة المفرحة، وعلو العنق سماء ونفس (يا ربي). قد تكون الاستمرارية في عيش هَمِّ الحياة والذي لا ينتهي حتما بالفرح، بل بالبكاء على (من له بداية له نهاية). لكن النهضة الثانية من وجه التراب، يجب أن تقايس بين الاحتفاظ بالألم في لوحة الذكريات بمقولة: (حين أريد البكاء أتذكر...). النهضة الصحوة حتما، لن تكون مستوية وبتلك الخطى السريعة، بل هي لمعاودة الوقوف ومداومة مَسْحِ هَمِّ الحياة.
جرح الألم، دائما يبحث عن العيش المندمج، والجمع بين متناقضين متجانسين (الفرح /الألم)، إنها القسوة المدمرة من تمرد الألم من سجن النفس والشعور ولما حتى من داخل بنية العقل والفكر. حتما مسار معاكسة الفرح للألم سياسة لا متناهية ولا تقبل الفر، بل عليها أن تلازم الكر عسى تحقيق الانتقام من أعراض الألم، حينها قد يبيت الكر على الألم يوازي الثأر من سندات متغيرات بورصة الحياة الكاسدة.
الألم بحق الله مثل اللعب بالنار، في ملمسه حريق للنفس والذات. الألم يُخرجنا من العالم المشترك بالفرح، نحو عالم المُهملات داخل سجن الوحدة ومكر الأفكار الانعزالية. قد لا يخلو أحد من تجارب الألم بالأقصى والأدنى، قد تكون تلك التجارب أنتجت للجميع حلولا عملية لمداواة الذات، والانتفاض من رماد الألم بيقظة ذهنية وحسية تتواصل مع الروح والطبيعة الإنسانية، وتدرب الخبرة على المعالجة الترميمية.
عمق سقطة الألم
لنكن من العدل قولا، ونقر أن الألم ظاهرة اجتماعية لا تتوزع بالمساواة، بل فيها خشونة اللاعدل بين جميع الناس. هي مفارقات كامنة حتى في تحمل حد الألم مهما صغر أو كبر، ومعاودة المراجعة بالوقوف. هي الصدمة التي تُخلف جرحا، قد لا يتم إخفاؤه، بل يبقى يلازم الذكريات التي تأتي وتفزع حتما. صدمة من الموت والفقد. صدمة من سرقة العمر والأيام. صدمة من سرقة الفكر والأحلام. صدمة من سرقة حتى ذكريات وحلم الليل الذي قد يطول.
***
محسن الأكرمين