ترجمات أدبية

الباروكة / ترجمة: محمد غنيم

مسرحية قصيرة

تأليف: ناتاليا جينزبورج

ترجمة: د.محمد عبد الحليم غنيم

***

(امرأة تجلس على السرير. تلتقط سماعة الهاتف)

مرحبًا؟ البدالة؟ أريد إجراء مكالمة بعيدة إلى ميلانو. 80-18-96. وطلبت بيضة نيئة. أحضروا لي الشاي، لكن لم يحضروا البيضة. كان الشاي مثل الماء. نعم، أيها المشغل. لا، انسَ الأمر. لا، زوجي لن يشرب الشاي. سيتناول كافيه أو قهوة بالحليب لاحقًا. إذن، هل يمكنك توصيلي بميلانو؟ نعم، نفس الرقم. يا إلهي، الآن لا أستطيع العثور عليه. 80-18-96. لا، ليست مكالمة مباشرة. لا، لقد أخبرتك بالفعل. لا أريد الاتصال المباشر.

(تذهب إلى المرآة وتبدأ بوضع مساحيق التجميل. في الغرفة المجاورة، هناك شخص يصفر بلحن فى صوت خافت.)

ماسيمو؟ أنا أتصل بميلانو. توقف عن التصفير! بشرتي جافة وصفراء—مقززة. لا عجب. يا لها من ليلة! كان الفراش مليئًا بالنتوءات. وشعرت بالبرد. الأغطية في هذا الفندق مثل خيوط العنكبوت. وأريدك أن تعلم أن أنفي يؤلمني. إنه متورم ولا يتوقف عن النزيف. ماسيمو، هذه القطنة لا تزال مليئة بالدم. أشعر بالغثيان عندما أرى دمي. دماء الآخرين لا تزعجني. لكن دمي أنا... إذا تجرأت على صفعي مرة أخرى، سأرحل ولن تراني مجددًا أبدًا. فكي يؤلمني، وأنفي أيضًا. يا إلهي، اخرج من ذلك الحمام القذر. ما الفائدة على أية حال؟ عندما تخرج من الحمام، تبدو أكثر قذارة مما كنت عليه قبل أن تدخل. أمر غريب. أبدو نظيفة حتى لو لم أستحم.

هذه الباروكة المسكينة انتهت. تبدو كخرقة منذ أن رميتها. لا يزال عليها الطين. يا للخسارة. كانت هدية منك. الشيء الوحيد الذي أهديتني إياه في ست سنوات من الزواج. لأنك بخيل. أنت بخيل معي. لكن مع نفسك، أنت كريم جدًا. اشتريت لنفسك تلك السترة. الآن—بينما نحن مفلسان. وهي حتى لا تبدو جيدة عليك. أنت قصير جدًا لترتدي المخمل بلون التوت.

يا لهذا الفندق البائس! طلبت بيضة نيئة. أين هي؟

(يرن الهاتف).

أخيرًا. لا بد أنها أمي.

مرحبًا، أمي؟

مرحبًا، أمي. لقد كنت أحاول الاتصال بك منذ ساعة.

لا، لا أتصل مباشرة لأن ماسيمو لا يريدني أن أفعل ذلك. إنه بخيل. لكن ليس كذلك عندما يتعلق الأمر بملابسه. لقد اشترى لنفسه سترة مخملية بلون التوت—شيء فظيع. إنه قصير جدًا—يجب أن تري شكله فيها. لم تريه منذ وقت طويل. لقد ترك شعره يطول. لم تريه بشعر طويل. لديه شارب ذهبي طويل وشعر يصل إلى كتفيه. نعم، هذا صحيح. ربما لم أتحدث إليك منذ فترة، لكنني كتبت لك.

ألم أكتب لك أنه ترك شعره يطول؟ غريب.

خمني من أين أتصل؟ من مونتيساورو. بلدة صغيرة على قمة تل. الثلوج تتساقط هنا. نحن في فندق كولودورو. لا، إنه ليس فندقًا جيدًا. بالكاد. طلبت بيضة، ولم أحصل عليها. اضطررت إلى ارتداء سترة فوق قميص نومي، فالبرد قارس هنا.

ماذا نفعل هنا؟ سؤال جيد. لا أعرف ماذا نفعل هنا. الأطفال؟ لا. الأطفال في روما مع مدبرة المنزل. لا، إنهم يقضون وقتًا رائعًا معها. إنها مرحة. دائمة الغناء. جديرة بالثقة. إنها رائعة. لا تفعل شيئًا، لكنها رائعة.

محظوظة؟ أنا؟ محظوظة بماذا؟ مدبرة المنزل؟ نعم، ربما أنا محظوظة بوجود مدبرة منزل، لكن في كل شيء آخر، أنا بائسة.

نعم، صحيح. الحمد لله أننا لم نحضر الأطفال معنا. نعم، لأن الثلج يتساقط. كنا في طريقنا إلى تودي، وتعطلت سيارة الدوفين على الطريق السريع. أصدرت ضجيجًا رهيبًا ثم توقفت تمامًا. كان الثلج يتساقط. لم نكن نعرف ماذا نفعل. لذلك أخذنا حقيبتينا واللوحات من السيارة وبدأنا في المشي. لا بد أننا مشينا نصف ساعة. وأخيرًا وصلنا إلى هاتف الطوارئ. كانت قدماي مبللتين تمامًا. لا، لم أكن أرتدي حذاءً شتوائيًا. لماذا؟ لأنني لم أحضر أحذية شتوية، فعندما غادرنا روما كان الطقس جميلًا. كنت أرتدي سترتي المصنوعة من جلد الغزال وتنورتي السوداء الطويلة. لا، لم أكن أرتدي جوارب. من هناك، اتصلنا بميكانيكي، وجاء لسحب السيارة. يعتقد أن البطارية بحاجة إلى التغيير. واقترح علينا هذا الفندق.

عندما وصلنا، تناولنا بعض كرات اللحم البائتة على العشاء، ثم ألقينا بأنفسنا في السرير. كانت قدماي مثل الجليد. كان ماسيمو غاضبًا. كان ينتف شعره. حمل سريره إلى الحمام. يقول إنه ينام بشكل أفضل عندما يكون وحده.

أمي. اتصلت بك لسبب معين. نحن بحاجة إلى المال. غادرنا روما بمبلغ قليل جدًا. كيف كان بإمكاننا أن نعرف أن البطارية ستتوقف عن العمل؟ لذا أرسلي لي حوالة مالية بقيمة 200,000 ليرة. نعم، أنا آسفة. آمل أن أتمكن من إعادتها يومًا ما. ثمانون ألفًا للبطارية، والباقي—حسنًا، نحن بحاجة إليه. غادرنا روما يوم السبت، لذا لم نتمكن من الذهاب إلى البنك. على أية حال، ماذا لدينا في البنك؟ لا شيء. لا شيء تقريبًا. كنا نظن أننا سنصل إلى تودي في الليلة نفسها وسنتمكن من تدبر أمرنا بطريقة ما. لدينا أصدقاء في تودي. تأكدي من تحويل المال لي. لا ترسليه بالبريد.

نحن هنا في هذا الفندق وماسيمو متوتر. ينتف شعره، ولديه الكثير من الشعر. الكثير من الشعر الطويل. لقد صفعني للتو ونزف أنفي. لا يزال أنفي محشوًا بالقطن. قميص نومي مغطى بالدم. لا، أمي، هذا صحيح. لا أختلق أي شيء. أنا؟ ماذا فعلت؟ لا شيء. فقط أخبرته أنني لا أجد لوحاته جميلة جدًا. كلها متشابهة. دائمًا تلك المروج الصغيرة المزهرة مع عين ضخمة مثبتة في الأعلى. سأقول لك الحقيقة، لقد سئمت من تلك العين.أراها في أحلامي ليلًا. مفتوحة على أقصى اتساعها، بأهداب طويلة مقلوبة. إنها ضخمة. صفراء. تبدو مثل بيضة مقلية.

أمي. اسمعي. اكتبي هذا. ارتدي نظارتك، لأنك إن لم تفعلي، فسيكون خطك غير مقروء، ولن تفهمي ما كتبتيه. فندق كولودورو. ليس بولودورو. كولودورو. مونتيساورو. مقاطعة تودي. ماذا تعنين بأنها ليست مقاطعة؟ بالطبع هي مقاطعة. لا تنسي أن الثلج يتساقط هنا. نعم، أعلم أنني أخبرتك بذلك بالفعل. لكن إلى أن نحصل على المال، لا يمكننا مغادرة هذا المكان. ليس لدينا الكثير من المال. ما لدينا لا يكفي حتى لدفع إيجار الغرفة. أين ذهب حسنا السليم؟ حسنًا، عندما نصل إلى تودي، سنبقى مع صديقتنا روزاريا. إنها أخصائية اجتماعية. من المفترض أن تعرّفنا على رجل مسن—محامٍ يشتري اللوحات. نحمل له ست لوحات. نفس العين القديمة. لا، لا يمكننا الاتصال بروزاريا من هنا وطلب قرض منها. يقول ماسيمو إن ذلك غير لائق. على أية حال، روزاريا مفلسة.

أحضر ماسيمو كتابًا معه، لكنني لا أملك شيئًا للقراءة. فقط عدد قديم من مجلة أنابيلا وجدته في الغرفة. لا يوجد راديو. لم أجلب واحدًا. إنه مستلقٍ في حوض الاستحمام مع كتابه. اسمه علم نفس اللاوعي، أظن أنه لفرويدعلى ما أعتقد. لديه عادة القراءة في حوض الاستحمام. يبقى لساعات وساعات في الماء، وعندما يخرج يبدو أكثر قذارة وإهمالًا مما كان عليه عند دخوله. أوه، ها هي بيضتي! لا، لا تغلقي الخط. انتظري. سأكل وأنا أتحدث. طلبت كيزان خبز. أحضروا لي لفافة صلبة كالصخر. ماذا؟ هل البيضة طازجة؟ تبدو طازجة. أمي، حياتي تنهار، وأنتِ تقلقين بشأن ما إذا كانت البيضة طازجة أم لا؟

ماما، لا أظن أنني وماسيمو يمكننا العيش معًا بعد الآن. لا أعرف. لم أعد أطيقه. وهو أيضًا لا يطيقني. نحن نتشاجر باستمرار. لا، ماما، نحن لا نمر فقط بفترة صعبة، الأمر أسوأ من ذلك. حتى قبل مغادرتنا روما تشاجرنا شجارًا عنيفًا. كنا نجلس على طاولة المطبخ، وقلت له إنني لا أشعر برغبة في الذهاب معه إلى تودي. فردّ عليّ بالإنجليزية قائلًا إنه إن لم أذهب معه فسوف يطردني من المنزل. كان يتحدث بالإنجليزية بسبب الأطفال. فقلت له—بالإنجليزية أيضًا—أنه لا يستطيع طردي لأن المنزل لي. لقد اشتريناه بالمال الذي تركه لي أبي. المنزل مسجل باسم الأطفال، لكنني أملك حق الانتفاع به.

كان يأكل ثمرة كاكي. أخذها وسحقها على الأرض. فأخذت ملعقة وبدأت بتنظيف الفوضى. الطفلتان؟ لم تخافا، بل كانتا تستمتعان بالمشهد. وبينما كنت راكعة على الأرض أنظف، انتزع الباروكة من رأسي وقذف بها خارج النافذة. طارت في الهواء وسقطت في بركة ماء على سطح الجار في الطابق السفلي. اضطررت إلى إرسال الخادمة إلى منزل الصيدلي، وهناك ساعدها الصيدلي (بعصا ممسحة) في انتشال الباروكة من البركة – مبللة ومغطاة بالطين. ثم طلبت من الخادمة أن تلبس الفتيات وتأخذهن إلى فيلا بورجيزي.

عندما بقيتُ وحدي مع ماسيمو، فجأة شعرتُ بالغضب وبدأت بركل لوحاته المصفوفة على الأرض عند المدخل. بدأ بالصراخ كالمجنون، فحبستُ نفسي في غرفتي وبدأتُ بتمشيط الباروكة. وبعد قليل، توسّل إليّ كي أفتح الباب. كان على وشك البكاء. قال إنه آسف جدًا وتوسل إليّ أن أذهب معه إلى تودي لأنه يشعر بالثقة بوجودي. لا أعرف كيف يمكنه أن يقول إنني أمنحه الثقة وأنا أخبره باستمرار أنني لا أحب أعماله حقًا، وأن تلك العين سخيفة. على أية حال، وافقت على الذهاب، لكن كان ينبغي أن أبقى في المنزل، لأنه ما إن دخلنا السيارة حتى بدأنا الشجار من جديد.

ماما. نعم، أعلم. إنه ليس شخصًا سيئًا. إنه طيب—طيب جدًا. إنه خشن بعض الشيء، لكنه طيب—طيب جدًا. أعلم ذلك. لكنني لم أعد أطيقه. نعم، إنه ناجح. إلى حد ما. نعم، يحظى بالاحترام. بالطبع. إنه بصحة جيدة. وأنا أيضًا بصحة جيدة. والأطفال بصحة جيدة. لكن، ماما، ما علاقة الصحة بهذا؟ نعم، أعلم. لدينا ابنتان رائعتان. وبالطبع، سنفعل أي شيء من أجلهما. لكنني لم أعد أطيقه. نعم، أعلم أنني أنجبت طفلتين منه، لكن الآن لم أعد أطيقه.

ماما، يجب أن أخبرك بالحقيقة. لديّ شخص آخر. ماذا؟ نعم، ماسيمو يعلم. أخبرته بذلك مرارًا وتكرارًا. لا، لا، لا تبدأي في الهلع، وإلا لن أخبرك بأي شيء آخر. لديّ شخص آخر. اسمه فرانشيسكو. ماذا؟ "عشيق"؟ هذه ليست الكلمة المناسبة تمامًا. لم يلمسني أبدًا. حسنًا—بالكاد. إنه مشغول جدًا جدًا طوال الوقت. إنه ناشر لمجلة أسبوعية. إنه سياسي. نعم، مشهور. غني؟ أي غنى؟ إنه مفلس تمامًا. عليه إعالة جميع أطفاله. لا، إنه ليس شابًا وسيمًا. ليس وسيمًا جدًا، وبالتأكيد ليس شابًا. عمره تسعة وأربعون عامًا. نعم، ماما. ليس وسيمًا جدًا، لأنه أصلع قليلًا، ولديه أيضًا أنف ضخم. نعم، ضخم.

ماذا أرى فيه؟ تريدين أن تعرفي ماذا أرى فيه؟ لا أعرف.

لا، لستُ مدمّرة بيوت. زوجته لا تكترث على الإطلاق. هما منفصلان تقريبًا. هو يسكن في الطابق العلوي. لديه شقة ضخمة في شارع جِيزو. زوجته وأطفاله يسكنون في الطابق السفلي. لكن الأطفال دائمًا يصعدون إليه. ضجيج لا يُصدق في تلك الشقة—أجراس أبواب، آلات كاتبة، هواتف، أطفال. أطفال في كل مكان! دائمًا أتعثر بأحدهم. وزوجته تصعد دائمًا حاملة له البقالة لأن لديهما مطبخين منفصلين. زوجته؟ نعم، تعاملني بلطف. إنها امرأة جميلة، ممتلئة قليلًا.

هما مهووسان بالطبخ، كلاهما. رغم انشغاله الدائم، إلا أنه لا يكون مشغولًا أبدًا عن مراقبة صلصة السباجيتي وهي تغلي على الموقد. هما كاثوليكيان جدًا. يساريان، لكن كاثوليكيان. في النهاية، كان لا بد أن أقع مع هذين الكاثوليكيين.

المشكلة أنني أخشى أن أكون حاملًا. لا، ليس من ماسيمو. من فرانشيسكو. نعم، بالكاد لمسني، لكن في المرة الوحيدة التي لمسني فيها أصبحتُ حاملًا. كان يوم أحد. أغلقنا الباب بالسلسلة. لا، ليس في منزلنا، في منزله. في شارع جِيزو. كان الأطفال يرنّون جرس الباب، يرنّونه بلا توقف، ولم نجب. كان الأمر لا يُحتمل. أخفض صوتي لأن ماسيمو لا يعلم بهذا. لا، لا يعلم أنني حامل. لا، لم أخبره. حتى فرانشيسكو لم أخبره بعد. سأخبره عندما أعود إلى روما.

لا أريد الإجهاض. لا يمكن أن أفكر في ذلك. أريد هذا الطفل. نعم، ماما، سيكون له أنف ضخم. لا يهمني إطلاقًا كيف سيكون أنفه. أريد أن أعيش مع فرانشيسكو. لا، لست مجنونة. أنا واقعة في الحب. المشكلة أنه لا يريد ذلك. لا يجد لي وقتًا. لا يجد لي مكانًا. لا، الشقة ضخمة. إن عشتُ معه، فهناك متّسع لي وللأطفال. فيها غرف كثيرة. لكنه لا يجد لي مكانًا في حياته. حياته مزدحمة أكثر من اللازم، ممتلئة أكثر من اللازم. لا أعرف ماذا أفعل. أنا يائسة.

سيذهب. تقولين لي إنه سيهجرنى. لكنني أريد أن أعيش معه مهما كان الثمن. لقد حسمت أمري. للأسف، هو لا يوافق. لكنني سأقنعه. نعم. هو أيضًا مغرم بي جدًا، لكنه مرتبك. غير متأكد إن كان هذا هو الحب الحقيقي. ثم يقول إنه بين أطفالي وأطفاله، يمكننا أن نؤسس روضة أطفال. أرأيتِ؟ ماذا تريدين أن تفعلي؟ أن تأتي وتتكلمي مع من؟ مع ماسيمو؟ لن تحلي أي شيء بالتحدث مع ماسيمو. لا. لا، لا تتحركي. ابقي حيث أنتِ. ابقي حيث أنتِ وأرسلي لي الحوالة المالية. عبر التحويل. إلى اللقاء، ماما. سأغلق الخط الآن. أنتِ منزعجة؟ لا. لا تنزعجي. سترين، كل شيء سيُحل. كيف؟ لا أعرف. لا، لست مجنونة. من الأفضل أن أغلق الآن لأننا أنفقنا مبلغا كبيرا على هذه المكالمة. لا تنسي الحوالة المالية. فندق كولودورو. كولودورو. نعم، شكرًا ماما.

(تغلق السماعة، تعود إلى المرآة، وتواصل وضع المكياج.)

ماسيمو! أريدك أن تعرف أن أمي سترسل المال غدًا. ماما المسكينة. كانت مضطربة قليلًا. مصدومة. مصدومة ومضطربة. أخبرتها بكل شيء. أخبرتها حتى بشيء لا تعرفه. أنني حامل. لقد مارسنا الحب بضع مرات فقط، لكنني حامل. هل تسمعني؟ يجب أن تسمعني لأنك توقفت عن التصفير. لا يزال الثلج يتساقط. ماذا سنفعل اليوم؟ الله وحده يعلم. محبوسان في هذه الغرفة. لو كان معي الكلمات المتقاطعة فقط.

ماسيمو! هناك بركة ماء على الأرض. ماذا يحدث؟ لوحاتك تبتل بالكامل. سأجففها بعناية بالقطن. ترى؟ أنا أعتني بلوحاتك رغم أنني لا أحبها. لكنك - أنت تسيء إلى أشيائي. تدمرها. باروكتي المسكينة! لقد أفسدتها. إنها بائسة. أنت من اشتريتها لي. هل تتذكر؟ بثمن إحدى لوحاتك. كانت من أوائل اللوحات التي بعتها. كانت مجرد مرج بسيط. لكن "العين" كانت هناك بالفعل - جاثمة على زهرة مثل حشرة صغيرة. كان ذلك قبل أربع سنوات. كنا سعداء حينها. أحيانًا أفتقد تلك الأيام بشدة. كنت أحبك وقتها. لم يكن لديك ذلك الشارب الطويل بعد. ولا كل ذلك الشعر الطويل الفوضوي. كان شعرك قصيرًا مثل فرشاة الأسنان.

تعلم، لا أعتقد أن ذلك الرجل سيشتري أيًا من أعمالك. روزاريا تحلم. كان مجيئنا إلى هنا مضيعة كاملة للوقت. أشعر بالبرد الشديد.

اخرج من ذلك الحمام وإلا سأطلق عليك النار. أنا حامل. هل تفهم؟ حامل بطفل فرانشيسكو. ولا أريد الإجهاض. سأعيش مع فرانشيسكو وسآخذ الفتيات معي. على أية حال، أنت لا تهتم كثيرًا بالأطفال. يمكنك البقاء هناك في شارع تشيركي. سأترك لك المنزل. لا يمكنني أن أمنحك إياه لأنه ملك للأطفال. ستدفع لي إيجارًا. سبعين ألف ليرة في الشهر. لا، بل ثمانين. سأبقى في شارع جِيزو.

يا إلهي، أنفي ينزف مجددًا. اخرج من ذلك الحمام! ساعدني! أحضر لي منشفة! سترتي كلها مغطاة بالبقع. لا أملك سترة أخرى. لدي هذه فقط.

(تطرق الباب بقوة. تدفع الباب فينفتح.)

إنه ليس هنا. يا إلهي، ليس هنا. أين ذهب؟ ملابسه غير موجودة. لا بد أنه خرج عبر باب الشرفة. لا يمكن أن يكون قد رحل هكذا. لا يمكن أن يتخلى عني في هذه البلدة السخيفة.

(تلتقط سماعة الهاتف.)

مرحبًا، هل يمكنني التحدث مع موظفة الاستقبال؟ هل رأيت زوجي بالمصادفة؟ أوه، حقًا؟ إنه في قاعة الطعام؟ يفعل ماذا؟ يحتسي القهوة بالحليب؟ قولي له أن يعود فورًا إلى الأعلى. قولي له إنني لا أشعر أنني بخير. قولي له أن يتوقف عن الأكل حالًا ويصعد إلى هنا لأنني أفقد عقلي. أنا مريضة. أشعر بالبرد. لقد سئمت ولا أعرف ماذا أفعل، وإذا لم يصعد فورًا، فسآخذ زوجًا من المقصات وأمزق لوحاته الغبية إربًا!

(النهاية)

***

..........................

المؤلفة: ناتاليا جينزبورج (Natalia Ginzburg) كانت كاتبة إيطالية شهيرة وواحدة من أبرز الأصوات الأدبية في إيطاليا في القرن العشرين. وُلدت في 14 يوليو 1916 في باليرمو، وتوفيت في 7 أكتوبر 1991 في روما. بدأت حياتها الأدبية في الثلاثينيات، وكتبت الروايات والمقالات والمسرحيات، وكانت أعمالها تتميز بأسلوب بسيط لكنه عميق، يعكس الحياة اليومية والتوترات العائلية والاجتماعية والسياسية.

 

في نصوص اليوم