ترجمات أدبية

دميتري دارين: وحيدا في الميدان

قصائد مترجمة للشاعر الروسي المعاصر

دميتري دارين

ترجمة: د. إسماعيل مكارم

***

И один в поле войн, если он русский

الجندي الروسي وحيدا في الميدان – يُقاتل.

نحنُ في الواحد بعد الأربعين تقهقرنا،

وخلفَ الدخان خَسرنا شبرا بعد شبر.

قائدُ الكتيبة الشايب، قائدُ الكتيبة الشايب

كان ينتظرُ من المتطوعين التضحية بالنفس.

**

لتغطيةِ الإنسحاب..يجبُ قطع الطريق وبالمدفع،

من قادرٌ منكم القيام بذلك ولو لساعةٍ،

فليتقدمْ خطوة واحدة إلى الأمام !

هنا تقدمَ واحدٌ مننا.

**

خيّم الصمت كما السّكين,

حتى البلبل هو ايضا قد سَكتَ،

توجه فوجنا نحو السّوج، إلى ما وراء النهر (1)

وتركَ فوجُ المشاةِ ذلك الموقعَ.

**

هاهي سنابلُ الجودار تغمر السَّبطانة (2)

لقد جمعَ في راحته تلك الحَبّات الدافئة،

مرَّت لحظاتٌ وقد غادرَهُ الخوفُ

وصرخ قائلا لذاته: نارْ .

**

شابٌّ سوفييتيّ بسيط –

كم هو فتيٌّ، وكم هو أشقر اللون،

وأشعة الشّمس هنا حارقة ٌ.. حارقة ْ،

والمدفعُ يطلق قذائفَهُ من هذا المُرتفع.

**

صَوبَ تلكَ " النمور" التي تكشِّر عن أنيابها, (3)

نعم نحو تجمعاتِ الأعداء،

لعلها تصيب، أجل لعلها تصيب –

وها هي قذيفة أخرى جاهزةٌ للإطلاق !

**

ها هي الساعة الثالثة على بداية القتال الشديد،

السّمواتُ تهتزُّ لكثرة الإنفجارات،

لقد حَجبَ بجسمِهِ الشرَّ عن روسيا،

أجل لقد ردَّ الشرَّ عن روسيا هذا المُساعدُ النحيف.

**

لكلّ شيء بهذا الكونِ نهايةْ

ما جعل الألمانَ يخافون، ويستغربون

أنَّ مقاتلا واحدا فقط، فقط مقاتلٌ واحدْ

قد افترشَ هذا الحقلَ هنا شهيدا.

**

إذا كانت في الموتِ حقيقة،

فعليكَ أن تحتفظَ بها،

مرَّ جنودُ الأعداء بقربِ الشهيدِ

وأدّوا التحية لهذا الجُندي الرّوسيّ.

**

وفي الميدان مُقاتِلٌ وحيدٌ.،

حقا إنه أسمى من المَجد والأوسمَة،−

إنه بحق الماردُ الرّوسيُّ ..

إبنُ روسيا البار، الصادِقْ.

2017

***

«Грусть польёт с небесной сини…»

الحزنُ ينزلُ ...

ها هو الحُزنُ يكادُ ينزلُ من زرقةِ السّماءْ،

وطيورُ الغرُنوق تئِنّ ُ،

وهي تغيبُ في تلكَ الأبعاد،

كأنّها تبكي بلادي – روسيا.

**

كم تمنيت ُ... كم تمنيتُ أن أكونَ مع تلك الطيور في السّماءْ

عندَ الغروبْ،

ولكن يبدو أن لا مكانَ لي

في ذلكَ السّربْ.

**

سَأ صَلي صامِتاً

في ابراج أجراسِ الكنائسِ ِ البيضاءْ

بينما تحمِلني روسيا

على أكفّ أشجار البَتولا .

**

أما هذه البحيرات .. فهي

دُموعُ بلادي,

يحزُ في النفسِ ِ ... يحز في النفسِ ِ

نداءُ طيور الغرُنوق.

**

ما هذا الفراق إلا دُخانُ الأمس ِ

إنّي نشوانُ من جراء هذه المُلاطفة ِ الجَديده،

ولكن في بُستانِ حياتي ... وحدها

تنبُتُ الأعشابُ الضارّه.

**

وحدها صَفصافاتُ الماء تشفِقُ عليّ

فها هي قد أرسلتْ جَدائلَها،

يا هل ترى ... يا هل ترى

طيورُ الغرُنوقِ تبكيني؟

2008

***

3

Я стою

أقِفُ...

أقِفُ،

وفوق رأسي،

طيورُ الغرنوق

تسبحُ أسراباً

نحو دِيارنا

كأنها السّفنُ

**

مُنذ ُ أعوام ٍ

وأنا أنغرزُ هنا،

في هذه النواحي الغريبة،

وكم مَرّت على رأسي مَصائِبُ

تكاد ُ لا تحصى،

وكم تأسّفتُ .

**

هناكَ، حيثُ دياري

كثيرة ُ الأمطار،

ينتظرني حُبّ أحلامي,

إنها تنتظرُ مُحتفظة ً

بتلك الكلمات ِ البسيطة

وبرَمادِ تلك المواقِدْ .

**

رغمَ صُعوبة ِ الأيام ِ

عائدٌ أنا

إلى بيتنا الغالي

وسأشرَبُ

قطراتِ ندى الحقولِ

وإياكِ .

**

أما الغمامُ

فسيفرشُ ظلّه ُ

على مائدة ِ حَياتي،

ولكنْ حتى الآنَ

مازالَ النهارُ حاراً

مثل سَبطانة رشاشِ صَديق ٍ .

**

ليذهبْ هذا الخوف ُ

إلى الشيطانْ

علينا ألا نشتكي

فالقتال ُ لم يَتوقفْ بعدْ،

وفي السّماء يَطيرُ

أصدقاءُ لي.(4)

**

حقا إنها مَوْتة ٌ واحدة ٌ لا اثنتان،

أجلْ، ها هي قد لوّحت بجناحيها مرّةً،

يا ترى هل سَتحزنُ ويأخذها الأسى،

تلكَ التي تسكنُ دائِماً في فؤادي؟

**

تتحرّك وحدتنا كما الإسفين جسما واحِدًا

وتختفي في الزرقة ِ الغالية ...

هل يعني أني سأعودَ إلى البيت،

لم أطلب ذلك من اللهِ بعد.

2006

***

4

Волгоград − Сталинград

فولغوغراد – ستالينغراد

فولغوغراد – ستالينغراد

أرواح من استشهدوا

لا تزال هنا، لا تغادرُ، لا مكان لها غيره

لا توجدُ أوسمة شرف،

لا توجد في هذا العالم نياشين

تساوي تاريخاً لا يزال يحتفظ به القلب.

**

لا يمكن للمرء أن يتصور ما حدث هناك –

كانَ سيلا من الدّماء كسيل المياه،

إنه ليس نهر الفولغا، إنما تيارٌ مندفع

من المُهاجمين –

إنها قطعان معتدية تتقدم

مختبئة خلف صفائح " النمور".

**

إنها قطعان بوجوهها المكشرة،

وهذا واحد يقف بطول قامته

متعمدا بالنيران, والرصاص كزخ المطر.

من قدّم روحَه لأجلنا،

قد سامحنا قبل رحيلِه،

وكان رحيلهُ نحو الخلود قبل أن يودّعنا.

**

سقط وهو يَعدو

على الثلج المُلوّن بالدّم والوَحل،

وسوف يُدفنُ في كورغان. (5)

وعلى الضفة الثانية

كان قلبُ الأمّ يَنوح

ويُسمَعُ نواحُه رغم العاصفة.

**

إنها الرصاصة – قطعة معدن غبية،

وهذا جنديٌّ آخرُ ينهَضُ،

بأمر قوة في السَّماء.

كلُّ من حاربَ هنا مُدافِعا..

من أشعل نوراً في العصور ،

وأشعل ناراً. إنها بحق نارُ المقاتلين – فهي أبدية.

**

فولغوغراد − ستالينغراد

جنودٌ وقائدُ كتيبة

إنهم يرقدون هنا ، بغض النظر عن رتبهم.

إني أرى الناسَ يقفون هنا بخشوع,

وطيورُ الغرنوق تحلق في السّماء

وتسمَعُ أصواتها وكأنها قداسٌ مُهيبٌ.

2003

***

5

Рядовой

أيّها الجُنديُّ

دوما ومنذ الزمان القديم

كنت مُنقذا لبلادك – روسيا

بمصيرها الصّعب، القاسي

حقا منقذا كنت، أيها الجنديُّ.

**

على ضفاف الفولغا وفي برلين ،

وفي معارك كورسك الشهيرة (6)

حقا قد أنقذتَ مقدساتِنا هناك.

أيها الجنديّ البسيطُ ُ.

**

عمدونا بالرصاص

كما المياه الميّتة

غير أننا لم نتراجعْ

في ذلك القتال الصّعب.

**

يَجْهَلُ الناسُ إسمَكَ،

إلا أنك دوما كنتَ بَطلا

في تلك الحربِ اللعينة،

كنتَ بطلا منسيَّاً، أيها الجنديُّ.

**

في معارك غروزني، والأفغان (7)

أنتم أولُ من نزلوا إلى ميدان القتال،

البعضُ قد استشهدَ، والبعضُ جريحٌ،

وبقي هذا الفريقُ حيّا يُرزق.

**

تناولْ تلكَ.. الزمزمية –

ولنرفع نخبَ الوسام الحربيّ..

بصحة لينا، وبصحة نتاشا،

كن سعيداً أيها الجنديّ!

**

منذ قديم الزمان لا توجد رتبة أعظمُ

ولا يوجد واجبٌ أكثر قدسية ً

من أن يخدمَ المقاتلُ وطنهُ الأم – روسيا

يخدمُ برتبةٍ عاليةٍ – رتبة جُنديّ.

2003

***

6

Я сдамся последним

سأكون آخر المُستسلمين

كم من الناس حولي قالوا:

كفاكَ عذابا، كنْ كما الجميع،

لقد وجَدتَ لِنفسِكَ مَكانا تحتَ الشمس،

لماذا لا تستقبل فجرَكَ الجَميلَ.

**

ذكّرتهم بالحربِ، ولكنْ دونَ جدوى،

قالوا: لقد بيعَ كلّ شيء دون مشاركتِنا،

الحربُ.. نعترفُ بها وحدها،

نعترفُ بذاك النصر العظيم، وحده يُؤخذ بالحسبان.

**

قلت: لقد بقيت لدينا المُقدساتُ،

بقيت تلك الكنائِسُ، والأسماءُ الشهيرة ُ.

قالوا: لقد استسلمَ الجَميعُ ،

أنتَ وحدك فقط غريب الأطوار.

**

أيها الإخوة.. عَبثا تحاولون.. نحن لسنا قوما

نبيعُ أرواحَنا لأجل العيش الرّغيد،

حقا أنهم ضُعَفاءُ، يشيرون إلى الزمن،

حيث ضاعَ كلّ شيء، حسبَ ظنهم ، وغابت الحقيقة.

**

نظرتُ حولي فوجدت أنّ الأجنحة قد اضمَحَلت..

قام البعضُ فيها برفع الأيدي، وآخرون باطلاق النار على الأرجل.

ناديتهُم: " لا تستسلموا، العَدوّ لن يَرحَمَكم،

إنهم يقومون بشرائِكم لأجل كروشكم" .

**

أجابوا من ذلك الخندق: " توقفْ عن كلامِكَ الخشبي،

لقد وُعِدنا بالترفيع في هذا الأسر...".

إثنان لامنتميان فقط – شاعِرٌ، وكاتبٌ

جَندا القمَرَ في فصيل وطنيّ.

**

ألا ترون أنّ قيمة روسيا أكثرُ من قداسٍ يُقامُ (8)

هذا العدو قد تجاوز المحرمات، وأراه يتقدّم بسهولة،

في أراضي وطني، نعم سأستسلِمُ,

نعم سأكون آخِر المُستسلمين – وبيدي قنبلة يَدويةٌ .

2006

***

7

Медсестра

المُمَرّضَة

نحنُ نخوض الآن معركة تحرير سيفاستوبول

طائرات (ميسِّر) الألمانية لا تغادرُ السَّماء فوقنا

هناك في الأرض الحرام تقوم ممرضة صَبيّة

بمحاولة جرّ مقاتل جريح إلى الخندق.

**

أراها تغرز ركبتيها النحيفتين في التربة

بكل ما تبقى لها من عزم وقوة

وتزحف في زحمة الدخان المُخيِّم والسّخام

لتنتشلَ هذا الجنديَّ من الحفر، كأنها تشدّه من القبر.

**

إنها تلميذة الأمس بشعرها الذي جمعته جديلةً

بالأمس كانتْ تلعبُ مع العرائس

أراها على الأرض المحايدة تحاول إنقاذ حياة

أحد الجنود من لهب الحرب نكاية بهذي الحرب.

**

كان يحق لها بهاتين العينين الجميلتين

أن تنعَمَ بالخدمة في أحد مكاتب القيادة

غير أنّها اختارت الخدمة − حيث القذائف،

وبهذا الحذاء العسكري الثقيل.

**

الموتُ على الجبهة ليسَ بالأمر الجميل

ويذكرونه هنا بكلمة قاسية

ولكن أي قوة سماوية هذي،

التي تجعل هذا الوجه الروسيّ يتألق.

**

لذا يمكننا القول:

إنها لهذا الجنديِّ − إلهة من الآلهة –

إذا لم تنقله إلى الجنة، ستنقله إلى كتيبة الإسعاف

وستنقذه من هذي الصحارى الجهنمية.

**

بين البنات الجميلات، المعاصرات، الذكيات –

لم يقع نظري، رغم أنَّ بصري جيّد –

إلا على نساء تافهاتٍ، فارغاتْ،

وقليلا ما أرى صبايا مُمرّضاتْ.

2009

***

.......................

* الشعر في مفهومه الفكري− نوع من أنواع الثقافة، وللثقافة دور كبير في حوار الأمم والشعوب، لا شك أن القارئ الكريم يعرف أهمية وعظمة الثقافة ودورها الكبير في تقريب الشعوب، وتمتين عرى التعاون والصداقة فيما بينها. نجد من المناسب اليوم ليس تعريف القارئ بما كتبه الشعراء الروس في القرون الماضية فقط، بل علينا أن نقدم له نصوصا كتبت ونشرت في زماننا هذا.

 نقدم للقارئ اليوم مجموعة قصائد من نتاج الشاعر الروسي دميتري دارين.

الشاعر دميتري دارين

من مواليد 1964 / لينينغراد، عضو إتحاد كتاب روسيا، عضو إتحاد صحفيي روسيا، نشرت له قصائد في عدد من المجلات الأدبية في العاصمة موسكو وفي مدن أخرى، له ثماني مجموعات شعرية. دميتري دارين يذكرنا بالشاعر العربي الكبير نزار قباني، إذ أن له أكثر من 200 أغنية قام بأدائها عدد من المغنيين الروس، ولحنها كبار الملحنين الروس. من مؤلفاته الشهيرة: "الكتيبة مجهولة الإسم"- شعر – 2018، و "في الأماكن الحبيبة"- شعر - 2019. دميتري دارين، هذا الشاعر الموهوب، الحاصل على عدة جوائز روسية تكريما له وتقديرا لنشاطه الأدبي، يحلم بزيارة سورية كي يقف ويرفع القبعة أمام من قاتلوا قوى الإرهاب في الوطن السوري، يريد الوقوف أمام الجنود والضباط البواسل في الجيشين: الجيش العربي السوري، و الجيش الروسي، كي يقول لهم: أشكركم على ما قدمتم من بطولات، يحلم بزيارة دمشق .

دميتري دارين في قصائده يحكي عن بطولات الماضي ، ولا ينسى الكتابة عن مرارة السنين العجاف أي التسعينيات، له موقف عنيد تجاه من أرادوا تجزئة روسيا مثلما نجحوا في عملية تجزئة الإتحاد السوفييتي.

 الجندي الروسي وحيدا في الميدان – يقاتل.

 قصيدة الشاعر دميتري دارين هذه هي تخليد لذكرى المقاتل السوفييتي في سلاح المدفعية نيكولاي سيروتينين, الذي بصموده ورجولته إستطاع وحيدا، متمترسا خلف مدفعه أن يوقف تقدم الدبابات الألمانية المهاجمة لمدة ساعتين ونصف الساعة على الجبهة قرب إحدى القرى في بيلاروسيا عام 1941.

الهوامش والمصادر

1) هذا نهر، إسمه نهر السّوج

2) الجودار – نوع من الحبوب يزرع في شمال روسيا.

 3) المقصود من كلمة (نمور) هي الدبابات الألمانية، إذ كانت تسمى الدبابة النمر.

4) إن تقاليد الأدب الروسي تشير إلى أنّ طيور الغرنوق تمثل أرواح الرفاق ممن سقطوا في معارك القتال.

 5) "كورغان" هو ذلك التل، الذي أصبح مقبرة لشهداء معركة ستالينغراد.

 6) قرب مدينة كورسك الروسية أثناء الحرب العالمية الثانية خاض الجيش السوفييتي معارك حاسمة ضد المعتدين الألمان، سميت معارك قوس كورسك.

7) الأفغان – إشارة إلى معارك الجيش السوفييتي في أفغانستان، بينما (غروزني) هي عاصمة مقاطعة الشيشان، حيث جرت معارك حرب الشيشان الأولى والثانية ضد الانفصاليين من الشيشانيين ومن وقف إلى جانبهم من العرب، وأكثرهم من حملة الفكر الوهابي التكفيري.

8) إشارة إلى أن أحد ملوك فرنسا قد قال: إن باريس تساوي القداس.

المصدر

 1. Дмитрий Дарин. Безымянный Батальон. Москва. 2018 г.

 2. Дмитрий Дарин. В родных местах. Москва.2019 г.

 

في نصوص اليوم