ترجمات أدبية
عزت كوشجير: القميص الرمادي
قصة: عزت كوشجير
ترجمة: د. محمد عبدالحليم غنيم
***
الغرفة رمادية. المنزل رمادي. الجدران رمادية. والطقس رمادي. يجلس الأب على سريره الرمادي ويحمل في حجره سلة من الزهور الملونة. الزهور باللون الأصفر والأرجواني والأبيض بلون المينا الداكنة.
يقول الأب: اليوم هو عيد ميلاده. وأقول أيضًا أن اليوم هو عيد ميلاده. لكن الأم التي تراقبه من الغرفة الأخرى تقول بصمت بعينيها وبحركة أصابعها: عيد ميلاد أبي هو 14 أبريل!
قميص الأم رمادي لون التوتر. أنا أيضًا رمادية تمامًا. عيناي شفتاي وشعري فقط سلة الزهور التي أرسلها شخص مجهول من أمريكا اليوم إلى الأب وحدها الملونة.
ينظر الأب إلى الزهور. والأم تنظر إليه من الغرفة الأخرى. وأنا أنظر إلى كليهما. يقوم الأب أحيانًا بفصل البتلة عن كأسها الدائري ويضعها في فمه ويبدأ في مضغها. لا أعرف بماذا يفكر الأب.ولا بماذا تفكر الأم أيضا .. لكني أرى نفسي في مطبخ طفولتي دون أن أعرف السبب. أنا حقًا لا أعرف كيف حدث هذا وكيف يمكن أن يحدث! ولكن هذا ما حدث.
أنظر إلى الجدران المليئة بالدخان. إلى الموقد الصامت. ومن ثم إلى الخزانة. أفتح الباب الشبكي للخزانة، الموضوع على الرفوف من أعلى إلى أسفل، وأنظر إلى وعاء الملح الصخري الكبير. تقوم الأم بتخزين البيض داخل جزيئات الملح. وفي نفس وعاء الملح الذي كانت فيه في دورتها الشهرية الأولى، طلبت منها حماتها أن تغمس إصبعها في الملح ثم تفركه على لسانها. وقد فعلت الشيء نفسه ولم ن السبب. ولكن كان الأمر كما لو أن حماتها وأخت زوجها أخبراها أنها لن تخاف من رؤية الدم يتدفق من فخذيها النحيلتين. وعلمت أنه بعد انتهاء الدورة الشهرية عليها أن تنام في غرفة زوجها ليلاً. ولم تكن تعرف ماذا سيحدث عندما يُغلق الباب. وهذه الفكرة تخلق لها إثارة خاصة.
تجلس الأم على أرضية المطبخ وتسكب الفاصوليا الطازجة من كيس كبير على قطعة قماش بيضاء نظيفة بها أزهار حمراء وصفراء وأرجوانية. يجلس أطفالها حولها مثل الدمى بشفاه مبتسمة ورموش طويلة مجعدة وعيون لامعة، ويمسك كل منهم بقرن فاصوليا أخضر، ويفتح معدته ويخرج أربع أو خمس حبات من القرون. توضع الفاصوليا الطازجة ذات التيجان الخضراء المصفرة على الجانب الأيمن من الصينية. تتداخل الفاصوليا مثل الدمى الروسية. دمى الأم ذات الشفاه المبتسمة والرموش الطويلة الملتفة والعيون الساطعة، تقوم الآن بإزالة التاج الموجود على القشرة وترسم الخط الأسود تحته بأظافرها، وتنبثق نواة الفاصوليا بهدوء. يقول الأخ: فليتش! ويفصلون بين نصفي المقرمش والناعم والأخضر ويضعونهم على الجانب الأيسر من الصينية.أحدق في حبة الفاصوليا التي اشتعلت في أصابعي. لا أريد أن أمزق الخط الأسود للابتسامة وأن أزعج العلاقة الحميمة المليئة بالأسرار والرومانسية بين الطرفين. لكنني أزيل الغلاف الرقيق. كلا النصفين ملتصقان بإحكام في أذرع بعضهما البعض وشفاههما مقفلة عند نقطة واحدة. لا أريد أن أفسد حلاوة قبلتهما. لا أريد أن أفصل بينهما.
تضحك الأم . عندما ينظر إلينا ويقرأ قصائد فكاهية. يأتي صوت جان مريم في الراديو. الأب ينظر إلى الزهور في الحديقة. وتتنفس الحديقة رائحة زهور التوليب العباسية بأعلامها المرفوعة ولون بتلاتها الأحمر.
يرن جرس الباب. أفتح الباب. رجل طويل القامة ذو عينين زرقاوين وبشرة بيضاء وشعر أشقر يريد أن يرى والدي بلغة أجنبية. المنزل مليء بأشعة الشمس. مليء بالألوان من الشمس والسماء الزرقاء. مليء بصفاء مياه البركة النظيفة المكسوة بالبلاط الأبيض... والعصافير التي تحلق على الأشجار... والحمام الذي يستريح على جانب الجدران ويهدل... المنزل مليء بالمعالم السياحية الملونة. .. الطوب لون الطوب الطبيعي .. يترك للون الأخضر الطبيعي للأشجار .. والزقاق مليء بأصوات الأطفال والكلاب الضالة ومواء القطط المخططة الخائنة.
يرشد الأب رجلاً طويل القامة ذا عينين زرقاوين وبشرة بيضاء وشعر أشقر إلى غرفة يتحدث لغة أجنبية. تقوم الأم بإعداد شراب الزعفران ثم الشاي مع الحلويات. أنا أقف في الجزء الخلفي من الغرفة. يبقى الأب صامتا. ومن وقت لآخر يقول كلمات أجنبية. الرجل يتحدث بهدوء. لا أستطيع أن أقول أي شيء لنفسي.
الأم سعيدة. تصب الفاصوليا في الوعاء. دماها ذات الشفاه المبتسمة والرموش الطويلة الملتفة والعيون البراقة، تمتزج مع ضجيج الحمام وتلعب كرة المراوغة.
أغلق باب الخزانة وأغادر المطبخ.
يجلس الأب على السرير الرمادي، ولا يزال في نفس الوضع، وسلة الزهور بين ذراعيه. نصف المينا البيضاء أصلع. بتلة بيضاء مقفلة بين أصابع الأب. ينظر الأب إلى البتلة. يريد أن يلتصق بالزهرة. لكنها لا تلتصق. وفي غرفة أخرى، توجه الأم نظرها إلى صفحة المجلة التي تحملها بيدها وتعمل على حل اللوحة الرمادية والبيضاء ينظر من أعلى إلى أسفل ويقول بين أنفاسه: "أيام"... ثم ينظر من اليمين إلى اليسار: "الحياة"... ال ح ي ا ة ...
أجلس على الكرسي الرمادي. أمام والدي لم يعجبني اللون الرمادي أبدًا. فلماذا قميصي رمادي؟
ويُبث صوت القرآن من مكبر صوت المسجد الموجود في الزقاق.
(تمت)
***
...............................
الكاتبة: عزت كوشجير/ Ezzat Goushegir كاتبة مسرحية وروائية وناقد سينمائية وشاعرة. تخرجت في الكتابة المسرحية والأدب الدرامي من مدرسة طهران للفنون المسرحية وحصلت على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من قسم المسرح في جامعة أيوا.