دراسات وبحوث
بتول فاروق: الحضانة والنسب الأبوي..
لنفهم الاحكام الفقهية بشأن الحضانة لابد أن نفهم المقدمة او الفكرة المسبقة التي يؤمن بها من ينادي بالحضانة للأب.. وهي مسألة النسب الحصري للأب. فهم يعدون أن الطفل هو ابن الأب حصرا وأن الأم مجرد وعاء، فهو من صلبه وهو يعطي المادة الأولية الكاملة للطفل، ولذلك يعدون الأبن ونسبة لابد ان ينتمي الى قبيلة الأب، والأم مجرد أداة وحاضنة ورحم يعمل على إنماء بذرة الأب ثم يخرجها كاملة للحياة. وهناك احاديث كثيرة من العرب حول هذا الأمر.
(عَنْ عبدالله بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ، مَا لَمْ تَنْكِحِي).
لكن العلم أثبت ان البذرة من الأم وان الخلية الكاملة هي من الأم وأن الأب لايعطي اكثر من ٥٠٪ في النواة فقط أما خارج النواة فكله من الأم، لذا الام تورث للطفل صفات من خارج النواة دون الأب، إضافة الى عملية تكوين الطفل في الرحم فالبويضة الملقحة عديمة الفائدة في المختبر ولولا وجود رحم يحتضنها فلا قيمة لها ممكن ان تُتلف بلا دية او تعويض.
ومع ذلك لان الثقافة السائدة لليوم لا تأخذ بمعطيات العلم ولا تراعي العدالة في الحياة، صار الأب هو صاحب الحق الأول والأخير بالطفل، وجعلت الأم أداة للإنجاب لا غير، ضاربين عرض الحائط مشاعر الأم الجياشة تجاه وليدها الذي انفقت به جل صحتها ومشاعرها اثناء حمله ليأتي غريب عن هذه الحالة يتلقفه لانه اعطى الطعام أثناء الحمل. مع العلم هو نفسه منعها من العمل واطعام نفسها بنفسها.
الاسلام دين يراعي العدالة لكن الفهم الخاص للرجال الذين فهموا النصوص اعتبروا ان معطيات العلم نهائية هي التي توصل اليها العرب في القرن السابع الميلادي، واعتمدوا على احاديث فسروها بطريقة تتلائم مع فهم عرب الجاهلية للنسب.
ومن يقول ان الآية القرانية: (ادعوهم لآبائهم)، (الاحزاب / ٥) تقر ذلك، أقول أن الآية تتحدث عن ان النسب للأب البايلوجي وليس للأب الاجنبي الذي رباه في قصة زيد بن حارثة الذي رباه الرسول ص وكان يسمى زيد بن محمد، ولا تتحدث عن النسب للأم فالاية لا تقول انسبوهم لابائهم بدلا من امهاتهم او لا تنسبوهم لأمهاتهم أسوة بالأب. فلابد ان يكون النسب للأبوين معا وليس لأحدهما كما هو حاصل الآن.
الأم هي الأصل للطفل والأب هو شريك في الطفل مع الأم.
هذه الثقافة لليوم لم تدخل الى الضمير الأخلاقي الذي يفترض ان يراعي العدالة في الحياة.
استفت قلبك وأن افتوك..
هل يتساوى من لا يعمل ولا ينجب ولا يحمل ولا يقوم بالارضاع ولا السهر مثل الذي يقوم بكل ذلك، وفوق هذا أن المادة الأولية الأكثر هي من الأم التي تعمل كل ذلك؟.
العدالة تقتضي اعادة الأمور الى نصابها وفهم النصوص بطريقة تعطي الحق للأبوين وليس لأحدهما. والاية القرآنية تقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} (الحجرات / ١٣). ولم يقل أنا خلقناكم من الذكر فقط كما يروج لذلك منذ اكثر من الفي سنة.. فكيف يحصل أحدهما على كل الإمتيازات ويحصل الآخر على الخيبة؟ مالكم كيف تحكمون؟.
إن النسب المشترك والتساوي بينهما هو أقل استحقاق للأم، فمع ان المنظومة الاجتماعية الإسلامية تكرس المرأة للإنجاب وتربية الأبناء وعدم الخروج من البيت للقيام بهذه الأدوار الا أنها لا تعطيها الإعتراف بهذا العمل فلا ينسب اليها شيء، فهي تصور فقهيا، تقدم منافعها الكبيرة هذه مقابل الحق بالنفقة عبر اطعامها وكسوتها. ثم بعد ذلك يصبح كل شيء للذكر وهو المتفضل على المرأة بهذه النفقة، التي يستحقها أي كائن حي حين تحبسه لصالحك.
لا اعرف كيف تبرر مثل هذه الأحكام وتصور على أنها إلهية قارة وثابتة؟. ولا نعلم اذن لماذا كل هذه المشاعر العاطفية الكبيرة التي تنشأ بين الأم ووليدها اذا كانت هي مجرد وعاء يؤخذ منها أطفالها بكل برود بعد الإنجاب.
الذكر يأخذ موارد الانثى الضخمة ثم ينسب كل شيء له، ويعد هذا عدالة لابد أن تستمر للأبد. من يرى في هذا الحكم عدالة، عليه ان يراجع مفهوم العدالة بعيدا عن التمييز الجنسي بين بني الإنسان.
***
بتول فاروق - النجف
٢٦/ ١/ ٢٠٢٥.