دراسات وبحوث

بتول فاروق: حكم بلا واقع.. حكم الزواج الثاني للرجل بلا اشتراط إعلام الزوجة

البعض يريد ان يطبق الأحكام الفقهية على أي واقع وعلى أية حالة، أي تطبيقها بعنوانها الأولي في كل الظروف، وللأسف من هؤلاء مشرعون ورجال دين أخذوا حظا من العلم الشرعي متغافلين عن الواقع المتحرك الذي لم يبق على حاله كما حدث حين عدلوا قانون الاحوال الشخصية ليكون للزوج الحق بالزواج الثاني والثالث والرابع وعدم اجبار الزوج على اعلام زوجاته أو أخذ اذنهن وتصوروا أن هذا جائز ويصح تطبيقه شرعا في الوقت الحالي، هم هنا ضربوا تشريعات عدة ولم يأخذوها بنظر الإعتبار وشرعوا للظلم الفاحش، تحت الإكراه،

كيف؟

الأسرة المعاصرة قائمة بشكل كبير على جهود وعمل المرأة الزوجة في البيت، وتقوم نيابة عن الزوج في تربية الأطفال، وفي ادارة اغلب شؤون الأسرة التي اصبحت معقدة بفعل تطور الحياة الحضارية للإنسان عبر الزمن، لكن الحكم الشرعي لا يلزم الزوجة بكل ذلك ولها في أية لحظة التخلي عن هذه الأعمال، فالزوجة تضطر للعمل مجانا وبلا تذمر حين تشعر ان الزوج مضطر للإعتماد عليها في مسؤولياته الشرعية لكن اذا تزوج من اخرى وفتح بيتا ثانيا فهذا يعني انه يسخرها لخدمته بلا وجه حق.

اكثر من مرة كتبت أن احكام الاسرة كانت منسجمة مع وجود نظام العبودية ودور العبيد في الأسرة، لكن بعد اختفاء هذا النظام حملت الزوجة اعباء العبد والعبدة والحرة، لذا من يريد أن يتزوج من اخرى لابد من اعلام الزوجة الأولى وأخذ موافقتها حتى لا يجعلها تعمل سخرة، وعليه مثلا أخذ الاطفال معه للاعتناء بهم الى اسرته الثانية لان الاولى غير مكلفة بذلك، أما ان يذهب ليبات في بيت آخر مع عدم توفير الخادم المحرم على الزوجة فهذا تعد على حقوق الغير وتكليف آخر باعماله سخرة وبالإحتيال وهذا غير جائز.

الآن اصبح تطبيق الحكم الفقهي الأولي شبه مستحيل لان المرأة الآن هي المعيلة الأولى في البيت لان عملها مال لا يستغني عنه الزوج، ولأن اغلب الأزواج لا يستطيعون اعطاء الأجر مقابله، كما ليس شرطا كل زوجة تريد العمل لصالح الزوج فليس له اجبارها على العمل مقابل المال لو استطاع تعويضها بالأجر.

القانون حين يطلب اخذ الأذن كان ينظر للواقع هذا فهو لم يحرم الزواج الثاني بل يراعي الواقع، فالزوجة هي المعيلة الاولى اليوم، وهي التي تقوم عليها الأسرة. ولأن المرأة مجهلة ومغلوب على أمرها تم مصادرة كل حقوقها وأهم حق هو الإعتراف بهذا الدور الكبير الذي تؤديه مجانا لصالح البشرية على عكس الرجل الذي يأخذ امتيازا وحقوقا أمام أي مال يدفعه.

إن التعكز على بعض الأحكام الفقهية وانتقاء بعضها وترويجها على أنها هي الدين والشرع الذي جاء به محمد ص، وا يوجد غيرها هو محاولة لجعل الإمتيازات الذكورية قارة وثابتة ولو على حساب الشريعة ذاتها، ولأن المرأة قد منعت من الدخول في الحقل الديني وتفسير الأمور الدينية ومنعت من الإفتاء للآخرين، صار الفقه يدار بطريقة أحادية لا تنظر الإ الى مصالح طرف واحد.

أن الظلم الذي تتعرض له المرأة يتم تبريره وتصويره على أنه ناتج من أحكام إلهية ثابتة لعلم الله بحقيقة الذكر والأنثى، في عملية انتقائية لا تراعي التغيرات الواقعية الظاهرة للعيان جدا في المجتمع البشري، وضاربين عرض الحائط إنسانية المرأة ومشاعرها وظلمها، فهولاء الذين يتبنون هذا المنهج يرون أن الإنسان هو جنس واحد، وهو الذكر وأن حقوقه هي المحترمة في كل حين ويجب أن لا تمس حتى لو حمل المرأة الأعباء كلها دون حقوق تذكر مقابلها، وهذا ما تمر به المرأة العراقية، حين يريدون تطبيق أحكام فقهية دون النظر للواقع ومدى صلاحية تطبيق الحكم الأولي في الأحوال الشخصية اليوم.

***

بتول فاروق - النجف

في المثقف اليوم