دراسات وبحوث
الانْقلِاب الفرويدي في علم النَّفْس.. من مركزيَّة الوعي إلى مركزيَّة اللاوعي
على الرَّغْمِ من الإرهاصات الفكرية المتتالية المُمَهِّدة لاكتشاف اللاوعي النَّفْسي والمُبَشِّرة به، وشيوع تداول مفردة اللاوعي في العديد من أدبيات القرن التَّاسع عشر العلميّة والفلسفيّة، إلاّ أنَّ المأثرة العظمى في اكتشافه وتسليط الضَّوْء على طبيعته ودوره وخصائصه ومظاهره تعود إلى عالِم النَّفْس النّمساوي الأصل سيغموند فروید (1856 - 1939)، الأب الرُّوحي المُؤَسِّس لمذهب التَّحليل النَّفْسي. ولهذه المأثرة بُعْدَان مترابطان: نظري يتمثَّل في بناء فرضية علميّة نَفْسيّة مُحْكَمة يُشَكِّل مفهوم اللاوعي النَّفْسي نواتها الصَّلبة؛ وعملي-علاجي يتمثَّل، في استحداث تقنيَّة علاجيّة فعَّالة زاوجت، على نحو خلَّاق، بين التَّداعيات الكلاميّة الحُرَّة وتفسير الأحلام. وهذه التِّقنيَّة هي الأداة المُعَوَّل عليها، عند أصحاب هذا المذهب، في فك رموز "الصُّنْدُوق الأسْوَد" الخاص برحلة كل واحد منّا النَّفْسيّة، واختراق خطوط دفاعاته الدَّاخليّة إفساحًا في المجال أمام الذَّات لإخراج أثقالها وتفريغ مكبوتاتها.
ونظرًا لجِدّة هذا الاكتشاف وأصالته، قال فيه عالِم النَّفْس الإنكليزي ماكدوجال: "إنَّ احدًا من المفكرين منذ عهد أرسطو لم يوفَّق في فهم الطبيعة الإنسانيّة إلى مثل ما وفِّق إليه فرويد…"1. أما فرويد نَفْسه فقد أدرج اكتشافه في عِدَادِ أعظم الاكتشافات والانْقِلابات العلميّة الجذريّة التي عرفتها البشرية على امتداد تاريخها الطويل. كما عَدَّه واحدًا من أقوى الإهانات والصَّفعات الثَّلاث التي انهالت الواحدة تِلْوَ الأُخرى على مركزيَّة الإنسان ونرجسيته المتضخمة، بدءًا من الصَّفعة الكوسمولوجيّة التي وَجَّهها كوبرنيكوس(1473-1543)- على جبهة علم الفلك- باكتشافه أنَّ الأرض ليست مركز العالم، بل الشَّمس، مرورًا بالصَّفعة البيولوجيّة التي سَدَّدها داروين(1809-1882)- على جبهة علم الأحياء- باكتشافه أنَّ نوعنا الإنساني هو تَطَوَّر وامتداد للجنس الحيواني، وصولاً إلى الصَّفعة السيكولوجيّة التي صَوَّبَها فرويد شخصيًا- على محور علم النَّفْس- باكتشافه اللاوعي النَّفْسي، وأنَّ الوعي ليس قوَّامًا على النَّفْس، والأنا ليس سَيِّدَ ذاته ولا رَبَّ منزله الخاص2. وهذه الصَّفعة، وفقًا لفروید، هي أشَدُّ الصَّفعات إيلامًا وأكثرها إذلالاً لكبرياء الإنسان، لأنَّها أصابت خاصيته ومصدر عُجْبَه بنفسه واستعلائه. بالطبع، لا جدال في عَظَمَة هذه الاكتشافات العلميّة، إلاّ أنَّ فرويد سكت عن كشوف عظيمة أُخرى لا تَقِلُّ شأنًا وشأوًا عن تلك الواردة آنفًا، أذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، تأسيس ماركس (1818-1883) للفهم المادي الجدلي للتاريخ. فمن دون الأخذ بعين الاعتبار اسهامات ماركس في فلسفة الاقتصاد السِّياسي والاجتماع يتعذر تكوين رؤية شاملة وعميقة عن حجم التَّحوُّلات النَّوعيّة التي طرأت على النَّظرة إلى الماهيّة الإنسانيّة. وأيًا يكن الأمر ويكن موقف المرء من هذه الفتوحات العلميّة المتحررة من أثقال الإرث اللاهوتي-الماورائي والمضادة له، فالثَّابت هو أنَّ مفاعيلها وارتداداتها تَعَدَّت حدود مجالاتها الأكاديميَّة المحض بوصفها معرفًة عن ظواهر طبيعيّة أو سيكولوجيّة أو اجتماعيّة، لتطال ما نعرفه من أمر أنفسنا والمقام الذي نحتله في الكون. وبالفعل، فقد عَرَّى كل كشف من هذه الكشوف وجهًا من أوجه مركزيَّة الإنسان، ووَهْمًا من أوهام نرجسيته، وأبَان، في الوقت عينه، عن حقائق صادمة لم يكن الإنسان ليتوقعها أو حتى ليرغب في سماعها والحديث عنها: فاكتشاف كوبرنيكوس لم يدحض الاعتقاد بمركزيَّة الأرض فحسب، وإنَّمَا زعزع معه أيضًا كُلَّ ما انبثق عنه، وكُلَّ ما تأسَّسَ ونهض عليه من إدعاءات خادعة زيَّنت للإنسان أنَّه بؤرة المعنى، والمبتدأ والخبر. وكما شَكَّلَ، في اعتقادي، دحض كوبرنيكوس للنظرة القائلة بمركزيَّة الأرض مُقَدِّمًة لدحض مركزيَّة الإنسان، فكذلك أفضى تقويض مركزيَّة الإنسان بدوره إلى نفي مركزيَّة الأرض. فكل مركزيَّة من هاتين المركزيتين تضاعفت بالأُخرى وتمرأت فيها سلبًا أو إيجابًا، نفيًا أو إثباتًا. ولو تأمل واحدنا مليًا في المسألة لوجد أنَّ الإنسان بنى اعتقاده بمركزيَّة الأرض استنادًا إلى معطيات حِسِّيَّة زَوَّدَتْهُ بها حواسه التي تقوم مقام "أجهزة استطلاعاته واستخباراته". ونظرًا لكونه لا يحس بحركة الأرض ودورانها فقد ترأى دومًا له أينما وَلَّى وجهه أنَّ الأرض تستقر ساكنة في مركز العالم كله، وأنَّ الكواكب والأجرام السَّماوية تدور حولها. والأهم أنَّه رأى نَفْسه، كيفما جال بناظريه في الفضاء، في قلب دائرة تحتوي العالم الخارجي، فظَنَّ أنَّ مكانه من القَلبِ(المركز) هو القَلبُ كُلُّهُ، وأنَّ ليس فيه لغيره مَوضِعُ. وإذا كان الاعتقاد بمركزيَّة الأرض قد وافق هوى الإنسان وطموحاته في الاستواء على عرش العالم، فإنَّ الاعتقاد بمركزيَّة الإنسان، أوحى، بدوره، إليه مَنْحَ الأرض-موطنه مكانًة استثنائية ومُمَيَّزة في الكون. وبالانتقال إلى داروين الذي أفضت أبحاثه الرائدة في أصل الأنواع إلى انكسار الصُّورة المُجَمَّلة والمتعالية التي كوَّنها الإنسان عن نَفْسه. وهي صورة تفيض نرجسيًة واستكبارًا أحلَّ فيها الإنسان رغباته وما يطمح إليه محل واقعه وما هو عليه. فلكم غالى الإنسان في التَّبرؤ من أصوله الحيوانيّة ومشى في الأرض مَرَحَا مُدَّعيًا لذاته جوهرًا ربَّانيًا ونَفْسًا خالدة لا تبلى ولا تفنى، متباهيًا بِمَلَكَاته المعرفيّة الفائقة ومهاراته العمليّة الباهرة. بيد أنَّ ذلك كُلُّهُ لم يُجْدِ نفعًا في حجب أو محو الوقائع الدَّالة على أواصر قرابته الشَّديدة مع الحيوانات العليا، والمُتَجَلِّية في تكوينه الجسدي واستعدادته النَّفْسيّة. فالإنسان أكثر حيوانية مما يعتقد ويزعم، وأقل رُوحانية مما يتوهَّم. ومن البديهي، طبقًا لهذه الرؤية المادية، ألا يكون الإنسان هو الخليفة المؤتَمَن والمخلوق منذ البدء في أحسن تقويم وعلى صورة اللَّه ومثاله، بل هو حصيلة سيرورة طبيعية مديدة من التَّحَوُّلِ والارتقاء؛ وعلى هدى من هذه النَّظرة التَّطورية إلى الإنسان يؤكد ماركس أنَّ ماهيّة الإنسان ليست معطى ثابت ومجرد وقَبْلي، بل هي سِرُّ وجوده الواقعي وبُعْدَه الاجتماعي العميق على وجه التَّحديد الذي لا تنفك صيرورته عن التَّغيُّر والتَّجدد. فماهيّة الإنسان ليست في ذاته ولا في جسمه، إنَّمَا في تلك العلاقات والوشائج التي تتشكَّل عنده في سيرورة تفاعله وتاريخه الاجتماعيين. فالعلاقات التي ينسجها النَّاس في ما بينهم في مجرى إنتاج وإعادة إنتاج حياتهم تُشَكِّل، في الوقت عينه، مصدر تَكوّنهم الخاص بكل إمكاناتهم وتطلعاتهم. وكما ينعكس تَنَوّع الطَّبيعة في الجسم البشري تعدُّدًا في أعضائه الحِسِّيّة، وتَطوُّرًا في بنيته العصبيَّة والدِّماغيّة، فكذلك يُوَّلِد غنى العلاقات الاجتماعيّة في الإنسان المَلَكَات والمواهب التي تتناسب مع الطَّبيعة الخاصة لهذه العلاقات.
وانسجامًا مع الاعتقاد بأسبقية الوجود على الوعي وأوَّليته يُطْلِق ماركس قوله الشَّهير:" ليس وعي النَّاس هو ما يُحَدِّد وجودهم، بل على العكس، إنَّ وجودهم الاجتماعي هو ما يُحَدِّد وعيهم".3 وإذا كان ماركس قد رام الكشف عن الضِّفاف الموضوعيّة التي تحد الوعي الاجتماعي وتشرطه، فإنَّ فرويد يعمد إلى إماطة اللثام عن الضِّفاف الذَّاتية النَّفْسيّة والإكراهات الخارجيّة التي تحد الوعي الفردي وتفرض حقيقتها عليه.
وعلى هذا الطَّريق، فقد احْدَثَ فرويد "انْقِلابًا كوبرنيكيًا" في ميدان علم النَّفْس قَوَّضَ به أوَّلاً، أوهام الوعي المتكثرة التي لطالما غَذَّت زهو الإنسان بنفسه واستعلاءه على الكائنات كافة، وصَدَّعَ، ثانيًا، أُسُس فلسفة الوعي عمومًا- النَّسخة الدِّيكارتيّة منها خصوصًا- التي جعلت من الوعي (الفكر) الحقيقة اليقينيّة المُطْلَقَة المؤسِّسَة لكل الحقائق الأُخرى، ومَنَحَتهُ السِّيادة التَّامة على كامل فضاء حياة الفرد النَّفْسيّة مستندةً في ذلك إلى تَصَوُّرٍ معيَّن لماهيّة الإنسان وقواه النَّفْسيّة قوامه المُسَلَّمَات والقناعات الآتية: أوَّلاً، الفصل الجوهري بين الرُّوحاني والمادي، بين النَّفْسِ والجسمِ. فما هو نَفْسي ليس بجسماني، وما هو جسماني ليس بِنَفْسي. فالجسم جوهر مادي ماهيته الامتداد، أما النَّفْس فهي جوهر رُوحاني ماهيته الفكر؛ ثانيًا، إنَّ النَّفْس (الفكر، الوعي، العقل) هي امتياز إنساني خالص. فالحيوانات، على ما يرى ديكارت، ليست سوى آلات مُعَقَّدة مُتْقَنَة الصُّنع لا نَفْس ولا لغة ولا فكر لها. أما الكلام على نُفُوس حيوانيّة فهو، في رأيه، من أكثر الأخطاء شناعًة4؛ ثالثًا، العقل هو اسمى وأشرف ما في الإنسان ومزيّته التي يتعالى بها على سائر الكائنات، كما يتضح ذلك من التَّعريف الفلسفي الكلاسيكي الشَّائع للإنسان على أنّه كائن عاقل وذات مُفَكِّرة؛ رابعًا، إنَّ معرفة الفكر المباشرة لذاته ووجوده هي الحقيقة الأولى اليقينيّة المُطْلَقَة التي لا يرقى إليها أيُّ شَكٍّ. وبيانه، أنَّه يمكن للإنسان أنْ يجهل وأنْ يغفل وأنْ يسهو وأنْ يشكَّ في الأشياء والإحساسات والأفكار كُلَّها، لكن، في غضون ذلك، يبقى هناك معطى واحد واضح وأكيد ألا وهو الشَّكّ ذاته والتَّفكير. إذ وبمجرد أنْ يشكَّ الإنسان، فإنَّه، لامحالة، يفكر، لأنَّ الشَّكَّ مظهر من مظاهر التَّفكير وآلية من آلياته يُخْضِع بها الفكر حدوسه ومعطياته للمساءلة والفحص والتَّدقيق. وطالما أن الإنسان يُفَكِّر، فإنه من العبث افتراض عدم وجوده. ومن هنا جاءت مقولة ديكارت الشَّهيرة(الكوجيتّو): "أنا أُفكِّر، إذًا أنا موجود"5؛ خامسًا، إنَّ العقل هو البُعْد الإلهي في الإنسان وعلامة الصَّانع المميزة على درة تاج صنائعه؛ سادسًا؛ إنّ مكانة الوعي ونسبتة إلى الإنسان كمقام الله ونسبته إلى الموجودات. كما أنَّ الله يعلم دبيب النَّملة السَّوداء على الصَّخرة الصَّمَّاء في الليلة الظَّلماء، فكذلك يُدّرِك الوعي ذاته بذاته من غير واسطة ويُدّرِك غيره ويحيط علمًا بكل ما يدور في أعماق الحياة النَّفْسيّة من خواطر وتخيلات وأفکار ورغبات ومشاعر وانفعالات، فضلاً عن كونه السَّيِّد والحاكم المُطْلَق الذي تأتمر بأوامره وتنقاد له جميع أفعال الإنسان وقواه النَّفْسيّة؛ سابعًا، مماهاة النَّفْس ومطابقتها مع الوعي والفكر. وليس الوعي والنَّفْس والعقل والفكر إلا أسماء مختلفة لشيء واحد، والمراد منها واحد أيضًا. ولا شكَّ في أنَّ أطروحة علم النَّفْس التَّقليدي الرَّئيسة التي قضت بإقصاء اللاوعي واستبعاده كُلِّيًا من فضاء الحياة النَّفْسيّة باعتبار أنَّ كُلَّ ما هو نَفْسي، سواءً أكان عملية شعوريّة أم وجدانيّة أم انفعاليّة أم عقليّة، هو واع، وكُلَّ ما هو واع هو نَفْسي، ليست في الحقيقة إلاّ أثرًا أو خلاصة مُكَثَّفة للقناعات المذكورة أعلاه.
ولما كان الشُّغْل الشَّاغل لفرويد هو تفكيك هذه القناعات وخلخلة بنيانها بُغْيَة مَدِّ الجُسُورِ، وفي الاتّجاهين، بين ما هو لاواع وما هو نَفْسي وردم الهوة الفاصلة بينهما، فقد بادر رائد التَّحليل النَّفْسي إلى تكريس عشرات المحاضرات والكتب والمقالات يُسَلِّط فيها الإضاءات الكاشفة على ماهيّة اللاوعي النَّفْسي، وتجلّياته وخصائصه، ونسبته إلى كُلٍّ من الوعي والنَّفْس والمكبوت. فلننظر في شأن هذه الإضاءات على التَّوالي مبتدئين بمفهوم اللاوعي النَّفْسي.
إنَّ اللاوعي في مفهومه الفرويدي هو مجموع العمليات والظَّواهر النَّفْسيّة الباطنية العميقة التي يقع معظمها خارج تغطية الوعي ونطاق نفوذه المباشر. وتشمل مروحة اللاوعي طيفًا واسعًا من الظَّواهر والسَّيرورات النَّفْسيّة بدءًا من الغرائز والشَّهوات والحاجات المكبوتة، مرورًا بالمشاعر والانفعالات والأفكار المقموعة، وصولاً إلى الذِّكريات والأحداث والتَّجارب (الصَّدَمات) الحياتيّة الأليمة والمهينة التي وقع بعضها في مطالع الطُّفُولَة وقبل أي مرحلة واعية، وعَصَفَ بعضها الآخر بالإنسان في مرحلة عُمْريّة لاحقة واعية، لكن سرعان ما يقوم صاحبها بحجبها وكتمها أملاً في تَصْفِيَتها ونسيانها من جهة، ودرءًا لصدام محتمل مع العالم الخارجي قد يرتد عليه وبالاً ونكالاً مُحَقَقًين من جهة أُخرى. قصارى القول، إنَّ اللاوعي هو ذلك الحَيِّز النَّفْسي المؤلَّف من كُلِّ ما هو مكبوت ومُذِلٌ ومنسي ومطوي ومسكوت عنه.
ويتميز اللاوعي، وفقًا لفروید، بجملة من الخصائص والسِّمَات، أبرزها: أ- اللاوعي قوَّة نَفْسيّة لا تُعْرَف إلاّ من آثارها ونتائجها؛ ب- اللاوعي قوَّة نَفْسيّة ديناميكية مؤثِّرة في أفعال الإنسان وانفعالاته ومشاعره وصحَّته النَّفْسيّة؛ ج- اللاوعي هو لُبُّ الحياة النَّفْسيّة ويشغل القسم الأكبر فيها؛ د- اللاوعي أقْدَم وأسْبَق في الوجود على الوعي، ويستمر في التَّبَلْوُر بموازاته وخلف خطوطه الأمامية وفي غفلة منه.
وبالإتّفاق مع هذه الرُّؤية الجديدة إلى اللاوعي وخصائصه يمضي فروید قُدُمًا في الإضاءة على نسبته إلى كُلٍّ من الوعي والنَّفْس والمكبوت ذاته٠ وأوَّل ما يدعو إليه فرويد في هذا الصَّدد هو ضرورة وضع حد لغرور الوعي والكف عن المبالغة في تقدیر أهمِّيته. فمع فروید لم يعد مستساغًا النَّظر إلى الوعي على أنَّه سَيِّد الحياة النَّفْسيّة ونجمها المُطْلَق والبطل الأوحد على مسرحها. ولم يعد أيضًا الأنا ممكنًا من دون الهُوَ، ولا اللاوعي منفصلاً عن النَّفْس، ولا الوعي مستقلاً ومنعزلاً عن اللاوعي. فما من شيء نَفْسي، بما في ذلك الوعي عينه، إلاَّ ويَحُفُّه قَدْرٌ من اللاوعي. فليس الوعي كُلِّيّ الحضور ولا كُلِّيّ المعرفة، والنَّفْس فيها من اللامعقول ما يعادل المعقول وربما يفوقه. وكلاهما وجهان لحقيقة نَفْسيّة إنسانيّة واحدة. وبالفعل، مع فرويد يتَّسع معنى النَّفْسي ليشمل كُلّاً من الوعي واللاوعي مع هيمنة ملحوظة للأخير على الأوَّل، يبدو فيها الوعي كمثل جبل الجليد المغمور حتى تسعة أعْشَاره في محيط اللاوعي. وإلى هذا المعنى نَفْسه يذهب فروید حینما يُشَبِّه "اللاوعي بالدائرة الكبرى التي تحتوي الوعي داخلها كدائرة أصغر منها"6. وبتعبير آخر، إنَّ كُلَّ ما هو واع هو نَفْسي بالضرورة، لكن ليس كُلُّ ما هو نَفْسي هو واع حصرًا. وينطبق الأمر ذاته على علاقة اللاوعي بالمكبوت ونسبة واحدهما إلى الآخر. فاللاوعي النَّفْسي أكبر نطاقًا وأوسع ماصدقًا من المكبوت. ومعنى ذلك أنَّ المكبوتات بأنواعها وإنْ كانت تُشَكِّل الكتلة الأضخم في اللاوعي، إلاّ أنَّها لا تستغرقه استغراقًا تامًا ولا تستنفد حقيقته: "لأنَّ جزءًا من الأنا ايضًا - والله وحده يَعْلَم مقدار أهمِّية هذا الجزء - قد يكون لاواعيًا، بل هو لاواع من دون أدنى شَك. إنَّ كُلَّ ما هو مكبوت هو لاواع، لكن ليس كُلُّ ما هو لاواع هو مكبوت "7.
واستكمالاً للإطاحة بالوعي عن عرش الحياة النَّفْسيّة يُوَجِّه فروید صفعًة أُخرى للوعي طاولت هذه المرة شبهًة من شبهاته المعرفيّة، ومزعمًا من مزاعم علم النَّفْس التَّقليدي، وبخاصة، ذلك الإدِّعاء القائل بجبروت الوعي وقدرته على معرفة كل صغيرة وكبيرة، وكل شاردة وواردة في الحياة النَّفْسيّة. بالطبع، لا ينكر فروید ما للوعي من أهمِّية وقدرة على معرفة بعض الظَّواهر والسَّيرورات النَّفْسيّة، لكنَّه يُحذِّرنا من مغبّة الوثوق الأعمى بمعطياته، ومن المغالاة المفرطة في قدرته على الإلمام بأعماق الحياة النَّفْسيّة وخباياها الدَّفينة كافة. وليس في هذا الموقف الفرويدي أدنى افتئات على الوعي. فهو لا يطرد الوعي من أي أراضٍ يحتلها ولا يُجَرِّده من أي صلاحيات يملكها. فالقول بوجود لاوعي نَفْسي إلى جوار الوعي لا يستنفد الحقائق الجديدة التي يهدينا إليها التَّحليل النَّفْسي. ثَمَّة حقيقة أُخرى ألا وهي " إنَّ ما يُعْلمنا به الوعي عن طبيعة اللاوعي العميقة والحميمة ناقصٌ ومحدود تمامًا كنقص معرفة الحواس الخمس بالعالم الخارجي وضَآلَة إلْمَامِها به"8. وكما أنَّ الحواس الخمس مُضَلِّلة ومخادعة ومحدودة ولا تلتقط من المثيرات والظَّواهر الطَّبيعيّة إلاَّ ما هو محسوس وظاهري وسطحي، فكذلك لا ينير الضَّوْء المعرفي الخافت المنبعث من شمعة الوعي إلاَّ الجزء اليسير من قبو اللاوعي الحالِك العتمة والكبير. لكن التَّساؤل البديهي الذي تفرضه آراء فرويد في طبيعة اللاوعي هو: إذا كان اللاوعي في بُعدٍ من أبعاده هو قوَّة نَفْسيّة مجهولة وغامضة وعميقة لا تطفو محتوياتها على سطح الوعي وشاشة الذَّاكرة فأنَّى يمكن العِلْم به، والتَّحقق من وجوده، وإنشاء مقال (نظرية) عِلْمي فيه؟ والحال، فإنَّ إيضاح رؤية فرويد إلى هذه المسائل تحيلنا مباشرة إلى الكلام على تَجَلِّيات اللاوعي النَّفْسي والأدِلَّة على وجوده.
تَجَلِّيات اللاوعي النَّفْسي وأدِلَّة فرويد على وجوده:
يشهد تاريخ العِلْم على أنَّ الفرضيات والاكتشافات العِلْميّة الجريئة والجديدة التي تُحْدِث تحوّلاً جذريًا في اعتقاداتنا غالبًا ما تتعرَّض لموجة عارمة من الاعتراضات والانتقادات مصدرها علماء معتصمون (متمسكون) بحبل نظريات سائدة يخالونها مُنَزَّهة عن الخطأ، وعصيّة على التَّعديل والتَّفنيد. وفي الحقيقة، هذا هو قدر جميع الفتوحات العلميّة العظيمة أيًا كان مجالها وموضوعها. وبالطبع، لم تشذ فرضية اللاوعي النَّفْسي الفرويدية عن هذه القاعدة. فلكل بدء عظيم مِحْنَته، ولكل معنى مخاضه ومعاناته. وإذا كان السِّجال النَّقدي هو القابلة القانونية المُوَلِّدة لكل حقيقة تطمح لأنْ تكون حقيقًة علميّة، فإنه لا عَجَبَ في أنْ يواجه مذهب التَّحليل النَّفْسي ما واجهه من رد ورفض ونقد من قِبَل علماء نَفْس الوعي وفلاسفته الذين لم ينكروا وجود لاوعي نَفْسي فحسب، بل جزموا أيضًا بفساد الرأي القائل به باعتباره قولاً ملتبسًا يَنمُّ عن تناقض منطقي في التَّفكير ولَغْو في التَّعبير. ومسوِّغهم في ذلك هو يقينهم المُطْلَق بأنَّ كل ما هو واع هو نَفْسي، وكل ما هو نَفْسي هو واع، ومن ثم، كل ما هو غير نَفْسي هو لاواع، وكل ما هو لاواع هو غير نَفْسي ولا يمت إلى النَّفْس بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد٠ ومن هنا لا يصح، في رأيهم، الكلام على لاوعي عند الإنسان خارج نطاق تلك السَّيرورات الفيزيولوجيّة التي تعتمل فيه ولا يشعر أو يحس بها إبَّان حدوثها كنمو الشَّعْر والأظافر وما شابه٠
وفي خِضَمِّ السِّجال العلمي مع المعترضين على فرضية اللاوعي النَّفْسي والمشككين في مشروعيتها كان لزامًا على فرويد ايضاح اشراقاته وبرهنة حدوسه بإِبراز ما في حوزته من حجج وأدِلَّة وبراهين تثبت، أولاً، وجود لاوعي نَفْسي، وترفع، ثانيًا، الفرضية القائلة بوجوده إلى مصاف النَّظريات العلميّة9. ولمَّا كان منطق الكشف العلمي يشترط البيّنة على من ادَّعى، وأنَّ لا حقيقة إلاّ بالبرهان، فإنَّ السُّؤال الذي يتبادر إلى الذهن فوراً هو: ما هي الأدِلّة والمُسوِّغات التي ساقها فرويد لإثبات صحَّة أطروحاته المذكورة أعلاه؟ بادئ الأمر وقبل الولوج في الإجابة عن هذا السُّؤال لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ أدِلَّة فرويد ترتكز، في مجملها، على تَجَلِّيات اللاوعي ومظاهره. ذلك أنَّ لا شيء مما هو لاواع ومكبوت يتلاشى أو يموت، لكنَّه يُجْبَر على الصَّمْت والسُّكُوت. ففي النِّهَاية لا مندوحة لكل ما يُغْرَس ويُكْبَت في أعماقنا النَّفْسيّة عن الظُّهور والانكشاف عاجلاً أم آجلاً بصورة أو بأخرى. فاللاوعي ومهما كَتَمَ أسْرَاره فضحته لنا ودلّتنا عليه آثاره التي تتخذ أشكالاً متعددة،ومن أبرزها:
1) الأفعال النَّاقصة parapraxis-
ويدخل في عِدَادها: زلاّت اللسان وأخواتها (من مثل الغلطة الكتابية miswriting، الخطأ الطباعي mistyping، الخطأ السمعي mislistening، والخطأ في القراءة misreading)؛ والنِّسْيان (نسيان الكلمات والأسماء والأشياء والوقائع والأحداث والأشخاص)؛ ضياع الأشياء أو إضاعتها؛ والمزاح (الفكاهة والنُّكات) ؛ والتَّصرفات غير المناسبة؛ والايماءات والتَّعابير والحركات والانفعالات التي تبدر من المرضى في سياق الجلسات العلاجية بما في ذلك الطريقة التي يدخل بها المرضى إلى العيادة وكيفية خروجهم منها: هل يغلقون الباب أم يتركونه مفتوحًا؟ وهل يشدّون على يد فرويد عند المغادرة أم لا؟ وغير ذلك من سلوكيات وطقوس. وبالاتفاق مع القناعة القائلة بأنَّ لجميع الظَّواهر النَّفْسيّة عللا وشروطا، ولا يكون شيء منها جزافًا ولا اتفاقًا إلاَّ في النَّدْرَةِ، انطلق فرويد متسلحًا بمبدأ الحتميّة في الحفر والتَّنقيب عن أصل هذه الأفعال وما تستبطنه من معانٍ ودلالات. وعلى هذا الطريق خصَّ فرويد هذه الأفعال المغلوطة بمؤلَّف مستقل نشره عام 1901 بعنوان "علم نَفْس الحياة اليوميّة المَرَضِي" يُبَيِّن فيه بالأمثلة والشَّواهد الحياتيّة والعياديّة ما بينها وبين اللاوعي من ارتباط وثيق وإتصال عميق، نستعرض ههنا بإيجاز أهمها:
1-1) زلاَّت اللسان lapsus linguae:
جرت العادة منذ القدم على عدم إيلاء زلاَّت اللسان أدنى اهتمام باعتبارها هفوة لفظيّة بريئة شائعة الحدوث عند النَّاس جميعًا لا تحمل في طياتها أي قصد مستتر ومعنى باطني. وذهب البعض إلى حد القول إنَّ محاولة صرف زلاَّت اللسان إلى معنى تحتمله هي بذاتها "إثم كبير" لما تضمره من خبث وسوء ظن بالإنسان. وعلى الضد من ذلك يولي فرويد زلاَّت اللسان أهمِّيَّة بالغة معتبرًا النَّظر فيها من حسن الفطن. فهي أصْدَق إنباءً من كل ما يبوح به الإنسان ويزعمه، لأنَّها تفضح زيف الكلام الظاهر وتكشف حقيقة السَّرائر. فهي ترجمان كل ما يكبته المرء من رغبات ويكتمه من مشاعر وآراء لا يجرؤ على المجاهرة بها والافصاح عنها، مثال ذلك: ذات مرة حدّثت إمرأة فتيَّة فرويد عن زوجها المريض الذي استشار الطبيبَ في أمر الحِمْيَة الغذائية التي ينبغي له أنْ يتبعها فقالت: لقد أكدَّ الطبيب لزوجي أنَّ لا ضرورة لأية حِمْيَة غذائية وأنَّ بإمكانه أنْ يأكل كُلَّ ما اشتهيه وأريده (بدلاً من القول كُلَّ ما يشتهيه ويريده). وبالفعل، فقد عبَّرت هذه الهفوة اللفظيّة عن ميل المرأة إلى السيطرة على زوجها وإملاء إرادتها عليه10. ومن الأمثِلة الأُخرى على الصِّلَة الوطيدة بين زلاَّت اللسان واللاوعي يذكر لنا فرويد زلَّة لسان رئيس مجلس النُّوَّاب النّمساوي الذي قال عند بدء الجلسة وافْتِتاحها اسمحوا لي باخْتِتَام الجلسة بدلاً من القول اسمحوا لي بافْتِتاح الجلسة فأبَان بهذه الزَّلَّة عن رغبته الدفينة في عدم انْعِقَادها بسبب اقتناعه الراسخ بأنَّ لا خير يُرتجى منها11.
2-1) النِّسْيان:
على الرغم من أهمِّيَّة الدراسات التي ترد النِّسْيان إلى أسباب وعوامل فيزيولوجيّة أو عوامل أخرى من مثل قلّة الانْتِباه والتَّركيز، وانعدام المراجعة والفهم، إلاّ أنّها، في رأي فرويد، أهملت التَّأثير الذي يمارسه اللاوعي على النِّسْيان. إذ يرى فرويد في النِّسْيان آليًة لتصفية قضايا عالقة مقلقة، ووسيلًة لتحرير الذَّاكرة من أسماء وأحداث ومشاعر أليمة ومُذِلّة، وهو غالبًا ما يخفي وراءه مشاعر بغض وعدوانية تجاه شخص أو موضوع ما. ويضرب فرويد لنا مثلاً عن زوج شاب يعاني الأمَرّين في حياته الزوجيّة بسبب البرودة العاطفية التي تبديها زوجته تجاهه، وانعدام الود المتبادل بينهما. لكنَّ حدث ذات يوم أنْ اهدته الزوجة كتابًا لعلمها بأنَّ فيه ما يستهويه ويعنيه، فشكرها على هذه الالتفاتة واعدًا إياها بقراءته. وتمضي أشهر عدة من غير أنْ يفي الزوج بوعده إلى أنْ تَذَكَّر الكتاب فجأةً فقام بالبحث عنه، لكنه اخفق في إيجاده بعد أنْ نسي تمامًا المكان الذي وضعه فيه. وصادف بعد مرور نصف سنة على تلقي الكتاب الهدية أنْ تمرض والدته العزيزة جدًا على قلبه مرضًا شديدًا فقامت زوجته برعايتها والاعتناء بها على أكمل وجه. والحال، فقد أفضى تصرُّف الزوجة الراقي والنَّبيل إلى إزالة التَّوتر العاطفي بينهما، الأمر الذي سرعان ما أسعفه على تَذَكَّر موضع الكتاب المفقود12. ومن الأمثِلة على نسيان الأسماء يروي لنا فرويد حادثة اختلف فيها مع احد مرضاه حول عدد الفنادق في منتجع صيفي اعتاد عالِمنا، وعلى امتداد سبع سنوات متتالية، الاصطياف فيه، فجزم فرويد بوجود فندقين فقط، في حين أصرَّ المريض على وجود ثلاثة ومن بينها فندق "Hochwartner" وهو اسْم الفندق الذي نسيه فرويد وانكر وجوده تمامًا. وما أنْ تَيَقَّن فرويد صُدْقَ مريضه حتى طرح على نَفْسه سؤالين أولهما يتعلق بواقعة النِّسْيان ذاتها، وثانيهما يتعلق بالسبب الكامن وراء نسيان وجود الفندق المذكور آنفًا بالذات لا غيره. والحال، فقد وجد فرويد أنَّ الأصل في ذلك، إنَّمَا مرده إلى التَّشَابُه الحاصل بين اسْمِ الفندق واسْمِ زميل له يعمل في التَّخصص ذاته وتربطه به علاقة سيئة، وبالتالي، كان من شأن ذكر هذا الإسْم وكل ما يتصل به أنْ ينكأ في نَفْس فرويد جِرَاح "عداوة الكار" وضغائنها professional complex13.
3-1) الفكاهة (النُّكات والمزاح):
هي وسيلة ظاهرها كوميدي هزلي وباطنها جدّي يلجأ إليها الإنسان للالتفاف على الممنوعات والقيود والإكراهات الإجتماعيّة، وللتعبير عن رغباته وآرائه ومشاعره المرفوضة من المجتمع مبدِّدًا عبرها الشِّحنات السَّلبية النَّاجمة عن الميول المكبوتة، ولا سِيَّمَا، الجنسيّة والعدوانيّة منها.
4-1) التَّصرفات غير المناسبة (المغلوطة) faulty actions:
والمقصود بها هو تلك التَّصرفات التي يأتيها الإنسان عفويًا في غير محلها وبما يتعارض مع الأعراف السَّائدة ومثالها حادثة يرويها لنا فرويد من تجاربه الشَّخصيّة مفادها أنَّ عالِمنا وفي بدايات عهده بمزاولة عمله طبيبًا ممارسًا كان يقصد بيوت بعض المرضى لمعالجتهم والوقوف على أحوالهم الصحّية فاتفق أنْ لاحظ ذات مرة أنَّه وما أنْ يصل إلى شقق بعض المرضى حتى يهم بالدخول من دون استئذان مستخدمًا المفتاح الخاص بمنزله عوضًا عن قرع جرس شقة المريض. وبعد التَّنَبُّه لهذا التَّصرف الخارج عن المألوف والتَّفَكُّر فيه وجد فرويد أنَّه يفعل ذلك على ابواب بيوت أولئك المرضى الذين يشعر بإرتياح كبير عندهم كما لو أنَّه في بيته14 .
2) الأحلام:
كانت الأحلام ولم تزل مَحَطَّ اهتمام البشر ومثار دهشتهم وحيرتهم. إذ قلَّما نجد ثقافًة أو عصرًا لم تكن فيه الأحلام موضوعًا خصبًا للتَّأويل ومادًة للدرس والتَّحليل. ويمكن القول إنّ علاقة البشر بالأحلام بقيت ردحًا طويلاً من الزمن مُعَلَّقة ومتأرجحة بين مقاربتين: واحدة غيبيَّة والأُخرى فيزيولوجيّة. فالأحلام، بموجب القراءة الأولى، ما هي إلاّ بوابة تواصل مع عالم الغيب ورسائل توحي بها قوى ماورائيّة وما فوق إنسانيّة لا حول للإنسان في التَّحَكُّم بمواقيتها وبمضامينها. وهي غالبًا ما تكون على نوعين: الأول هو الذي تكون الأحلام فيه إلهامًا ووحيًا ربّانيًا،وبالتالي، رؤى صحيحة صادقة تنبئ الإنسان عن أحداث مستقبلية، على سبيل التَّبشير بخير أو التَّحذير من شر مستطير، وتكشف له أسرارًا خفية مما فات ومما هو راهن ومما هو آت؛ والثَّاني عبارة عن أضغاث أحلام ووساوس شيطانيّة. أما المقاربة الثَّانية فلا ترى في الأحلام سوى استجابة دماغيّة إما لمثيرات خارجيّة مؤثرة على حواس الإنسان أو لعامل عضوي داخلي أو لما يُحَدِّث به الإنسان نَفْسه . وبالاتفاق مع هذه المقاربة يغدو تفسير الأحلام ضربًا من ضروب الشَّعْوَذَة وهدرًا للوقت والجهد في ما لا طائل منه ولا معنى له. وإذ يستبعد فرويد كلتا المقاربتين، فإنه يَعُدُّ الأحلام واقعًة نَفْسيّة إنسانيّة أصيلة ممتلئة بالدلالات وزاخرة بالمعاني. لكن هذه المعاني تقررها معايير الأرض والحياة لا معايير السَّماء. فما يظهر في الحلم، إنَّمَا هو حقيقة إنسانيّة تعكس بصورة رمزية ومُكَثَّفة مشاعر الإنسان وذكرياته السَّحيقة ورغباته المكبوتة. ذلك أنَّ الأحلام هي أشد الظَّواهر النَّفْسيّة اتصالاً والتصاقًا باللاوعي. ولعل هذه الحقيقة هي السَّبب الكامن وراء ذلك الاهتمام الفائق والاستثنائي الذي أولاه فرويد للأحلام شرحًا وتفسيرًا وتأويلًا، وتَوَّجَهُ عام 1899 بمؤلَّفه الشَّهير "تفسير الأحلام". ومن أجْل أنْ نفهم سِرَّ هذه الصِّلَة الوطيدة بين اللاوعي والأحلام لا بدَّ من التَّذكير أنَّ المشاعر والرغبات المقموعة لا تندثر من دون أثر مهما اشْتَدَّ الكبت وكثر، إنَّمَا تبحث عن الدُّروب والملاذات الآمنة البعيدة عن خطر المُعَاقَبَة وأعْيُن الرَّقابة الداخليّة والخارجيّة لتأخذ نصيبها من التَّعبير والتَّعويض والإشباع الخفي. ولا غرابة في ذلك طالما أنَّ حالة النَّوم هي إحدى أهم اللحظات التي يقتنصها اللاوعي ويترقبها بفارغ الصَّبْر لتحقيق ما صُدَّ من رغبات مُسْتَغِلاً التَّراخي الملحوظ حينها لقوى الكبت. إذ كلما قلَّت حظوظ الرغبة في الإشباع الحقيقي تعاظم شأنها في الوهم والخيال والحلم. فالإنسان لا يكبت شيئًا إلاَّ ليستعيده على مستوى آخر، ولا يهجر أو يُطَلِّق متعًة إلاَّ ويأمل الاستعاضة عنها بمتعة أكمل وأدْوَم وأجمل. ومن هنا كانت الأحلام هي الفضاء الأمثل الذي يحيي فيه اللاوعي كرنفالاته التَّنكُّرية، والملجأ الحميم الآمن الذي يستعيد فيه الإنسان فردوسه المفقود، والمُتَنَفَّس لمراجل غليان شهواته، والمَنْفَذ لانضغاط حرارة براكينها الناشطة. لذا، كانت الأحلام، بالنسبة إلى فرويد، هي المَنْجَم المطلوب للمُنَقِبِ عن اللاوعي والباحث فيه، وكان "تفسير الأحلام هو الطريق الملكي via regia إلى معرفة اللاوعي النَّفْسي واكْتِنَاه أسراره"15.
3) التَّنويم وإيحاءات مابعد التَّنويم:
لعله لا مبالغة في القول إنَّ ظاهرة التَّنويم هي من أُولَى وأبرز الظواهر النَّفْسيّة التي لفتت أنظار فرويد إلى وجود لاعب نَفْسي آخر على مسرح الحياة النَّفْسيّة يلعب من وراء ظهر الوعي ويتلاعب به. فالتَّنويم هو السهم الذي أصاب كعب آخيل الوعي . فقد لاحظ فرويد إبَّان فترة التَّدرُّب على تقنية التَّنويم كما إبَّان فترة معالَجَة المرضى به جملًة من الوقائع الصادمة التي تفضح فراغات الوعي ومَواطن ضعفه16. وتتجلى هذه الوقائع على غير مستوى وصعيد بدءًا من إطلاق المرضى في أثناء التَّنويم العنان لمواجيد وأسرار حميمة لا يرغبون في البوح بها، واستعادتهم لذكريات وأحداث قديمة لفَّها النِّسْيان، مرورًا بامتثالهم التَّام لإيحاءات الطبيب المنوِّم وتوجيهاته، وصولاً إلى أنَّ المرضى (والأشخاص عمومًا) وبعد ايقاظهم من التَّنويم لا يدرون خبرًا ولا يحيطون علمًا لا بما صَدَرَ عنهم من أقوال ولا بما بَدَرَ منهم وحَدَثَ معهم من أفعال، وانتهاءً بالاهتداء إلى الأسباب النَّفْسيّة اللاواعية للاضطرابات الهيستيرية.
4) الأمراض والاضطرابات السلوكيّة والنَّفْسيّة من مثل العصاب والهيستيريا والاكتئاب والوساوس القهريّة والرهاب والعدوانيّة وغيرها:
كان الاعتقاد السائد في أوساط طب الأمراض النَّفْسيّة والعصبيّة، عندما بدأ فرويد مسيرته المِهْنيَّة، أنَّ هذه الأمراض ما هي إلاّ نتيجة لعاهة في أحد أجهزة البدن أو خلل في الدِّماغ. ومن هنا كانت التقنيات والأساليب العلاجيّة تقتصر على الأدوية والعقاقير المُسَكِّنة (بما فيها جرعات مدروسة من الكوكايين) والمقويات والصَّدمات الكهربائية والحمامات الباردة منها أو السَّاخنة، هذا إلى جانب نصح المريض بتغيير طريقة حياته وأخذ إجازة والذهاب في رحلة بعيدة والتَّرَيُّض وما شابه، وذلك تبعًا لحالة المريض وطبيعة مرضه. والجدير بالذكر أنَّ فرويد نَفْسه وفي السَّنوات الأولى من ممارسته الطبيّة لم يَحدْ قيد أُنْمُلة عن هذه التَّقاليد العلاجيّة، لكنَّه سرعان ما أيقن بحدسه الثَّاقب خطل التَّفسيرات العضوية لأصل هذه الأمراض النَّفْسيّة، وعقم الطَّرائق المفلولة المُتَّبَعة في علاجها. وأمام هذا التَّحدي راح فرويد مدفوعًا بالأمانة المِهْنيَّة وإرادة المعرفة يُنَقِّب في ما وراء ثنوية الجسم والوعي عن "الملفَّات السِّرِّية" للذات الإنسانيّة علَّه يجد فيها ما يروي تعطشه إلى القبض على الأسباب الحقيقية لهذه الأمراض النَّفْسيّة. وبالفعل، فقد أفضت بحوث فرويد المتواصلة والمضنية إلى نتائج غير مسبوقة مفادها أنَّ أسباب العصاب والهيستيريا وغيرهما من الاضطرابات النَّفْسيّة والسُّلوكيّة ليست عضوية- حتى ولو كانت أعراضها بدنيّة- بل نَفْسيّة لاواعية متصلة بأحداث وذكريات أليمة ومكبوتات جنسيّة تعود إلى سنوات الحياة المبكرة الأولى. وهذه السَّنوات، في رأي فرويد، هي الفترة التَّأسيسية والأشد حساسيّة، لأنَّ أقسى أشكال الكبت وأخطرها تَحْدث بأكملها في أثنائها. فالطُّفُولة هي مفتاح الشَّخصيّة الإنسانيّة السَّوية منها وغير السَّوية على حد سواء. لذلك دأب فرويد على العودة بالعمل التَّحليلي إلى تلك الفترة من الحياة لاستجلاء تلك الحيثيات المطوية والمواقف المنسيّة التي أدَّت إلى المرض مستثمرًا كل ما لديه من فن وحنكة في مساعدة المريض على تَذَكُّرِها، ورصد كل ما يظهر عليه من أعراض، وتفسير ما يراه من أحلام، وما يمر بخاطره من أفكار تتداعى تداعيًا حرًا. وإذا ما أفلح الطبيب في أنْ يعيد إلى ذاكرة المريض تلك المواقف التي أدت إلى الكبت ومَكَّنَه من التَّغلب على الشُّعُور بالمقاومة والحرج من البوح بها كان جزاء الأخير على هذه الاستجابة عظيمًا وعادت عليه بالنفع الكبير17.
5) نجاعة التَّحليل النَّفْسي وفعاليته العلاجيّة:
اتخذ فرويد من النجاحات المُحْقَّقة والنتائج الشفائية الباهرة التي يجترحها التَّحليل النَّفْسي في معالجة أمراض نَفْسيّة عُدَّت طوال قرون عصية على العلاج معيارًا للحكم على مصداقية فرضية اللاوعي وشاهدًا عمليًا على صحّة الأساس أو المبدأ النَّظري المُعَوَّل عليه في عملية التَّشخيص والعلاج. بعبارة أُخرى، فلو كانت فرضية اللاوعي النَّفْسي كاذبة لكان من المفترض بمفاعيلها التَّطبيقية ألاّ تعود بأي أثر طيب أو نفع يُذْكَر على المرضى النَّفْسيين، هذا إنْ لم تزد "طينهم" بِلَّةً. أما وأنَّ إنجازات التَّحليل النَّفْسي ماثلة للعيان فلا مهرب البتة من التَّسليم بحقيقة وجود اللاوعي النَّفْسي.
6) أفكار وخواطر ورغبات ومشاعر لا يدري الإنسان مصدرها ولا كيف تكوَّنت
كالحب أو الكراهية أو العدوانية تجاه شخص أو جهة ما لا موجب ظاهري ولا مبرر واعي لها. فليس، على ما يرى فرويد، عند الإنسان البتة أية مشاعر عفويّة لا نستطيع أنْ نجد لها سببًا في أعماقنا إذا ما عرفنا جيدًا كيف وأين نبحث عنها.
وهكذا، خلص فرويد بالاستناد إلى هذه الوقائع مجتمعة وغيرها مما لا يتسع المجال لذكرها ههنا إلى إحداث نقلة نوعية في عِلْم النَّفْس تسمح بتعميق فهمنا لحقيقة الشَّخصيّة الإنسانيّة بمختلف أبعادها وقواها النَّفْسيّة. أما الإبانة عن ذلك فتأخذنا إلى رحاب مبحث مفصلي آخر من مباحث المذهب الفرويدي، وعنيت به مبحث الجهاز النَّفْسي.
البِنْيَة النَّفْسيّة للشخصيّة الإنسانيّة (الجهاز النَّفْسي):
في أعقاب دراسات عميقة وملاحظات وخبرات عيادية دؤوبة توصّل فرويد إلى قناعة راسخة جديدة مفادها أنَّ الظَّواهر والعمليات النَّفْسيّة هي أكبر وأعظم من أنْ يختزلها الوعي وحده. فإلى جانب الوعي هناك أيضًا اللاوعي الذي يحتل المساحة الأكبر من الحياة النَّفْسيّة ويفرض سلطانه عليها. وبالاتفاق مع هذه الرؤية الجديدة التي تُقَسِّم الظَّواهر والعمليات النَّفْسيّة إلى جزءين أساسيين: جزء واع وآخر لاواع، قام فرويد بتأطيرهما في هيئة (نسق، كيان) واحدة مُرَكَّبة متعارضة مكوناتها ومتعددة مستوياتها مُطْلِقًا عليها اسم البِنْيَة النَّفْسيّة للشخصيّة الإنسانيّة (الجهاز النَّفْسي). لكن السُّؤال الذي يطرح نَفْسه في هذا السِّياق هو: ما هي مُكوِّنات هذه البِنْيَة ووظيفة قواها؟ وما هو نوع العلاقة بين مختلف مُكوِّناتها؟ وما هي انعكاسات (آثار، تداعيات) العلاقة القائمة بين مكوِّناتها على الذَّات الإنسانيّة ؟
بادئ بدء ينبغي القول إنَّ فرويد قَدَّمَ تَصَوُّرَين متتاليين للبِنْيَة النَّفْسيّة: أولهما طوبوغرافي وثانيهما ديناميكي. ففي التَّصَوُّر الأوَّل مَيَّز فرويد في البِنْيَة النَّفْسيّة ثلاثة مستويات وهي: ما قبل الوعي preconscious؛ والوعي conscious؛ وما تحت الوعي subconscious. وفي مرحلة لاحقة إعتمد فرويد صيغة ثلاثية مُعدَّلة، لكن مُكَمِّلة لسابقتها، قوامها الهُوَ، والأنا، والأنا الأعلى. ففي كليهما تبدو النَّفْس الإنسانيّة جملة دوافع متنازعة واستعدادات متباينة. وتُذَكرنا هذه المقاربة الفرويدية إلى حد كبير (رغم إختلاف المُسَمَّيات والمضامين) بالترسيمة الأفلاطونية لبنية النَّفْس الإنسانيّة. فقد سبق لأفلاطون أنْ قَسَّمَ النَّفْس الإنسانيّة إلى جزءين أساسيين: جزء عاقل وجزء غير عاقل، ورتب قواها في سُلَّم تراتبي تعلوه القُوَّة العاقلة (النَّاطقة، النَّظرية، العالمة) وتليها القُوَّة الغضبيّة، وفي أدنى السُّلَّم تأتي القُوَّة الشَّهوانيّة. بالطبع، ليس من شأن هذا التَّشابه الهيكلي أنْ يبخس الإبداع الفرويدي أصالته وحقَّه. فما من اكتشاف إلاّ وله شجرة أنساب، وما من ابتكار وتجديد إلاّ وينطوي على قدر من المحاكاة والتَّقليد. ولكي لا نتوه عما نحن في سبيله سنشرع في التَّعرف إلى هذه القوى، حسب قراءة فرويد لها، تباعًا من الأقدم إلى الأحدث ميلادًا وظهورًا على خشبة مسرح الحياة النَّفْسيّة٠
الهُو:(Id) يعني به فرويد العنصر أو المُكوِّن الأوَّليّ Component لعالم الإنسان الدَّاخلي وجهازه النَّفْسي. ويتألف الهُوَ من جملة الغرائز والشَّهوات والحاجات الحيوية الفطرية الموروثة بيولوجيًا في جُلِّها، والملازمة للإنسان من المهد إلى اللحد. ويشتمل الهُوَ على غريزتين أساسيتين: غريزة الحياة Eros ونواتها الليبيدو Libido (الطَّاقة الجنسيّة)، وغريزة الموت Thanatos التي تتجلى في النَّزعات العدوانية والميل إلى التَّدمير والتَّعذيب. هذا ويعمل الهُوَ، على ما يرى فرويد، وفقًا لمبدأ اللذَّة principle of pleasure، أي أنَّ غايته القصوى وهاجسه الأوحد هو العبُّ ما أمكن وتَيَسَّر من الملذَّات بأي ثمن كان غير آبه بكل القيم والظُّروف والنَّتائج والوسائل والإمكانات. فلا اعتبار يعلو على غايته هذه. إذ إنَّ الغاية بالنسبة إلى الهُوَ تُبَرِّر الوسيلة. لذا، ينعت فرويد الهُوَ بالقُوَّة العمياء اللاعقلانية واللاواعية الهوجاء. فالهُوَ مسكون بشبق لا تهدأ نيرانه ولا تخمد. ذلك أنَّ شهوات الهُوَ كالماء المالح الذي لا يزداد الظمآن منه شربا إلاّ إزداد به عطشا واشتعلت رغبته في الارتواء شوقا. أما رعشة نشوته فهي كالبرق الذي يضيء قليلا، ويذهب وشيكا، ويبقى راجيه في الظَّلام مقيما. ولمَّا كان الهُوَ قاصرًا بمفرده عن الظَّفر بمطلوبه والتَّنَعُّم بمرغوبه كان تَدَّخُّل الأنا أمرًا محتومًا. فالأنا باعتباره عقلاً مُدَبِّرًا وقُوَّةً تنفيذيًة هو المسؤول الأول عن إشباع الهُوَ وتلبية مطالبه وترويض حصانه الجامح.
الأنا(Ego): هو المُكوِّن Component الواعي والعقلاني في معظمه من البِنْيَة النَّفْسيّة للشخصيّة الإنسانيّة. والأنا لاحق وجوديًّا على الهُوَ، لكونه يبدأ في الظُّهور والتَّطَوُّر على نحو تدريجي ومتواصل بفعل التَّعَلُّم والتَّفاعل الإدراكي والحياتي مع العالم الخارجي. هذا وتقع على عاتقه مسؤولية القيام بإنجاز مهام ووظائف عدّة، من أبرزها:
1- تَلَقِّي المعلومات عن العالم الخارجي ومنه، وكذلك معرفة ما يعتري الإنسان من حالات ويعيشه من تجارب وحفظها في الذَّاكرة.
2- تَجَنُّب الألم والأخطار.
3- تكييف الإنسان مع الواقع وحفظ وجوده.
4- محاولة التَّوفيق بين المطالب المتعارضة والمتناقضة التي تنهمر عليه من قِبَل ثلاثة أسياد طغاة، وهم: المجتمع، والأنا الأعلى، والهُوَ، وبالتَّالي، إقامة توازن دقيق وتحقيق انسجام عميق بين الهُوَ والأنا الأعلى من جهة، وبين مجمل الشَّخصيّة الإنسانيّة والمجتمع من جهة أُخرى.
وفي ضوء ما تقدَّم صار واضحًا أنَّ حجم المهام والتَّحدّيات الجسام الماثلة أمام الأنا، لا بدَّ وأنْ تملي عليه العمل بمقتضى مبدأ الواقع principle of reality والتَّحلي بالمرونة وأقصى قدر من العقلانيّة والواقعيّة، ما يعني لزوم الأخذ بعين الاعتبار مجمل الإمكانيات والظروف والتَّداعيات عند حسم الخيارات واتخاذ القرارات، وإلاَّ فالأثمان باهظة والعواقب وخيمة على ما تَعَلَّمَه الأنا من تجاربه السَّابقة. ولكن هل ينجح الأنا دومًا في مهمته التَّوفيقية وفي إيجاد تسوية مقبولة لدى جميع أسياده؟ وما هي الخيارات والبدائل المتاحة له في التَّعامل معهم؟ وما هي العواقب (النَّتائج، التَّداعيات) المترتبة على الخيارات التي يتخذها؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة لا بدَّ لنا أوَّلًا من التَّعرُّف إلى طبيعة ووظيفة المكوِّن الثَّالث والأخير من مُكوِّنات البِنْيَة النَّفْسيّة المسمى بـ"الأنا الأعلى".
الأنا الأعلى (Super Ego):
هو جملة المبادئ والقيم والمعايير والوصايا الأخلاقيّة والدينيّة والاجتماعيّة المكتسبة التي تتيح للفرد التَّمييز بين الخير والشَّر، بين ما هو مقبول وما هو مرذول إجتماعيًا، بين المباح والممنوع، بين الحلال والحرام دينيًا. وهو، على ما يقول فرويد، الوريث الشَّرعي لعقدة أوديب بعد أنْ ولَّت أيامها18. وقد ربط فرويد نشوء الأنا الأعلى واكتسابه، زمانيًا، بالفترة العمرية الممتدة من 3 إلى 6 سنوات الموافِقة للمرحلة القضيبيّة Phallic phase الثَّالثة من مراحل التَّطَوُّر النَّفْسي-الجنسي للشخصيّة الإنسانيّة. ففي هذه المرحلة يقوم الأهل بتفعيل النَّشاط التَّربوي لنقل المبادئ والضوابط الأخلاقيّة-الاجتماعيّة إلى الطفل وغرسها في نَفْسه مستخدمين في ذلك وسائل وآليات شتى من مثل: التَّرغيب والتَّرهيب، الثَّواب والعقاب، المدح والذَّم، الرِّضَا والسّخط...وما شابه. لكن ضعف الطُّفل وحاجته الغريزية الماسة إلى الرِّعاية والأمن والبقاء يدفعانه إلى الدُّخول في تسوية غير متكافئة مع الأبوين يرضخ بموجبها للقواعد المفروضة عليه من قِبَلِهما، فيقوم بِتَشَرُّبها وتذويتها تدريجيًا بصورة لاواعية إلى أنْ تصير جزءًا مهمًا من هويته ومن البِنْيَة النَّفْسيّة لشخصيته. قصارى القول، إنَّ الأنا الأعلى هوالتَّعبير المُكَثَّف عن ضمير الإنسان ومُثله العليا ideal self، وفي الوقت عينه، هو سفير الضَّوابط الاجتماعيّة والقائم بأعمالها المُعتَمَد لدينا والمقيم في ذواتنا. وينسب فرويد إلى الأنا الأعلى الأدوار والوظائف الآتية:
1- فرض وسَن قواعد سلوكيّة تضبط علاقة الإنسان مع نَفْسه ومع الآخرين.
2- مراقبة وتقييم تصرفات الإنسان وأفكاره ونواياه ومشاعره.
3- المحاسبة التي يمكن أن تكون قمعًا وكبتًا أو إثابةً (مكافأة وتشجيع)، وذلك تبعًا لطبيعة الأفعال التي يقوم بها الأنا. فإذا ما قام الأنا بعمل بطولي وأداء واجب أخلاقي فسرعان ما يبادر الأنا الأعلى إلى إثابته ومكافأته معنويًا فتشعر الذَّات عندئذ بالفخر والاعتزاز بقيمة ما فعلته. أما وفي حال قيام الأنا بالخضوع التَّام والأعمى للهُوَ، فإن الأنا الأعلى لن يقف مُتَفَرِّجًا مكتوف الأيدي، إنَّمَا سيسارع إلى تأديبه بشِدَّة ومعاملته بالطريقة التي يعامل بها الأب المستبد الصَّارم إبنه الصَّغير. لم يعد خافيًا أنّ الدَّور الذي يؤديه الأنا الأعلى على المستوى النَّفْسي للشخصيّة يشبه إلى حد كبير الدَّور المناط بالسُّلطات التَّشريعيّة والرَّقابيّة والقضائيّة في المجتمع والدَّولة.
وبعد أنْ استعرضنا البِنْيَة النَّفْسيّة بكل مكوناتها لا بدَّ من القول إنَّ هذه المكونات ليست معزولة ولا مستقلة عن بعضها بعضًا، إنَّمَا تتفاعل في ما بينها بصورة يغلب عليها التَّنازع والتَّوتر والصِّدَام، لأن توجُّهاتها متعاكسة ومطالبها متعارضة. وفي ظل علاقة مشحونة بالتَّوتر كهذه ليس في وسع الأنا النَّأي بنفسه واللامبالاة، لا سِيَّما، وأنَّه حريص كل الحرص على الوفاق مع الأطراف كافة (المجتمع، والأنا الأعلى، والهُوَ) والتَّوفيق بينها. وللوفاق بينه وبين هذه الأطراف أهمِّية استثنائية مبعثها إيجاد بر آمن ترسو فيه سفينة نجاة الذَّات. لكن كل طرف من هذه الأطراف لا يكف عن تهديد الأنا بالويل والثُّبور وعظائم الأمور لاستمالته إلى جانبه وجعله خادمًا أمينًا ومُخْلِصًا له. وإزاء هذا الوضع يجد الأنا نَفْسه أمام ثلاثة بدائل وخيارات: الخيار الأوَّل وهو الخيار الأمثل، لكنَّه الأصعب حيث يقوم الأنا بتلبية مطالب الهُوَ طبقًا لمعايير الأنا الأعلى القياسية وقواعده المنسجمة مع أعراف المجتمع وتقاليده الثَّقافيّة. وقد يحدث ذلك إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عبر اللجوء إلى حيل وقائيّة وآليات دفاعيّة Self-defense mechanism من مثل التَّسامي Sublimation، والنُّكوص Regression، والإبدال Displacement، والإسقاط Projection، والتَّحويل Transfer، والتَّبرير وغيرها من آليات خفض التَّوتر وتهدئة الخلاف القائم بين أسياد الأنا الثَّلاثة. أما وفي حال فَشِل الأنا وأخْفَقَ في تحقيق الانسجام المنشود، لأي سبب كان، فإنه سيتخبط في مأزق مأساوي تتعارض فيه السَّعادة مع الواجب، القيمة مع المنفعة، مبدأ اللذَّة مع مبدأ الواقع، البُعد الطَّبيعي مع البُعد الثَّقافي، وسيجد نَفْسه في وضع لا يُحْسَدُ عليه، أي أمام واحد من خيارين أحلاهما مُرّ: إما الرُّضوخ والامتثال التَّام لإرادة الأنا الأعلى أو الانصياع للهُوَ والاستسلام له. ولِكُلِّ خيار من هذين الخيارين الأخيرين انعكاساته السَّلبية على الشَّخصيّة الإنسانيّة. ولا عجب في ذلك إذا ما عَلِمْنا أنَّ لكل واحد من هؤلاء الأسياد منزعه الديكتاتوري وميله "الإمبريالي". فإنْ سيطر واحدهم وسَادَ تمادى، وإنْ هيمنَ وطغى، لا محالة، بغى. فالالتزام الصَّارم بأوامر الأنا الأعلى وقيود العالم الخارجي من دون إعارة مطالب الهُوَ الإهتمام اللازم يؤدي، حتمًا، إلى الكبت والقمع. وإذا ما بلغ الكبت أشَدَّه تقع الشَّخصيّة عندئذ في أسر اضطرابات نَفْسيّة شتى كالعصاب واليأس والاحباط. وما العصاب، مثلاً، إلاّ ثأر الهُوَ وانتقامه من الأنا عقابًا له على سوء حسمه للنزاع القائم بينه وبين العالم الخارجي. وفي المقابل، فإذا ما تَخَلَّى الأنا عن التزاماته تجاه الأنا الأعلى والعالم الخارجي وساير الهُوَ في هواه وسارع إلى مراضاته، عندئذ، يتخذ الأنا الأعلى أقسى التَّدابير العقابيّة بحق الأنا ويزجَّه في أتُون معاناة نَفْسيّة وأخلاقيّة مصحوبة بتأنيب الضَّمير، والشُّعُور بالذَّنْب والخزي والعار والدُّونيّة والإثم والخطيئة19. إضافة إلى ذلك، وإذا ما استرسل الأنا في التَّراخي والانبطاح أمام زحف الهُوَ الكاسح وأفْرَطَ في الإبتعاد عن حقائق الأمور كما هي في الواقع أدى به هذا إلى ضرب من الجنون.
وهكذا، يمكن القول إنَّ هذه الحفريات الفرويدية في طبقات بِنْيَة الإنسان النَّفْسيّة ومتاهاتها الغائرة والمتداخلة، تسهم، بلا أدنى ريب، في تجديد فهمنا لأسباب اضطرابات الإنسان النَّفْسيّة وطُرُق اجتنابها والتَّعافي منها. لكن، وفي المقابل، فالصورة الدراماتيكية التي قدَّمها فرويد عن الضُّغوط والإكراهات التي تثقل كاهل الأنا وتُقَيِّده قد تلقي ظلالاً من الشَّكِّ على حُرِّية الإنسان. رُبَّ سائل هنا يسأل أنَّى يمكن للإنسان أنْ يكون حُرًّا إنْ كان رمز السِّيادة ومركز السَّيطرة والقيادة فيه المُمَثَّل بالأنا (والوعي ضمنًا) فاقدًا لزمام أموره ومحكومًا من الجنبات التي فوقه وتلك التي تحته داخليًا، ومحاصَرًا خارجيًا؟ والحال، هذا سؤال مشروع ينحو بالمقال إلى الحديث عما بين اللاوعي والحُرِّيَّة من إتصال.
اللاوعي النَّفْسي والحُرِّيَّة:
لعلَّنا لا نحيد عن جادة الصَّواب إنْ قلنا إنَّ سؤال الحُرِّيَّة يأتي في طليعة المشكلات الفلسفيّة التي اثارتها فرضية اللاوعي النَّفْسي الفرويدية. والحق، إنَّ المسألة المذكورة لا تُثَار تعسُّفًا أو اعتباطًا. ثَمَّة اعتباران إضافيان إلى جانب الاعتبار الوارد في التَّساؤل السَّابق دفعا فئةً من الفلاسفة والعلماء إلى القول إنَّ الحُرِّيَّة هي الأضْحِيَّة الأولى التي يُقَدِّمها التَّحليل النَّفْسي على مذبح اللاوعي. الاعتبار الأوَّل هو اعتماد فرويد مبدأ الحتميّة الصَّارمة في تفسير جميع الظَّواهر والاضطرابات النَّفْسيّة، الأمر الذي عدَّه هؤلاء شكلاً مُقَنَّعًا من أشكال الجبريّة استبدلت فيه الحتمية قوانين الطبيعة بالله، والفيزيقا بالميتافيزيقا. ولئن كانت الجبريّة والحتميّة، في نظر أهل هذه الفئة، متباينتين في الإسم، فإنهما مترادفتان في المعنى، لأنَّ مآلهما واحد ألا وهو التَّعامي عما يمتاز به الإنسان من وعي وإرادة واختيار، وبالتَّالي، الحط بالإنسان إلى مرتبة الحيوانات والجمادات؛ والاعتبار الثَّاني هو تأكيدات فرويد المتكررة على التَّأثير الفاعل والخفي للاوعي في خيارات الإنسان وأحواله النَّفْسيّة. وهذا ما يعدَّه هؤلاء شبهًا لا لُبْسَ فيه بكلام السَّحرة والمشعوذين على أرواح وجن وعفاريت شريرة تسكن الإنسان وتتملَّكه. لكن السُّؤال الذي يطرح نَفْسه هنا هو هل الحتميّة والجبريّة صنوان؟ وهل، حقًا، يُفضي الاعتراف بوجود لاوعي نَفْسي إلى نفي الحُرِّيَّة الإنسانيّة؟ وهل قدر الإنسان أنْ يبقى عبدًا للاوعيه؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة ينبغي لنا التَّمييز بين الحتميّة والجبريّة وتبیان الفروق الجوهرية بينهما. ولكي لا نسترسل في ما لا نرومه نكتفي بالقول إنَّ الجبريّة مذهب ينفي قدرة الإنسان على الاختيار والفعل ذاتيًا. فكل ما يجري في العالم من أحداث وأفعال مُقَدَّر ومُحَدَّد سلفًا وأزَلاً من قِبَل قوَّة إلهية ولا مناص من وقوعه مهما كانت الظُّروف والشُّروط، وبالتَّالي، فلا حول ولا قُوَّة للإنسان أمام القوى الغيبيّة الماورائية التي تؤثّر فيه من دون أنْ يتَّصف أصلاً بالقدرة على التَّأثير فيها . وليس بوسع أحد أنْ يرد القدر ویُغَيّر مجرى الأحداث والمصير حتى ولو حاز على معرفة الأسباب والأقدار كلها. فلا فاعل، على الحقيقة، إلاّ اللَّه. أما الحتميّة فهي مبدأ فلسفي وعلمي ينص على أنَّ لا شيء يصدر عن عدم ويحدث من دون سبب، ولا شيء يتحوَّل إلى عدم. فكل ما يحدث في الكون يخضع لنظام أو لقانون سببي ما. الأسباب الواحدة عينها في الظُّروف والشُّروط نَفْسها تفضي دائمًا إلى نتائج مماثلة. وليس في هذا الموقف ما ينفي أنْ تكون أفعال الإنسان وقراراته واختياراته، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، من بين الشُّروط الضَّرورية أو الكافية لما يحدث. هي من هذه النَّاحية لا تلغي الفاعليّة الإنسانيّة الحُرَّة على ما تفعل الجبريّة، بل على العكس تمامًا. إذ بإمكان الإنسان أنْ يمارس حضوره ويعزِّز فعالیته ويوسِّع نطاق حُرِّيَّته بقدر ما يستنطق الظواهر ويقبض على أسبابها وقوانينها. ولو كان العالم مسرحاً للصدف المحض والعبث والأحداث العشوائية، ولو انعدمت القوانين التي تحكم الظَّواهر الكونيّة سواءً أكانت طبيعيّة أم اجتماعيّة أم نَفْسيّة لما تمكَّن الإنسان أبدًا من معرفة خصائص الأشياء، ولكان الفشل الذَّريع هو التؤام الشَّقيق والأخ الرَّضيع لنشاطاته العمليّة والعِلْميّة كافة. فالإنسان لم يتدرَّج في تسخير الطَّبيعة لخدمة مآربه، ولم يخلق عوالمه الافتراضية ويجترح معجزاته التكنولوجيّة السَّاحرة إلاَّ بعدما أخذ يتبحَّر في تَعَلُّم لغتها واكْتِنَاه أسرارها، ولم يتخلص من بعض الأمراض الفتَّاكة إِلاَّ عندما عرف أسبابها وعمل على القضاء عليها. فالإنسان لا يصبح حُرًّا وسَيِّد الطَّبيعة ونَفْسه ما لم يعرفهما حق المعرفة. فالمعرفة رافعة الحُرِّيَّة وقاطرتها وشرط إمكانها. ولا تُعقل سُلْطَة وحُرِّيَّة من دون معرفة ووعي. وقد سبق للفيلسوف الغزالي أنْ عبَّر عن هذه الحقيقة أبلغ تعبير بقوله: " فكل معروف داخل في/تحت سُلْطَة العارف واستيلائه دخولاً ما"20.
بناءً على ما تقدَّم يمكن القول إنَّ لا تعارض جوهري بين الحتميّة السيكولوجيّة والحُرِّيَّة إذا ما كفَّ الوعي عن التَّصرف كمَلِك مستبد مُكْتَف بالمعلومات التي تُزَوِّدَه به حاشيته المقربة منه، وأحْسَنَ الإنصات إلى التَّنبيهات والإشارات الصَّادرة عن أعماق الذَّات. فاللاوعي يستعبد الإنسان ما دام الأخير يجهله ويُمعِن في تجاهله، والوعي يُحَرِّره بقدر ما يُدرِك اللاوعي ويستكشفه. وهذا، بالضبط، ما يرومه أيضًا التَّحليل النَّفْسي ويسعى في سبيله: "فالغرض الأوحد من التَّحليل، على ما يؤكد فرويد، يتمثَّل في أنْ نعيد بنيان الأنا، وأنْ نحرره من قيوده، وأنْ نُرجِع إليه سيطرته على الهُوَ، تلك السَّيطرة التي فقدها في صدر الحياة حين كان لا يزال ناشئًا ضعيفًا لَيِّن العريكة طري العود وقليل الحيلة"21. وبالفعل، هذا خير دعم خارجي يمكن أنْ يتلقَّاه الأنا في كفاحه الشَّاق على دروب استعادة إرادته المسلوبة والتَّحَوُّل من عبد مأمور وخادم مقهور إلى والٍ مهاب وقور وفارس مقدام جَسُور. لكن كسب هذا الرِّهَان العظيم لا يغدو ممكنًا إلاَّ عَبْرَ حَثِّ الأنا على التَّخَلِّي عن نرجسيته، ودفع الوعي إلى التَّخَلُّص من أوهامه وغروره بالانفتاح على اللاوعي ومحاورته ليغتني الوعي بكل ما يغنمه من اللاوعي، عندئذ، يصبح الإنسان أكثر حُرِّيّةً وقدرةً على تلافي اضطراباته والتَّحكُّم في سلوكيَّاته، وأهلاً لتحَمُّل مسؤوليّة أفعاله٠ فالمسألة ليست، في نهاية المطاف، إلاَّ حوار الإنسان مع ذاته ولأجله٠
***
د. علي صغير - كاتب وباحث لبناني
...................
الهوامش والمراجع
1) نقلاً عن المُقَدِّمة التي وضعها الدكتور إسحق رمزي للترجمة العربية لكتاب سيغموند فروید: مُقَدِّمة في التَّحليل النَّفْسي. دارالمعارف بمصر. ص 18.
2) لمزيد من التَّفصيل حول هذه الصَّفعات يرجى الإطلاع على مقالة سيغموند فرويد: صعوبة في طريق التَّحليل النَّفْسي. ضمن مجموعات النَّظريات النَّفْسيّة الأساسية. موجز تاريخ التَّحليل النَّفْسي. (باللغة الروسية). سان بطرسبورغ. دار "أليتييا". 1998. ص 232-241.
3) كارل ماركس وفردريك إنجلز: المؤلفات الكاملة. المجلد الثَّالث عشر( باللغة الروسية). موسكو، بوليتازدات. الطَّبعة الثَّانية. 1959.ص7.
4) للإطلاع على تفاصيل الموقف الدِّيكارتي من القائلين بوجود نَفْس وعقل ولغة وذكاء عند الحيوانات اُنْظُرْ القسم الخامس من كتاب رينيه ديكارت: مقال عن المنهج. ترجمة محمود محمد الخضيري. مراجعة وتقديم الدكتور محمد مصطفى حلمي. الهيئة المصرية العامة للكتاب. الطَّبعة الثَّالثة. 1985.
5) المرجع السابق. ص 214.
6) Sigmund Freud: The Interpretation of Dreams. Wordsworth Edition Limited. 1997. p. 445.
7) سيغموند فرويد: الأنا والهُوَ. ترجمة الدكتور محمد عثمان نجاتي. دار الشُّروق. بيروت/القاهرة. الطَّبعة الرَّابعة. 1982. ص 32 .
8) Sigmund Freud: The Interpretation of Dreams. p. 445.
9) في الحقيقة، قلَّما نجد مُؤَلَّفًا لفرويد خلت منه الإشارة تصريحًا أو تلميحًا إلى الحملات الشَّعواء التي طاولته بدءًا من الاستخفاف والتَّسفيه بالقيمة العلميَّة لفرضية اللاوعي النَّفْسي، ومرورًا بالطَّلب من الجمعيات الأكاديميَّة والمُؤَسَّسَات الطِّبِّيَّة المتخصصة في الأمراض العصبيَّة التي تحترم نفسها إلى إلقاء "الحرم العلمي" على كتابات فرويد والتَّبرؤ منها باعتبارها هرطقًة موصوفة، وإنتهاءً بالتَّجريح الشَّخصي به قدحًا وذمًّا وتَنَمُّرًا.
10) Sigmund Freud: Psychopathology of Everyday Life. New York. The Macmillan company. 1914. p.91.
11) Ibid., pp. 77-78.
12) Ibid., pp. 145-146.
13) Ibid., pp. 39-40.
14) Ibid., p.178.
15) Sigmund Freud: The Interpretation of Dreams. p.441.
16) تجدر الإشارة إلى أنَّ فرويد لم يعتمد التَّنويم كتقنية علاجية إلاّ لفترة وجيزة جدًا من الزَّمن. إذ سرعان ما استعاض عنه بتقنية علاجية مبتكرة تجمع بين التَّداعيات الكلاميّة الحُرَّة وتفسير الأحلام. أمَّا عزوف فرويد عن إستخدام التَّنويم، إنَّمَا مردّه إلى الإعتبارات الآتية: 1- الصعوبات التي واجهها فرويد في تنويم بعض المرضى؛ 2- إخفاق التَّنويم في تقديم حل جذري وعلاج نهائي للكثير من الاضطرابات النَّفْسيّة، ناهيك بكوننا لسنا على بَيِّنَة تامة من جميع المفاعيل والأعراض الجانبية التي قد يُسببها لمختلف المرضى؛ 3- خشية فرويد من الانزلاق بالتَّنويم إلى سحق شخصية المريض، ولا سِيَّمَا، وأنَّ التَّنويم لا يستقيم من دون سيطرة ذات على أُخرى.
17) سيغموند فرويد: مُقَدِّمة في التَّحليل النَّفْسي. ص 74.
18) المرجع نفسه. ص 109.
19) Sigmund Freud: New Introductory Lectures On Psycho-analysis. New York. Carlton House. 1933. pp. 108-109.
اُنْظُرْ أيضًا حول هذه المسألة كتاب فرويد مُقَدِّمة في التَّحليل النَّفْسي. ص 109.
20) أبو حامد الغزالي: مشكاة الأنوار ومصفاة الأسرار. شرح ودراسة وتحقيق الشَّيخ عبد العزيز عز الدِّين السَّيروان. بيروت. عالم الكتب. الطَّبعة الأولى، 1986. ص، 138.
21) سيغموند فرويد: مُقَدِّمة في التَّحليل النَّفْسي. ص 73.