قراءات نقدية

كوثر بلعابي: إثمٌ في رَقبتِي

(الى أطفال غزّة الصابرين صبرَ الرّجال على الجوع والحصار)

جُوعُكَ ...

يا طِفلي الشّاحِبَ

يُمزِّقُ قَلبِي ... يُضنِينِي ...

يَقضِم خُبزَ حُرّيّتِي

يَنثُر أوْجاعَ الجَمرِ مِن فُرنِي

يُغمِّسُ في طَبَقِ المُرِّ أرغِفَتِي ...

فَأرَانِي مُحاصَرَةً بالعَجزِ

يتبَعُنِي إثمُ العرَبِ

حَيث ولّيْتُ يُلاحِقُني

لا مَأمَنَ مِنه يَحمينِي ...

*

دَمعُكَ ...

يا طِفلِلي البَاكِي

يُفَجّرُ حزنِي أنهَارًا

مَن يَقدِرُ عَنه يُسْلينِي ؟؟

يُمَزّقُ قَلبَ التّاريخِ

يَسألُهُ عَن عصرِ العَطَنِ ...

يَسألُهُ عَن إثمِ العَرَبِ

عَن حُكمِهِ بَين الكَبائرِ ؟؟

فَغَدا السّؤالُ يَجلِدُني

هَل جَلدُ الذّاتِ ...

يَكفِيكَ ... ويَكفِيني ؟؟

*

خَوفُكَ ...

يا طِفلِي الغَافِي

في قَاعِ الجُبنِ يَرمِينِي ...

عَينُكَ نِصفُ المُغمَضَةِ

راصِدَةً أصدَاءَ القَصفِ

تَلدَغُ كبِدي النّنازِفَةَ

تُقِضُّ هَجعَةَ جَفنِي

فأرَى الأقمارَ تنطَفِئ

وسَماءَ الوَطنِ آفِلَةً

وأرَى الأفجارَ تنسَحِبُ

مِن بَينِ أصابِعِ أمنيَتِي

حتّى ما بَقِيَ في الأفُقِ ضَوءٌ

تَزهُو لِرؤيَتِهِ عَيني ...

*

جِسمُكَ ...

يا طِفلِي العَاري

في كُلِّ الصّوَرِ يَأتِيني ...

كعصفورٍ بِلَا رِيشٍ وأجنِحَةٍ

بَين الرّكامِ ... تَحُطّ

بَعضَ التّرابِ ... تَسِفُّ

بِمَلامِحَ تَقتَحِمُ الكَونَ

وتُزعزِعُ شريانَ المُدُنِ

فتُلطّخُ وجهي بالذّلِّ

عند المِرآةِ تُعرّينِي ...

*

حِصَارُكَ ...

يا طِفلِي ... شَرَفّ

يَرفَعُكَ للمَجدِ رَجُلًا

بِسِياطِ الخجَلِ يَكوِينِي ...

فأنتَ الحُرُّ

مِن جوعي ... ومِن عَطَشي

وأنتَ الحُرُّ

مِن خَوفِي ... ومِن خِزيِي

وأنتَ الحُرُّ ... في القَبرِ

وأنتَ الحَيُّ ... فِي الموْتِ

تَركتَ لِي الخُبزَ والماءَ

فما شبِعتُ مِن جُوعِي ...

ولا استطاعَت مِياهُ الأرضِ

تُطهِّرُني وتَروِينِي ...

وظَلّ الإثمُ

يَتبَعُنِي ... يَصفَعُنِي ...

يُعفِّرُ وَجهِي وجَبِيني ...

***

كوثر بلعابي

(تونس - القصرين: في أوت 2025)

 

في المثقف اليوم