قراءات نقدية

أيمن عيسى: تشكيل الحروف

تشكيل الحروف هو وضع العلامة التى تمثل حركة نطق الحرف، ووضعها على الحرف الأخير هو ما يمثل الموقع الإعرابى للكلمة. ولم يكن العرب يعرفون هذا التشكيل ولم يكونوا فى حاجة إليه، فالعربى بسليقته اللغوية الفذة ينطق ويقرأ المضموم مضمومًا والمفتوح مفتوحًا والمكسور مكسورًا دون خطأ واحد. ذلك بالملكة اللغوية دون درس أو تقعيد، تلك السليقة هى التى أخذنا منها التقعيد، فالقدماء كانوا يتحدثون بالسليقة دون خطأ، أما نحن فنتحدث بما يطابق القواعد ونخطىء. العربى القديم يتحدث دون استحضار وبذل مجهود، أما نحن فنستجمع ونستحضر كل قواعد اللغة فى رؤوسنا لكى نتحدث لغة سليمة محاولين ألا نخطئ.

ولمَّا تفشى اللحن والخطأ فى اللغة وضعفت الملكة العربية، احتاج القارئ لوضع علامات على الحروف تبين هيئة نطق الحرف. ومن ذلك يمكننا أيضـًا أن نضع تعريفـًا آخر لتشكيل الحروف، وهو: العلامات التى تبين هيئة نطق الحرف. وكان الباعث الأول فى ذلك هو الحفاظ على الموقع الإعرابى والنطق السليم لحروف القرآن الكريم، وكما نعلم أن حركة واحدة لو اختلفت لتغير المعنى. فلو قلت أو نطقت: ما أحسنَ المساء، لاختلف المعنى عن قولك أو نطقك: ما أحسنُ المساء. فالأولى بفتح النون صارت جملة تعجبية. أما الأخرى بضم النون صارت استفهامية، فصارت تحتاج إلى جواب، فإن قيل أو نـُطق: ما أحسنُ المساء ؟ لقيل: الهدوء، نجومه، سكونه، خواطره... أى شىء من ذلك.

واستدعى ذلك أيضـًا ما فى القرآن الكريم من تقديم وتأخير، ومن ذلك قوله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر / 28]. فلولا التشكيل الذى نقل إلينا الآية على معناها الصحيح، لتوهمنا أن الله هو الذى يخشى من العلماء، لكن "الله" منصوبة، فنعلم أنها مفعول به مقدم، و" العلماء " مرفوعة، فنعلم أنها فاعل مؤخر، إذن العلماء هم الفاعلون، فهم الذين يخشون الله تعالى، هم الذين قاموا بفعل الخشية. من هنا باتت الضرورة ملحة لوضع علامات تمكننا من النطق الصحيح والقراءة الصحيحة لما هو مكتوب.

وكان السبق فى ذلك الابتكار يرجع إلى الخليل بن أحمد الفراهيدى المتوفى 170هـ. إذ ابتكر أشكالا توضع فوق أو تحت الحرف لتبين هيئة نطقه، فابتكر شرطة توضع أعلى الحرف لتدل على نطقه مفتوحًا، وشرطة توضع أسفل الحرف لتدل على نطقه مكسورًا. وفتحتان لتدلان على تنوين الفتح، وكسرتان لتنوين الكسر. والواو الصغيرة للضم لأن الواو هى أكثر الحروف مناسبة للضم فاختاره رمزًا وعلامة للضم، وتكرارها يدل على تنوين الضم. والهاء المعقودة للحرف الساكن.

فهذه العلامات أو الأشكال يرجع فضلها إلى الخليل بن أحمد الفراهيدى، فبهذه العلامات قد حُفظت لنا قوامة اللسان وسلامة اللغة. ومن ناحية أخرى وزاوية أخرى جديدة تمامًا، فإن هذه العلامات قد أسهمت فى تنميق الحروف والخطوط وإكسابها شكلا جماليًا فريدًا، هو بحق لا نراه فى لغة إلا العربية، تلك رؤية فنية وجمالية فريدة تقف جنبًا إلى جنب جوار الغرض والهدف الرئيس وهو حماية ووقاية لسان القارىء من النطق الخاطىء.

وختامًا نرجو أن نكون قد حققنا قدرًا من المتعة والإفادة والمعرفة الأصولية فيما تعلق بتشكيل الحروف وفضل العالم اللغوى الكبير الخليل بن أحمد، مبتكر وصاحب فكرة تشكيل الحروف. وللقارىء الكريم خالص التحية والمودة.

***

د. أيمن عيسى - مصر

في المثقف اليوم