قراءات نقدية
كريم عبد الله: الحب الكوني والاتحاد الروحي بين الشاعر والمحبوب

قراءة نقدية في قصيدة "لأنك أنت" للشاعرة رشا السيد احمد – ألمانيا – سوريا.
***
لأنك أنت
و كتبت لأنك نبي الحب الذي حل في قلبي وأقرأني السلام من لدن قلب عاشق
و فتح لي كتب نور خفية صفحة تلو صفحة وأقرأني آيات بينات
كنت ذاك الملاك الذي حملني معه لسموات علا بعيدا عن هرطقة الرصاص وجنون اشتعل في الأوطان
بينما كان علي أن أزرع في دربك كل الحكايات الجميلة وأمسح عن قلبك التعب لأن قلبي صار ينابض قلبك بجنون
منذ الأزل كل ما كنت أحتاجه هو أنت وحينما سكنت قلبي عرفت ينبوع الأغاني فصرت أسقي الورود منه فنبتَ في كل زاوية من قلبي أغنية وقصيدة تنزلت من السماء
قُبلتك المطولة حين ألتقينا هذا الفجر أخذتني بدوار عذب وكانت بنكهة الرؤى المسافرة في أكوان تمنحك السعادة بقوة في لحظتها أدركت أنك ذاك الذي كان يحضرني من عهود مضت قبيل كل فجر فأصحو بألف سبب للفرح والطمأنينة ويصير العالم أنا وأنت ولا غير
ففي سفرنا على جنح السمر كان يتجلى الكون عذبا شفيفا حينها كنت تحدثني عن الله الذي لا يخلف وعده وكنت أحدثه عنك مطولا بحنو وأزرع من نجوم عينيك في سمائي عرسا للشغب فأنا المملوءة بك حد التماهي بكل نبض يؤثث الروح شغفا واشتعال فأذوب بك أكثر
وأنسى الكون كله ووحدك تبقى في الروح .
سيدة المعبد
***
القراءة النقدية:
القصيدة "لأنك أنت" للشاعرة رشا السيد أحمد هي قطعة شعرية تمتزج فيها الرومانسية بالروحانية، وتعبر عن حب عميق ومتجدد يتجاوز الحدود المادية والتجسيد الجسدي. ومن خلال هذه القصيدة، نجد أن الشاعرة تستخدم مجموعة من الرموز الأدبية والتصاوير البلاغية التي تُمثل حبًا كونياً، وتوحُّدًا روحانيًا بين الشاعر والمحبوب.
المعنى العميق والتوظيف الروحي:
تبدأ الشاعرة النص بعبارة "لأنك أنت" التي تعتبر بمثابة مفتاح لفهم النص، حيث تُمثل المحبوب أو الحبيب كجوهر هذا الوجود، وتوحي بأن وجود المحبوب هو السبب الذي من أجله تحيا الشاعرة. هذه البداية تأخذنا إلى فكرة الحب الكوني، حيث يُنظر إلى المحبوب ليس كإنسان فقط، بل كرمز للطاقة الإيجابية التي تملأ الروح.
من خلال استخدامها لعبارة "نبي الحب الذي حل في قلبي"، تخلق الشاعرة صورة دينية تُحيل إلى قدسية هذا الحب، حيث يصبح المحبوب معلمًا ومصدرًا للطاقة الروحية والإلهية. هذا التوظيف يعكس تسليم الشاعرة الكامل للمحبوب، وجعل العلاقة بينهما أكثر من مجرد علاقة دنيوية؛ إنها علاقة روحية متكاملة.
الصور البلاغية والرمزية:
تستمر الشاعرة في استخدام صور بلاغية عالية، مثل "فتح لي كتب نور خفية"، و"كنت ذاك الملاك الذي حملني معه لسموات علا". هذه الصور تتجاوز الواقع الحسي لتعكس عوالم غيبية متخيلة، في صورة الملاك الذي ينقل الشاعرة إلى عوالم أعلى من خلال الحب. هذه الصورة تُبنى على المجاز، حيث يُنظر إلى الحب كأداة للوصول إلى النقاء الروحي والسمو.
وفي تعبيرها عن الحب الذي يتجاوز الواقع العنيف، يبرز تصويرها للمحبوب الذي "حملني معه لسموات علا بعيدا عن هرطقة الرصاص وجنون اشتعل في الأوطان". هذا لا يقتصر على تصوير الحبيب كملاذ روحي فقط، بل يشير أيضًا إلى الهروب من ضغوط الحياة والعنف الذي يهدد الإنسان في الواقع.
الحب كمصدر إلهام وإبداع:
في النص، تتحدث الشاعرة عن اكتشاف "ينبوع الأغاني"، الذي يمثل الإلهام الذي ينبع من الحب. الشاعرة تُصوّر الحب كمصدر للإبداع الفني؛ حيث يصبح القلب مليئًا بالأغاني والقصائد التي تنزل من السماء. هذه الصورة تعكس كيف يُمكن للحب أن يكون محركًا إبداعيًا، يملأ الروح بكل ما هو جميل ويُعيد ترتيب العواطف والتجارب بشكل يُنتج إبداعات فنية تلامس الروح.
القبلة كرمزية روحية:
تُصور الشاعرة القبلة على أنها أكثر من مجرد لمسة جسدية، بل تجربة روحية تحمل في طياتها تحولًا عاطفيًا وذهنيًا. حيث تقول "قُبلتك المطولة حين ألتقينا هذا الفجر أخذتني بدوار عذب"، وهو تعبير قوي عن التأثير العاطفي الكبير لهذا اللقاء. القبلة هنا تمثل أيضًا لحظة من الاتحاد الروحي بين الشاعر والمحبوب، الذي يتم تصويره على أنه لحظة تجسيد حقيقي للحب الأبدي.
الاندماج الكوني والتماهي مع المحبوب:
النص يتحدث عن التماهي بين الشاعرة والمحبوب بشكل مكثف: "أنا المملوءة بك حد التماهي". هذه الجملة تُشير إلى وحدة وجودية بين المحبين، حيث يتناغم الوجود الروحي لكل منهما ليصبحوا كيانًا واحدًا. هذه الفكرة تعكس التوحد الروحي، وهو أحد المواضيع المركزية في الأدب الصوفي، حيث يكون الحب هو وسيلة للوصول إلى الكمال والنقاء.
التصوير الديني والفلسفي:
كما أن الشاعرة تذكر في جزء من القصيدة: "كنت تحدثني عن الله الذي لا يخلف وعده وكنت أحدثه عنك مطولا بحنو"، هذه الصورة تشير إلى أن العلاقة مع المحبوب تتعدى حدود الشخص الواحد لتصل إلى علاقة مع الذات الإلهية. وهذا يُعطي النص بعدًا دينيًا، حيث يتم الربط بين الحب الإلهي وحب المحبوب، ما يعزز من فكرة أن الحب ليس مجرد مشاعر بشرية، بل هو اتصال مع الكون بأسره ومع المبدأ الأسمى.
الخلاصة:
القصيدة، في مجملها، تعد إعلانًا عن حب روحي متجدد يعكس الترابط الكوني بين الشاعر والمحبوب. هي قصيدة تتجاوز الحدود العاطفية لتدخل في مجالات روحانية وفلسفية عميقة، حيث الحب ليس مجرد ارتباط بين شخصين، بل هو مظهر من مظاهر الاتحاد مع الكون ومع الذات الإلهية.
من خلال استخدام الرمزية الدينية والبلاغة الرفيعة، تقدم الشاعرة قصيدتها كوسيلة لتمجيد الحب الذي يتجاوز الفناء والزمان، ليبقى راسخًا في الوجود الأبدي.
***
بقلم: كريم عبد الله – العراق