قراءات نقدية
كريم عبد الله: قراءة نقدية تفكيكية في قصيدة "رسائل أذار" للشاعرة حنان يوسف

رسائل أذار
أمي،،
يا أرجوحة العشق
تحت أقواسِ الأحزان
قلبي قبضة جمرٍ
والشوق ارتهان
يا قدّيسة العطف
للعطفِ اصطفاك الإله
يا رسولة الحنان
وكليمة الدلال
والوجدُ فيضٌ
يثيرُ مواجع الدمع
في الأحداقِ
أمي،،
اللقاء صدٌ
فمتى غده،،؟!
يا تحناناً،،
لا تشوبه الأحقاد
والغياب،،
لحنٌ بلا ناي
يا خمرةً،،
بلا آثام..
يا سلاماً دائمُ الاخضرار
يا عدلاً،،
قامته التسامح
يا قمحَ التضحيات
في حقولِ العطاء
بكا أذارُ
مواجعاً،،
في ذكراكِ
***
حنان يوسف – لبنان
.........................
القراءة النقدية:
تعد القصيدة "رسائل أذار" للشاعرة حنان يوسف من الأعمال الشعرية التي تستحق النظر من خلال المنظور التفكيكي الذي يسعى إلى فك رموز النصوص والكشف عن التناقضات والمعاني غير الواضحة. في هذه القصيدة، تكتب الشاعرة عن تجربة إنسانية عميقة تتعلق بالأم، الحب، والغياب، مما يتيح مجالًا غنيًا للتحليل التفكيكي.
1. اللغة والرمزية:
القصيدة مليئة بالرموز التي تعمل على بناء معانٍ متعددة وتفتح المجال أمام القارئ لاستكشاف تأويلات متعددة. بدايةً من النداء المتكرر لـ "أمي" الذي يعكس العلاقة الإنسانية العميقة، مرورًا بالتوصيفات التي تتبع هذا النداء، مثل "أرجوحة العشق" و"قدّيسة العطف" و"رسولة الحنان"، تتشكل صورة للأم كمصدر للحب، الحماية، والروحانية.
لكن تفكيكيًا، هذه الصورة لا تأتي من فراغ. فالقصيدة تحتوي على تناقضات ضمنية: فبينما تظهر الأم كرمز للحنان، نجد أن الشاعرة أيضًا تشير إلى "الأحزان"، "الغياب"، و"مواجع الدمع". هذا التناقض يعكس الثنائية المتأصلة بين الحب والفقد، الحضور والغياب، ويجعل القارئ يدرك أن العلاقة مع الأم ليست مجرد علاقة من الطمأنينة والراحة، بل هي علاقة مشبعة بالمشاعر المتناقضة التي لا يمكن فهمها إلا عند النظر في الفقد والغياب المستمرين.
2. التفكيك بين الأيقونات الدينية والثقافية:
الشاعرة تستخدم صورة "قدّيسة العطف" و"رسولة الحنان" لتخلق بعدًا دينيًا روحانيًا. هذا التوظيف للمفردات الدينية يشير إلى تقديس الأم في الذاكرة الثقافية، حيث تصبح الأم تجسدًا للتسامح، العطاء، والتضحية. لكن من منظور تفكيكي، يمكننا أن نرى أن هذه الأيقونات ليست ثابتة، بل هي تتضمن في داخلها متناقضات. فحتى لو كانت الأم رمزًا للقداسة والعطاء، فإنها في نفس الوقت تعيش في إطار من الأحزان والغياب، ما يشير إلى أن المثالية التي تضعها الشاعرة قد تكون جزءًا من محاولة لفهم التوتر بين المثالي والواقعي في علاقتها بالأم.
3. توظيف الزمن والمكان:
تذكر الشاعرة في قصيدتها "متى غده؟" و"بكا أذارُ" كإشارة إلى زمنٍ مفقود، وغيابٍ مستمر. الزمن هنا يتسم بالتوقف، والمستقبل غير واضح ("متى غده؟")، وكأن الزمن قد تجمّد في لحظة الحزن والاشتياق. هذا التوقف الزمني يعكس التوتر بين الحضور والغياب، بين الوعد بالمستقبل المأمول والشوق المستمر للحظات الماضي. "بكا أذارُ" يشير إلى صورة من الحزن العميق، وهو مرتبط بشهر أذار (شهر آذار) الذي يمكن أن يكون رمزًا لفترة من الفقد والتأمل في المعاناة والذكريات.
4. التوتر بين العاطفة والواقع:
عند قراءة القصيدة التفكيكية، يمكن ملاحظة أن التوتر بين العاطفة والواقع يتجلى بوضوح في العديد من المفردات المستخدمة. على سبيل المثال، "الشوق ارتهان" و"الغياب لحنٌ بلا ناي" تخلق صورة من الارتباط بالعاطفة السلبية التي تبقى مسجونة في حالة انتظار مستمر. الشاعرة تطرح التوتر بين الشوق المتواصل الذي يشكل عبئًا عاطفيًا غير قادر على الإفراج عنه، وبين الحزن الذي يتجسد في "الغياب" الذي يبدو وكأنه لحنٌ فارغ لا يستطيع أن يكتمل.
5. الرمزية التصويرية والتكرار:
تتكرر العديد من الصور الرمزية في القصيدة، مثل "الحنان"، "العطاء"، و"التسامح"، مما يساهم في بناء شبكة من المعاني المتداخلة. هذه الرمزية تُبرز الأبعاد الإنسانية للأم، ولكن في الوقت نفسه، فإن هذه الرموز تحمل تناقضات ضمنية. فالحنان في القصيدة لا يأتي من دون ألم، والعطاء لا يمكن أن يُفهم إلا من خلال الفقدان المستمر.
6. الاستنتاجات التفكيكية:
عند تفكيك القصيدة، يمكننا أن نرى كيف أن النص يبني معانيه من خلال التناقضات والصور المتعددة التي تتداخل فيها عناصر الحضور والغياب، الحنان والألم، الحياة والموت. الأم في هذه القصيدة لا تجسد فقط الحب والراحة، بل هي أيضًا رمز للألم والغياب الذي لا يمكن تجاوز ملامحه. كما أن الزمن يتجمد في لحظة انتظار لا تنتهي، ما يعكس التوتر بين العاطفة المستمرة والواقع المفقود.
في النهاية، تقدم الشاعرة في "رسائل أذار" نصًا متعدد الأبعاد يتجاوز فكرة العاطفة البسيطة، ليفتح المجال أمام القارئ لاكتشاف معانٍ أعمق عن الحب، الفقد، والذكريات، مما يعكس مفهوم التفكيك الذي يرى أن المعنى ليس ثابتًا بل هو نتاج للتناقضات المستمرة بين الكلمات والصور.
***
بقلم: كريم عبد الله – العراق