قراءات نقدية
بهيج حسن مسعود: إطلالة على قصيدة "مدَّ لي حبل جواب" للشاعر يحيى السماوي
![](/images/2/1009_yahia.jpg#joomlaImage://local-images/2/1009_yahia.jpg?width=&height=)
(مُدَّ لي حبل جـواب)
أيُّـهـا الـسِّـرُّ الـخـرافـيُّ الـذي أعـجَـزَنـي
حـتـى اسْـتـحـالْ
*
شِـبْـهَ تـفـسـيـر ٍ
لـمـعـنـى الـوهْـم ِ فـي ذاكـرة ِ الـغـيْـبِ
وقـامـوسِ الـخـيـالْ
*
يـا سـؤالا ً
كـلّـمـا فـكّـرتُ فـي مضـمـونِـه ِ
يـفـرعُ لـيْ ألـفُ سـؤالْ
*
أيُّـهـا الـسَّـهْـلُ ..
الـعـصِـيُّ ..
الـواضـحُ ..
الـغـامـضُ ..
يـا مَـنْ كـلـمـا ازدَدْتَ احْـتِـلالا ً لـيْ
حـمَـدتُ الـلـهَ وازدَدْتُ خـشـوعـا ً
وابـتِـهـالْ
*
أيُّـهـا الـمـالِـكُ والـمـمـلـوكُ ..
والـعـاقِـلُ والـمـخـبـولُ ..
والـرَّحـمَـة ُ والـنـقـمـة ُ ..
والشِركُ الحَلالْ
*
لـيـس يـعـنـيـنـي الـذي قـيـلَ
ومـا سـوف يُـقـالْ
*
فـأنـا سِـيّـانِ بـعـد الـمـوت ِ عـنـدي
أنْ تُـغـطّـيـنـي بـشـوك ٍ
أو بـزهـرِ الـبـرتـقـالْ
*
فـتـعـالَ الانَ ..
عَـمِّـدْنـي بـلـثـم ٍ
قـبـلَ أنْ يـحـمـلـنـي الـصَّـحْـبُ إلى الـقبرِ ..
تـعـالْ ..
*
فـمـتـى
هُـدهُـدُكَ الـمـوعـودُ يـأتـي
حـامـلا ً بُـشـراهُ بـالـفـردوسِ
والـخـمـر ِ البتوليِّ الـعناقيدِ
الخرافيِّ المنالْ؟
*
جَـفَّ صـوتـي
وأنـا أعـبُـرُ صـحـراءَ ظـنـونـي ..
مُـدَّ لـيْ حَـبْـلَ جـواب ٍ
مـرَّ عـامـانِ ..
وعـامٌ ..
ثـمَّ عقدٌ ..
وأنـا الـمـرمِـيُّ فـي بـئـر ِ الـسُّـؤالْ
*
مـا الـذي أنـبَـضـنـي؟
مَـنْ دَجَّـن َ الـذئـبَ بـغـابـاتـي
فـأضـحـى
حـارسَ الـوردِ
وعـبـدا ً لـلـغـزالْ؟
*
فـأنـا كـنـتُ رمـيـمـا ً ..
لم أكـن أعـرفُ لـلـمِـحـرابِ مـعـنـى ..
وكـؤوسـي لم تـكـن تـنـهـلُ
إلآ
مـن يـنـابـيـع ِ الـضَّـلالْ
*
كـيـف أصْـبَـحْـتُ إمـامـا ً
فـأؤمّ الـطـيـرَ والأنهـارَ والأزهـارَ
إنْ كَـبَّـرَ عـصـفـورٌ
ونـادى لـصـلاة ِ الـعِـشـقِ " صـوفـائـيـلُ " ..
تـغـدو قِـبـلـتـي الأولـى
وأغـدو
لـلـمُـصـلّـيـن " بِـلالْ "؟
*
ودلـيـلا ً
فـي مَـزاراتِ مـجـانـيـن ِ الـهـوى ..
مُـفـتـي ديـار ِ الـوجـدِ ..
نـاطـورَ بـسـاتـيـن ِ الـوصـالْ؟
*
وأمـيـرَ الـجـنِّ فـي مـمـلـكـة ِ الأنـسِ ..
وقـاضـي الـعـدلِ
فـي مـحـكـمـة ِ الـعُـشـبِ ..
وجلادَ لـصـوصِ الـمـطـرِ الأخـضـر ِ ..
كـيـف اشـتـعَـلَ الـرّأسُ هُـيـامـا ً
بكَ يـا ذاتَ الـجـلالْ؟
*
كـيـفَ أصْـبَـحْـتُ بـشـيـرا ً بـالـمـواويـل ِ ..
نـذيـرا ً لـلأحـابـيـل ِ ..
نـديـمـا ً لـلـقـنـاديـل ِ ..
هَـزوءا ً بالمـجـاهـيـل ِ ..
ولـيَّ الـعـهـدِ فـي مـمـلـكـة ِ الـحـزنِ
وفلاحَ بـسـاتـيـنِ الـخـيـالْ؟
*
أزرعُ الـغـيـمَ
فـأجـنـي الـضّـوءَ
والـمـاءَ الـزُّلالْ
*
والـحـصـى أغـرسُـهُ فـي واحـة ِ الـحُـلـم ِ
فـيـغـدو
حـيـن تـسـقـيـنـي طِـلا الـلـثـم ِ
عـنـاقـيـدَ يـواقـيـتَ ..
وتـفـاحـا ً ..
وأعـذاقَ لآلْ
*
تُـشـمِـسُ الـلـيـلَ إذا تـعـرى
وتـرمـي عـن مَـرايـا الـجـيـدِ شـالا ً ..
و " حِـجـابـا ً " عـن ضُـحـى الـوجـهِ البتوليِّ
فـتـغـتـاظ ُ الـفـوانـيـسُ ..
فـنــلـهـو:
نـجـمـةً مـلـعـبُـهـا حُـضـنُ هِـلالْ
*
فـتـعـالْ
*
لـكَ عـنـدي غـابة ٌ مـن شـجَـرِ الـعـشـقِ
ونـهـرٌ مـن جـنـون ٍ
وسـمـاواتُ دَلالْ ..
***
يحيى السماوي
.......................
قصيدة تعجُّ بالرمزية والصوفية والإنزياحات اللغوية، وتتناول ثيمات الوجود ، والحيرة الوجودية، والبحث عن الذات في خضمّ التناقضات. ليتنا نستطيع الغوص في تحليلها؟! فلننظر إلى هذه الحيرة الوجودية حين يعبّر الشاعر عن تساؤلات وجودية عميقة بقوله: ما الَّذِي أَنبضني؟ كيف أَصبحت؟ وكأنه يحاول فك لغز وجوده وتحولاته من "رميم" إلى إمامٍ روحيّ.
ولننظر لهذه التناقضات الظاهرة في النص: (المالك/المملوك، العاقل/المخبول، الرحمة/النقمة...) والتي تعكس صراع الذات مع تناقضات الوجود.
ما هذا العشق الصوفي يا شاعرنا الجميل والذي يُكرّس الحب كدينٍ بديل " صلَاة العشق، مفتِي ديار الوجد "، ويجعل من المحبوب معبودًا .
لنتوه قليلا في هذا المنفى الداخلي: "صحراء ظنونِي، بئر السؤَالْ" الرامز للعزلة والضياع في متاهات الفكر.
لا بد من الإشارة للرمزية الدينية:
"بِلَال": مؤذن النبي محمد "ص" ، هنا يصبح الشاعر "بِلَال" المصلين في معبد الحب.
"الْفردوس": جنّة العشق التي يعد بها الهدهد (رمز البشارة في الثقافة الصوفية).
الانزياحات:
- الانزياح الزمني وتداخل الأزمنة (الماضي، الحاضر، المستقبل) لتعكس تشظي الذات.
- الانزياح المكاني والإنتقال من الصحراء إلى الجنّة، ومن بساتين الوصال إلى محكمة العشب، لخلق عالمٍ سحريّ.
لا بد من الإشارة لتحوّل الذات برواية الشاعر لرحلته من الانهيار "رميم" إلى النهوض كقائدٍ روحي "إِماما"، "أَمير الْجن". هذا التحول الذي يعكس قوة الخيال في إعادة تشكيل الواقع، خاصة في سياق المنفى الذي عاشه الشاعر، حيث يصبح الشعر ملاذًا وجوديا.
مباركة هذه الخاتمة بمنحىً تفاؤلي رغم الحيرة:
"لـكَ عـنـدي غـابة ٌ مـن شـجَـرِ الـعـشـقِ
ونـهـرٌ مـن جـنـون ٍ
وسـمـاواتُ دَلالْ .."
والتي قدمتَ فيها "العشق" كغابةٍ خصبة تعوض جفاف المنفى، وتُعيد بناء عالمك الداخلي.
تقبلوا مروري بود مع للإعتذار عن الإطالة والتقصير بحق النص
***
بهيج حسن مسعود