قراءات نقدية

كريم عبد الله: قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (تحت زبد الخيال) للشاعر أحمد لمقدم

قصيدة /تحت زبد الخيال/ للشاعر المغربي أحمد لمقدم هي قصيدة تحمل طابعًا أسلوبيًا مميزًا وعبارات مشحونة بالرمزية والتصورات الخيالية. يمكننا أن نقرأ القصيدة من خلال عدة مستويات أسلوبية:

1. اللغة والأسلوب:

القصيدة تشتغل على اللغة المجازية والاستعارات المعقدة. الكلمات تحمل دلالات عميقة ومبهمة، الأمر الذي يشير إلى أن الشاعر لا يسعى إلى التعبير عن معنى مباشر بل يهتم بخلق أجواء شعرية وفكرية تتجاوز الحدود التقليدية للغة. العبارات مثل /تحت زبد الخيال/، /نُشَرِّحُ المدى حتى يُفْرِغَ قلبه في كفَّينا/، /نَخْتَرِعُ زمانًا لا يحتاجُ إلى الوجود/ كلها تُشَكّل عالمًا شعريًا مليئًا بالتساؤلات والتفكير في الوجود والزمن.

2. الرمزية والتصورات:

تتنوع الرموز في القصيدة بين الضوء والظلام، الحياة والموت، الوجود والعدم. الشاعر يعبر عن رغبة في إعادة تشكيل الواقع من خلال الخيال والمجاز. /نَصْنَعُ خَريطَةً بلا طرقات/، و/نُصْلِحُ الزمن بِشَفَراتٍ مِنْ نُورٍ/ تظهران السعي المستمر لتجاوز الواقع والبحث عن إمكانيات جديدة للمستقبل.

3. الصور الفنية:

القصيدة مليئة بالصور الفنية التي تخلق توترات بين الواقع والخيال. مثلًا، صور الطير الأعمى الذي /يحدق في الهواء/ ليبني عشه /للعدم/، أو /الجناحين/ المرسومين بـ/شَفَراتٍ من نور/. هذه الصور تنتمي إلى عالم غير واقعي مليء بالصور المتناقضة التي تعكس الشعور بالضياع والبحث عن الهوية.

4. التوتر بين الذات والآخر:

هناك حضور قوي للفرد في القصيدة، كما يتجلى في التفاعل مع الآخر. في عدة مقاطع، نرى الحيرة والبحث عن معنى للوجود بين الشاعر والمحبوبة، مثل المقاطع التي يتحدث فيها عن التائهة /كحبرٍ ينزف بين السطور/، وعن العلاقة بين الذات والآخر المتجسدة في صورة /أنا وأنتِ قد نكون حلمًا لكائنٍ أعمى/. هذه التوترات تكشف عن علاقات معقدة بين الذات والعالم المحيط.

5. الموسيقى والإيقاع:

على مستوى الموسيقى والإيقاع، تستخدم القصيدة تنويعات في التكرار (مثل /لنصنع/) مما يضيف إيقاعًا موسيقيًا يعكس الحالة الوجدانية المستمرة والتغيير في التفكير. يمكن ملاحظة كيف أن الشاعر يبني جملًا طويلة متعددة المعاني، مما يمنح القصيدة إيقاعًا متأملاً وصوفيًا.

6. التساؤلات الوجودية:

القصيدة تطرح تساؤلات وجودية عميقة مثل: /هل كنا يوماً أكثر من أثر فوق وجه الزمان؟/ وهو سؤال يشير إلى محورية الإنسان في هذا الكون وتجاوزه. التساؤلات تفتح المجال للتأمل في معاني الحياة والوجود، مما يجعل القصيدة تحمل طابعًا فلسفيًا يبحث في قضايا الوجود والغياب.

الخلاصة

قصيدة /تحت زبد الخيال/ هي تعبير شعري عن الحلم والبحث المستمر عن معنى في عالم يتسم بالتغير المستمر. أسلوبها مفعم بالرمزية، ويستند إلى لغة مليئة بالصور المجازية التي تتحدث عن الوجود والموت، والحياة والخيال. هذه القصيدة تأخذ القارئ في رحلة فكرية وشعرية تساءل الزمان والمكان، وتظل مفتوحة على العديد من التفسيرات والقراءات المختلفة.

***

بقلم: كريم عبد الله – العراق

.....................

تحت زبد الخيال

لِنَحْتَرِقَ تَحْتَ زَبَدِ الخَيَالِ، سَنَسْتَدْعِي النُّجومَ مِنْ مَخابِئِها، ونُشَرِّحُ المَدى حَتّى يُفْرِغَ قَلْبَهُ في كَفَّيْنا. سَتَنْبُتُ أَجْنِحَتُنا مِنْ أَظْهُرِ الظِّلالِ، ونَحْمِلُ حَطامَ الغُرْبَةِ كَتَمائِمَ عَلى أَعْناقِنا.

كَيْفَ نَصْنَعُ قَلْباً يُنْبِتُ الحُلْمَ؟ نَسْكُبُ الكافَ والنُّونَ فَوقَ شَفَتَيْنِ، نَخْتَرِعُ زَمَناً لا يَحْتاجُ إِلى الوُجودِ، ثُمَّ نُطْلِقُ طَيْراً أَعْمى يُحَدِّقُ فِي الهَواءِ لِيَبْني مِنْهُ عُشّاً لِلْعَدَمِ.

لِنَصْنَعَ خَريطَةً بِلا طُرُقاتٍ، حَيْثُ تُقاسِمُنا الشَّوارِعُ أَحْلامَها المُمَزَّقَةَ، وَنَجْلِسُ عَلى رُكامِ مَدينَةٍ، أَحْجارُها تُدَوِّنُ أَسْماءَنا بِصَمْتٍ.

أَنَا تائِهٌ كَحِبْرٍ يَنْزِفُ بَيْنَ السُّطورِ، وَأَنْتِ طَيْفٌ يَتَأَرْجَحُ فَوْقَ جَسَرٍ هَشّ، بَيْنَنا نُقْطَةُ وَهْمٍ تُحاوِلُ الفِرارَ، وَبَيْنَ أَضْلاعِنا تُفّاحَةٌ تَبْكي جَريمتَها الأُولى.

لِنَصْنَعَ لَحْناً يُراقِصُ النَّيازِكَ، سَنَسْتَعيرُ الوَتَرَ مِنْ أَصابِعِ الغُرْباءِ، نُشْعِلُ الأُغْنِيَّةَ بِنَفَسَيْنِ، وَنَزْرَعُها في أُذُنِ اللَّيْلِ حَتّى يَنامَ.

لِنَصْنَعَ شَمْساً، سَنُقْنِعُ الظَّلامَ أَنْ يَرْتَديها كَتاجٍ، وَنُزَيِّنُها بِرَمادِ الوَقْتِ، ثُمَّ نُرْسِلُها كَمَطَرٍ يَتَساقَطُ فَوقَ صَحارَى المَدى.

أَنَا وأَنْتِ قَدْ نَكونُ حُلْماً لِكائِنٍ أَعْمى، يَسْتَجيرُ بِنا مِنْ كآبَةِ الكَوْنِ، أَوْ زَبَدَيْنِ يَتَصارَعانِ فِي عَينِ بَحْرٍ مُسْتَعِرٍ.

لِنَصْنَعَ جَناحَيْنِ، نَرْسُمُهُما بِشَفَراتٍ مِنْ نُورٍ، وَنُحَلِّقُ حَتّى تُزْهِرَ الغُيومُ فِي الأَعالي، حَيْثُ لا شَيء سِوى العَدمِ يَتَراقَصُ مَعَ الرِّيحِ.

يا غَجَرِيَّةَ الخُيولِ، أَنْتِ هُناكَ، في زاوِيَةٍ غارِقَةٍ في الغِيابِ، وَأَنا هُنا، أُدَوِّنُ أَشْباحَنا في دَفاتِرِ السُّؤالِ: هَلْ كُنّا يوماً أَكْثَرَ مِنْ أَثَرٍ فَوقَ وَجْهِ الزَّمانِ؟

***

أحمد لمقدم - المملكة المغربي

 

في المثقف اليوم