قراءات نقدية
سعاد الراعي: في المديح والشكوى.. قراءة في قصيدة الشاعر يحيى السماوي
أبا الحسنين: شكوى فاطميّ
هذه القصيدة تُجسِّد أسمى تجليات الشعر العربي الأصيل (الذي نفتقده)، إذ تفيض بمشاعر الإعجاب والتبجيل نحو شخصية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. حيث يعبر الشاعر السماوي عن مكانة الامام بأسلوب شعري بليغ يزخر بالصور المشرقة والمجازات البديعة، مما يجعل النص لوحة متألقة بألوان الإجلال والعظمة. القصيدة لا تقتصر على المدح، بل تتوغل في بُعدٍ إنساني عميق يعكس شكوى النفس وحلمها بالعدل. إنها أنشودة تحتفي بمناقب الإمام الخالدة وتجسدها بإبداع متدفق بالعاطفة والروح، ما يخلّد سيرته في أفق الأدب الخالد.
القصيدة ترتقي في مديح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى مستوى رفيع من التعابير الشعرية، حيث يمزج الشاعر بين التصوير الفني العميق والرمزية المدهشة، مُبرزًا أبعادًا متعددة من شخصية الإمام: الشجاعة، الطهارة، والعدل.
ففي البيت:
"فلستُ بمادحٍ شمسًا بقولي
تفيضُ سنىً فطبعُ الشمسِ رفدُ"
يرتقي الشاعر بالمديح إلى مقام الكمال، فيُشبه الإمام بالشمس التي تمنح نورها بلا مقابل، في استعارة تجمع بين الديمومة والكرم، وهو تشبيه يرمز إلى القوة والعظمة والإشراق، مؤكدًا أن الصفات السامية للإمام تُدرك بالحسّ لا بالكلمات. إذ يشبّه الإمام بالشمس التي تُشرق نورًا لا ينضب.
أما قوله:
"ومن ـ إلآكَ ـ بينَ الخلقِ شقَّتْ
جدارًا كعبةٌ ليقومَ مهدُ"
فهو تصوير يفيض بالرهبة والجلال، إذ يُبرز ولادة الإمام داخل الكعبة كحدثٍ فريد يجمع بين البعد الإلهي والرمزية التاريخية، في إشارة إلى طهارة الأصل وعلو الشأن.
وفي البيت:
"وُلِدتَ مُطهّرًا في خيرِ بيتٍ
وخيرُ الخلقِ منهُ عليكَ بردُ"
يتجلى الربط بين الإمام علي والرسول الأعظم محمد ﷺ في أسمى صور التلاحم الروحي، مما يُبرز الشاعر نقاء الإمام من خلال ارتباطه بالبيت النبوي، حيث يحتفي بطهارته وصفاء سيرته، مما يعكس صورة تكاملية تجمع بين السمو الشخصي والارتباط النبوي.
القصيدة تُثريها موسيقى بحر الكامل، بما يحمله من إيقاع متدفق يُبرز المضمون الفخم. القافية المُنتهية بـ "الدال" تُضفي ثباتًا على النص، فيما تتألق البلاغة عبر المحسنات البديعية كالجناس في:
"وأنتَ برودهُ إنْ شبَّ جمرٌ
وأنتَ لهيبهُ إنْ ضجَّ بردُ"
الذي يعكس التكامل في شخصية الإمام، بوصفه مصدر الأمان والحزم معًا.
وتمتد المعاني إلى نقد الواقع، حيث يصف الشاعر فساد الأمة في:
"أبالسةٌ ـ وإنْ صلّوا وصاموا ـ
وحفَّ بركبهمْ حرسٌ وجندُ"
ويبرز حاجتها إلى قيادة رشيدة تُجسّد قيم الإمام، كما في:
"فما نفعُ الكتائبِ دون حزمٍ
يسيرُ بها غداةَ يَحينُ جدُّ"
ليؤكد أهمية القيادة التي تتسم بالعدل والحزم في استعادة المجد.
القصيدة تقف شامخة في مديح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، حيث استحضر الشاعر أسمى القيم والمآثر التي تجسّد مكانته السامية. تجسد الأبيات مشاهد فنية عميقة، تمزج بين الرمز والواقع، وتبني للإمام صورة مثالية تستند إلى المجد والعدل والشجاعة
كما وتتسم بجزالة لغوية وتراكيب متينة، حيث تتدفق القوافي بسلاسة، معززة إيقاعًا موسيقيًا محكمًا. الصور البلاغية تنبض بالحياة، مثل قوله:
"فأنتَ الشمسُ لكن لا غروبٌ"،
و"عيدُكَ وحدَهُ للظلمِ وعدٌ"،
ما يمنح النص قوة تعبيرية متفردة. تكرار استخدام المفارقات (الشمس بلا غروب، والحدّ بلا حدود) يعكس طبيعة الإمام الفريدة التي تتجاوز المألوف.
كما لم ينس الشاعر ان يتناول قضية العدالة من منظور إنساني عميق، مؤكدًا على استقامة الإمام ورفضه للظلم.
القصيدة تُبرز الجانب الإنساني للإمام، فهو الشجاع والرحيم، الذي يُغيث المظلوم ويرد كيد الظالم. فيقول: "وإنْ عطشَ النميرُ فأنتَ وردُ"،
وهو تصوير يضهر شخصيته كمصدر للخير والحياة.
القصيدة تُجسّد تحفة شعرية متألقة تجمع بين الجزالة الفنية والرمزية العميقة، فتُبرز شموخ الإمام علي عليه السلام في صورة مشرقة تُحيطها العظمة والجلال. يُظهر الشاعر براعته في المزج بين الوصف الحسي والمجاز، مستحضرًا فيضًا من المعاني التي تؤكد مكانة الإمام كرمز للعدل والطهر والشجاعة. الموسيقى الشعرية المنسجمة تُضيف وقارًا للنص، فيما تفتح الأبيات أفق التأمل لاستلهام قيمه النبيلة، لتكون نبراسًا لإصلاح المجتمعات والتمسك بمبادئ الحق.
***
سعاد الراعي
.................
للاطلاع على قصيدة الشاعر يحيى السماوي
https://almothaqaf.org/nesos/979049