قراءات نقدية
كريم عبد الله: قراءة تحليلية فلسفية في قصيدة: خارج ظلي الممتلئ بي"
للشاعرة: احلام البياتي- العراق.
ظلٌّ يلاحقني: تأملات في أسرار الهوية والوجود
***
القصيدة:
خارج ظلي الممتلئ بي
في الحقيقة ذلك هو ظلي الذي يسبقني، طالما أزعجني في أوقات العتمة أبحث عنه في كل حدودي يلعب معي الغميضة، فأنادي أينك اللاهث خلفي وأمامي تمحوك غيمة عابرة ترعد وتبرق وتهز الأرجاء، فتختفي بتدوينات تخفيها حتى سطوع ساعتي المتمردة فأجدك شامخا بحروف مسطرة في قوقعتي التي تعلوني، ثم تهطل بلا هوادة وتحت أنين الروح الخافت القابع في زاوية ما من حدودي التي يجتاحها الظلام أحيانا ثم أرجعها بلملمة الفوضى ودفعها بميلٍ يتكتك بنبضي المتسارع لتسوير والحفاظ على خارطتي المتماسكة دون اجتياح.
***
احلام البياتي
.................
القراءة:
قصيدة / خارج ظلي الممتلئ بي/ هي رحلة تأملية فلسفية تبحث في العلاقة بين الذات وظلها، وتستكشف أبعاد الهوية والوجود في صراع دائم بين النور والظلام، بين الإغواء بالضياع والتمسك بالتماسك الداخلي. من خلال لغة رمزية غنية بالصور الشعرية، تقوم الشاعرة أحلام البياتي بإعادة صياغة مفهوم الظل والعلاقة الإنسانية معه، مسلطة الضوء على المدى الذي يمكن أن يصل إليه الشعور بالضياع والتشتت، ثم البحث المستمر عن تجميع الذات في ظل العواصف الداخلية.
1. الظل كرمزية للذات والتشتت
الظل في القصيدة ليس مجرد صورة مرئية تابعة للجسد، بل هو كيان مستقل يمثل الجوانب المخفية من الذات. يلاحق الشاعرة ويسبقها، ليشكل وجودها المتناقض بين الحضور والغياب. في قولها: / ذلك هو ظلي الذي يسبقني/، يظهر الظل ككائن يتواجد قبل أن تدركه الذات، مما يعكس حالة من الإحساس بالتمزق والضياع في عالم تتداخل فيه الحدود بين الحقيقية والمزيفة، بين الوجود والعدم. الشاعرة ترى في الظل شيئًا مزعجًا، لكنّه في نفس الوقت جزءٌ لا يتجزأ من كينونتها التي لا يمكنها الهروب منها.
2. الظل والتحدي الوجودي: الغموض والفوضى الداخلية
تتساءل الشاعرة عن مكان ظلها، في مشهد يتنقل فيه بين البحث عنه والقلق من عدم وجوده في لحظات معينة. / أبحث عنه في كل حدودي / و / يختفي بتدوينات تخفيها حتى سطوع ساعتي المتمردة / هما علامتان على حالة من القلق الوجودي، حيث يصبح الظل في بعض اللحظات غير قابل للرصد، مما يخلق شعورًا بالغموض الداخلي والفوضى الوجودية. وجوده الغامض يعني أن الشاعرة لا تستطيع التحكم فيه بالكامل، وبالتالي هو تعبير عن تشتت الذات وانعدام اليقين. تزاوج هذه الحالة بين الشعور بالانفصال عن الذات من جهة، والتمسك بالبحث المستمر عن التوازن الداخلي من جهة أخرى.
3. الظل كمرآة للروح: مناقشة الضوء والظلام
المقطع الذي تقول فيه الشاعرة: / تحت أنين الروح الخافت القابع في زاوية ما من حدودي/ يظهر الظل كمرآة للروح التي تبحث عن تسوية بين أضدادها، بين النور والظلام. أنين الروح يدل على التوتر النفسي الناتج عن التناقض بين الرغبة في التماسك الداخلي وبين مقاومة هذا التماسك بفعل التشويش الذي يسببه الظلام الخارجي. يمكن فهم هذا الصراع على أنه انعكاس للألم الوجودي الذي يصاحب الإنسان في سعيه المستمر لفهم ذاته في عالم مليء بالضباب والشكوك.
4. إعادة التوازن: الحفاظ على الخارطة الداخلية
على الرغم من الصراع بين الظل والنور، تنتهي القصيدة بنبرة من المقاومة والإصرار على الحفاظ على التماسك الداخلي: / ثم أرجعها بلملمة الفوضى ودفعها بميلٍ يتكتك بنبضي المتسارع لتسوير والحفاظ على خارطتي المتماسكة /. يشير هذا إلى قدرة الشاعرة على إعادة تشكيل نفسها، رغم الفوضى الداخلية. تصبح الذات القادرة على / إرجاع / الفوضى وحفظ خارطتها المتماسكة رمزًا للقدرة الإنسانية على المقاومة والترميم في ظل التحديات الوجودية المستمرة.
5. البحث عن الهوية والتحدي الوجودي
يُظهر النص بأسره التحدي الوجودي الذي يعيشه الإنسان في سعيه نحو التعرف على نفسه. الظل يمثل ذلك الجانب المظلم من الشخصية الذي لا يمكن الهروب منه، وفي ذات الوقت هو جزء أساسي من الهوية. الشاعرة تتنقل بين لحظات من الضعف والشك، لكنها في النهاية تجد طريقها إلى إعادة بناء نفسها، محتفظة بوعيها العميق عن أن الظل لا يزال حاضرًا. هذا الصراع بين الهروب والاحتضان يمثل جانبًا من رحلة الذات الإنسانية نحو تحقيق الانسجام الداخلي.
6. خاتمة: الظل كوسيلة لتأكيد الذات
في الختام، يمكن القول أن قصيدة / خارج ظلي الممتلئ بي/ ليست مجرد تأمل في العلاقة بين الذات وظلها، بل هي تمثيل حيوي للصراع الداخلي الذي يعيشه الفرد في سعيه نحو التوازن. الشاعرة تأخذنا في رحلة فلسفية إلى أعماق الروح الإنسانية، مستعرضةً خيبات الأمل، والظلام الذي قد يحيط بنا، ولكنها تنتهي بحالة من القوة الداخلية والقدرة على إعادة بناء الذات. الظل في هذه القصيدة لا يمثل العدم أو الفراغ، بل هو العنصر الذي يكشف عن وجودنا الحقيقي ويشكل جزءًا أساسيًا من صراعنا الوجودي الأبدي.
***
بقلم: كريم عبدالله – العراق