قراءات نقدية

زهير ياسين شليبه: التشابه "التايبولوجي" النمطي في الآداب والنتاجات الأدبية

وهي علاقات "تايبولوجية" نمطية موضوعية، تَشابُهات أو سمات مشتركة بين الظواهرالأدبية المختلفة، (مثل الأعمال الأدبية وأساليب الكتّاب والتيارات الأدبية وآداب مختلف العصور)، وهي مرتبطة ومحددة بظروف الواقع الاجتماعي والفكري، التي تحيط بالكاتب، وتظهر هذه الصلات بغض النظر عن وعي الأدباء لها. يجب أن نميز بين العلاقات التتابعية المنشأية (مثل ترسخ الواقعية من خلال الرومانسية) وبين العلاقات الأدبية المتبادلة بين الكتّاب التي تتم بوعي منهم، مثل علاقة الشاعر الإنجليزي المعروف بايرون بالشاعر الروسي بوشكين.

ومن الضروري تحديد العلاقات النمطية لأنها تغنى الناقد في تعيين قوانين التطور الاجتماعي والتاريخي، التي يمر بها الأدب، ولأن الظروف الاجتماعية والتاريخية المتشابهة تخلق بدورها أعمالاً أدبية متشابهة مثل الاتجاهات والتيارات الأدبية المتشابهة أيضًا. وعند أخذ العلاقات التاريخية – النمطية ودراستها وتحليلها، نرى أن “التأثيرات الأدبية” تمتلك أهمية ثانوية، وبخاصة عند دراسة العملية الإبداعية. هذا من ناحية، ومن جهة أخرى نلاحظ أن العلاقات النمطية تساعد الباحث في أغلب الحالات، على تمييز السمات الذاتية والخاصة، فإن مقارنة أعمال تورغيينيف مثلاً بنتاجات غونتشاروف تعطي نتائجَ كثيرةً جدًا على عكس مقارنة الأول مثلا بأعمال كاتب روسي آخر هو سالطيكوف شدرين، أو أي كاتب آخر من ممثلي الواقعية النقدية.

إن العلاقات (الصلات) النمطية تظهر بطرق متنوعة للغاية ولأسباب كثيرة، إمّا بسبب ارتباطات تاريخية ملموسه، أو لأسباب تتحدد في الانتماءات الزمانية والفكرية التي ينحدر منها الكتّاب، وهي هنا تتسم بوجود أوجه شبه موضوعية وبتقارب لا جدال فيه. كذلك تظهر العلاقات النمطية بسبب التطور اللولبي للأدب، مثل ترسخ الواقعية النقدية والواقعية الاشتراكية والرومانسية في بداية القرن التاسع عشر حتى نهايته، أو تطور العديد من الكتّاب في بداية القرن التاسع عشر وتحولهم من الرومانسية إلى الواقعية النقدية، أو تحول بعض الكتّاب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من الرومانسية الجديدة إلى الواقعية الاشتراكية والخ. وتتجسد العلاقات النمطية أيضًا بظهور أعمال أدبية متشابهة، بل ومتطابقه تقريبا في آداب مختلف الشعوب مثل “أُنشودة رولاند، (قصة رولاند) ق 11” الأوروبية المكرسة للقائد العسكري رولاند (ت 778) مادة خصبة لأدب القرون الوسطى وأدب عصر النهضة، و” قصة إيغورييف” الروسيه، أو أعمال ديدرو وليسينغ وبلزاك وتيكيري ودودو وديكنز وغيرهم. وقد حددت الأبحاث النظرية والأدبية التاريخيه سمات الاتجاهات الأدبية (مثل الكلاسيكية والوجدانيه وغيرهما)، على أنها خصائص عامه لأعمال كتّاب معينين في القرن الثامن عشر فحسب، إلا أن هذه التعميمات اتسمت في الحقيقة بطابع على الرغم من أن النقد الأدبي آنذاك لم يستخدم مصطلح نمطية “تايبولوجيا”.

ولقد انشغل الأدب المقارن بدراسة العلاقات (مثل كتاب: تاريخ الأدب الفني 1814 للدكتور جون كولِن دنلوب.

ومقدمة الترجمة الألمانية لكتاب بانشاتتري 1859، ومن بعدهما الناقد الأدبي السوفييتي الراحل ألكسندر فيسيلوفسكي وأوليبريخت وكيلر وغيرهم. هذا وإن الأعمال النقدية الأوربية الغربية المعاصرة مشبعة بالنزعة المقارنة.

ورغم أهمية الملاحظات النقدية التي قدمها ممثلو المنهج المقارن في مجال العلاقات النمطيه، إلا أنها تعاني من نقص كبير أعاق ولا يزال يعيق هؤلاء النقاد من بيان قوانين تطورالأدب وكشفها. ويكمن هذا النقص في الاهتمام بتقارب بعض عناصر العمل الفني كالمضمون السردي والفكري والتغاضى عن الأسس التاريخية الملموسة للظواهر المتقاربة (المتشابهة).

ويمكن ملاحظة حضور تقاليد النقد الأدبي المقارن في هذا المجال في البنيوية المعاصرة أيضا. فقد أولى كل من كونراد وجيرمونسكي أهمية كبيرة لمسائل النمطية (التايبولوجيا) الفنية، التي تأخذ بنظر الاعتبار تمام بناء الظواهر الأدبية والأسباب التاريخية لظهورها وهناك ثلاثة مبادئ رئيسة لدراسة العلاقات النمطية، وهي:

1- ضرورة كشف الأسباب التاريخية للتقارب النمطي (التشابه).

2- لا بدّ من تحديد العلاقات النمطية بين ظواهر أدبيه متكاملة (مثل الأعمال الأدبية، الأساليب والاتجاهات).

3- من الضروري إيجاد تشابهات نمطية لا في الأدب القومي الواحد، بل في عدة آداب قومية لمختلف الشعوب.

إن الدراسة النمطية في مجال الاتجاهات الأدبية تعتبر أكثر منطقية وعقلانية ومستقبليه، فدرست مسائل أدبية مثل طابع تطور الواقعية في الأدب العالمي (مثل واقعية عصر النهضة، الواقعية التنويرية، الواقعية الاشتراكية). أخيرا فإن كونراد استطاع بأبحاثه العديدة بيان العلاقات الأدبية النمطية التايبولوجية.

***

الدكتور زهير ياسين شليبه

...............

* مصطلح: التشابه "التايبولوجي" النمطي، أنظر:  قاموس المصطلحات الأدبية، موسكو، 1974

أو: التشابه النمطي المقارِن. ويُقصد بالتايبولوجيا (أو النمطية) هنا تصنيف الظواهر حسب الخصائص الأساسية.

يُستخدم هذا المصطلح في النقد الأدبي الروسي المقارنِ ويعتمد على مفهوم النمطية الموضوعية (التايبولوجيا الموضوعية) كوحدات تقسيم الواقع المدروس، والنموذج المثالي الملموس للأشياء المتطوّرة تاريخياً.

وهي ايضاً فروع العلوم التي تتناول تحديد الأنواع المتشابهة بشكل موضوعي حسب خصائصها الداخلية أو الخارجية للظواهر أوالأشياء. والمقصود هنا مقارنة الظواهر الأدبية مثل اللغات والتيارات والمدارس والنتاجات الأدبية في مختلف بقاع العالم، وليس المعبّر عنها بلغةٍ واحدةٍ.

 

في المثقف اليوم