قراءات نقدية
حيدر عبد الرضا: دراسة في رواية (صخرة طانيوس) للكاتب أمين معلوف
أسطرة مكونات السرد وحكاية الواقع المؤسطر
توطئة: لعل رواية (صخرة طانيوس) للروائي القدير المبدع أمين معلوف من الأعمال الروائية التي تحتل لذاتها ذلك الانفتاح السردي بين قطبي (التاريخ - الاسطورة)لذا فإنها تجسد عملية (الحكي التكويني؟) المتمثل في ممهدات (القص ما قبل الرواية؟) كذلك فهو القص في طريقه إلى إنشاء حكاية روائية موصولة ما بين نقطتي (التاريخ - الأسطورة) وصوﻻ إلى حاﻻت من التشكيلات التعقيبية من قبل السارد المشارك الذي راح يتعامل مع مادة الحكي من خلال مواقف ذاكراتية لها جذورها الممتدة في عمق التمثيل التاريخي للضاحية ورموزها المغروسة في علائق زمكانية مطردة في إلانتاج والتجوهر داخل تلك الاحياز المؤسطرة من مادة الأشياء والذوات والسياقات والأدارة المرجعية التي تحددها مخطوطة علاماتية غارقة فيها العديد من الوصايا والأسماء والأدوار العاملية .
١- مسميات الصخور وملحمة الطفولة الرائية:
ﻻ شك أن علاقات الأفعال المحكية في السرد الروائي بدأت من مواطن (الأنسنة المغايرة؟) لمعاجم وموارد وسياقات تسمية الأشياء الموضعية ضمن حدوثات حبكوية تتصل وهوية الدور الذي تترتب عليه طبيعة ذلك النوع الفرضي من المسمى. فمن خلال آلية صوت السارد نتعرف على مرابع طفولة السارد المشارك الذي سيغدو تجسيدا للحكي المرسل بطريقة العرض المسرود المباشر كقوله:(للصخور اسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور .. فهناك المركب، ورأس الدب، والكمين، والجدار، وكذلك التوأمان المعروفان ببزاز الغول .. وهناك تحديدا صخرة العسكر التي كان الجنود يرابطون عندها حين تطارد الكتيبة العصاة . /ص٩ الرواية) لعل هنا ما يجعلنا نتعرف على طبيعة البذرة النواتية الأولى من المسرود، خصوصا وأن ماهية الحكي جارية كصوتا يسعى إلى صياغة مشاريع المسميات ورموزها عبر نماذج لها كل التعالق والعلاقة مع خلفية (السارد المشارك - المشهد السياقي) بلوغا نحو مراجعة الأوليات المحفوظة في سجل هذه الضيعة من خلاصات ذات وشائج وطيدة وهوية وموقع وصوت السارد المشارك . فمثلا نعاين بأن مرجحات الثيمة الموضوعية تتركز في فحوى تلك الجملة من الصخور وماهية مسمياتها التي ترتبط وطبيعة الزمكانية لجذور الضيعة والشخصية الساردة، وهذا الأمر ما راح بدوره يوفر للرواية ثمة مؤشرات مؤولة يكون حاصل إنتاجها مجموعة دﻻﻻت مؤسطرة - مؤنسنة، تمنح المستهل الإمكاني الأولي من الحكي قابلية ورود وقائع الأنموذج وتتقاطع معه في عدة وحدات من ذات الإطار في التسمية ودﻻئلها الواقعية المؤسطرة . وعلى هذا الوجه هل يمكننا الحديث عن مجموعة الصخور القناعية الواردة في الزمكانية الروائية على إنها الخلفيات النموذجية في دﻻئل الوقائع الحدثية؟ أم أن الطبيعة التاريخية للكائن الجيلوجي هو المستودع الباطني والظاهري في صيغة خطاب العناصر العلائقية في الرواية؟ . يرد لنا صوت السارد متراوحا بين (علاقة طفولة - خطاب مونولوجي - حوارية كائن - خارج وداخل مخطوطة) أو ذلك المستوى من (المرسل إليه ساردا؟) فكأن سياق السارد القيمة الوسطية الواقعة ما بين (ضمير المتكلم - جهات السرد - ممكنات السارد) ومما يثير الانتباه هو حجم العلاقة ما بين المستويين أن تدخل السارد الخارجي لا يكون أحيانا إﻻ في شكل وقفات تعاقبية فيما يقع المستوى الآخر بضمير المتكلم (على لسان طفولة السارد ذاته؟) وهذا الأمر الأخير هو من المواجهة بالنسبة للسارد ولثام الطفولة في حين لحظته الممكنة:(أبصر في الحلم طبيعة طفولتي، تتراءى أمام ناظري صخرة أخرى ... تلوح كمقعد جليل، متقعر، كأنه اهترأ في موقع المؤخرة - وهي الصخرة الوحيدة التي تحمل على ما أظن أسم رجل،صخرة طانيوس .. لطالما تأملت ذلك العرش الحجري ولم اجروء على ملامسته . ليس خوفاً من الخطر، ففي الضيعة، كانت الصخور مرتع لهونا المفضل، وقد اعتدت في طفولتي، على تحدي أترابي الأكبر مني سنا، والمجازفة بتسلق أخطر الصخور . ص٩ الرواية) .
٢- الصلة الدﻻلية بين السارد والحدث الرئيسي:
ﻻ شك ان القارئ يلاحظ ان هذه الوحدات المحكية من زمن السارد المشارك، ما هي إلا متعلقات مركزية مثبتة في جملة مؤديات تحكي قصة الصخور في الضيعة، فالسارد من خلالها بدا محايداً مبدئياً إزاء موقعي (السارد طفلا - السارد قارئا = ساردين مستقلين) وعندما نتأمل العلاقة المحدد في خطاب الرواية، نعاين بأن ما يتحدث به الخطاب، ﻻ يتعدى حدود علاقة شخصية ذلك الطفل الذي يجازف بتسلق الصخور، دون ان ننكر بأن هناك (ساردا شاهدا) جعل يجسد موقعه كضميرا غيابيا تاركا المجال لذلك الطفل الذي هو ذاته يتحدث طويلا عن طفولته وعلاقته بتلك الصخرة المؤسطرة:(لا، لم احجم خوفا من الانزلاق بل كان تطهيرا وعهدا، انتزعه مني جدي قبل أشهر على وفاته - كل الصخور إلا تلك الصخرة ! .. وكان الصبية الآخرون يظلون مثلي على مسافة منها ويشعرون نحوها بالرهبة المتطيرة نفسها - كان يلقب بطانيوس الكشك . وقد جلس على هذه الصخرة ثم توارى عن الانظار . /ص٩ص١٠ الرواية) ﻻ شك أن بنية الحكاية بنية ذات حكايات متفرعة ومتوازية ومتقاطعة . فحكاية هذا الطفل مع ذلك الحجر تنتهي بمحاور حكائية شاخصة في مستوى أسطرة الكون والوجود وطبيعة الأغراض الشخوصية بذلك الترابط التبئيري الذي يلعب فيه المخزون الذاكراتي المدون في المخطوطة الخضراء دورا ﻻ يتجسد للسارد سوى أن يكون شاهداً ومرسلاً إليه من خلال ما تمليه عليه حكايا تلك المخطوطة .
٣- المخطوطات الثلاثة وغرائبية غياب طانيوس:
إن طبيعة الشخصيات في رواية (صخرة طانيوس)ذات ملامح أسطورية منتقاة عن طريق الخطاب المروي، لذا بدت وكأنها كائنات ملفعة بأشد الاوضاع دورا في إكمال ملامح حركية شخوصية تختزن هيئاتها وسلوكها رؤى الحكواتي المشحون برغبة إيصال المادة التأريخية بروح الكينونات القائمة على وتيرة الشد والجذب والتقديم والتأخير لما هو أكثر إجلالاً في حوادث تلك الحكايا المروات:(غالبا ما ذكر أمامي ذلك الرجل، بطل الكثير من الحكايات المحلية، وكان اسمه يثير فضولي - كنت أعلم أن طانيوس أحد الأسماء العامية الكثيرة لأنطوان على غرار أنطوان - وانطونيوس،ومطانيوس، وطانوس ... ولكن لم ذلك اللقب المضحك - الكشك؟ - لم يشأ جدي ان يبوح لي بالسر - كان طانيوس ابن لميا . /ص١٠ الرواية) تتناظر مترابطات الكشف والتعالق ضمن فعالية بروز توالادات الأسمائية ومحايثاتها التي تشق طريقاً مرجعيا مرموزا في شتى العقود والأعقاب الزمكانية، وصوﻻ منها إلى الهوية التحققية في محاولة تفعيل الأدوار في المسميات وإنطلاقا من عملية إغتيال البطريرك بواسطة بندقية القنصل الانكليزي:(هكذا كان جدي يتكلم حين ﻻ يرغب الرد على اسئلتي، فيلغي بشذرات الكلام كأنه يهدي إلى سبيل . / ص١٠ الرواية) وقد تكون كل السبل ﻻ تهدي إلى أيا منها (لقد اضطررت للانتظار سنوات طويلة قبل اكتشاف الحقيقة وما جرى)تخبرنا الرواية بأن أسم لميا كان من الذيوع والإنتشار في الضيعة نظر لذلك القول الشعبي الدارج (لميا .. لميا .. كيف بتخبي هالحلا؟) وعلى هذا الوجه صار حتمي في الايام الراهنة من زمن أحوال الرواية .
٤- جبرايل والشغف بتواريخ ذاكرة الضيعة:
إن ما يميز الواقع التأريخي دليلا وتوليفا ونمذجة، هو ذلك الطابع من المزاوجة في مزامنة (الحتمية المصدرية - الإرادة التخييلية) لذا فإن أوجه الأهمية تبقى ضمن مدارات سياقية مشبعة بروح المعالجة الإنتاجية في مستويات (الزمكانية - الذوات الشخوصية) حيث سيتحول ما كان مرجعا ووثيقة إلى مبأرٕ في مستوى الإنتاج المتخيل . وقد شاءت إرادة السارد المشارك ومن وراءه المؤلف أن يلقي أحد طرفي (التأرخة - التخييل)في الجانب الأكثر خطابا وبلاغاً،ذلك عملا بما يقتضيه خطاب الحكاية السياقية من مشخصات وقائعية أكثر تفعيلا لأدوار الأدلة السردية في النص، وتبعا لهذا تواجهنا تحصيلات السارد موضحا ومعللا ما كانت تخفيه لميا عن انظار الناس في الضيعة، لقد كان السارد المشارك ذو همة واسعة في تقص الاخبار والأحداث الأكثر خفاء فيما يتعلق وحياة لميا الصورية، ولكونه كان يدون ما يسمعه أو ما كان يخبره به جبرايل توصل إلى حقيقة كون هناك مخطوطات ثلاثة تتحدث عن طانيوس، وخصوصا ان أصحاب هذه المخطوطات كانوا ممن يعرفون طانيوس عن كثب، ولكن هنالك مخطوطة وهي الثالثة كانت أكثر حداثة ووثوقية، كان مؤلفها ذلك القس الذي توفى غداة الحرب العالمية الأولى، وهو ما كان يطلق عليه ب (الراهب إلياس كفريبدا)و كغريبدا هو اسم الضيعة - وكانت تعني هذه التسمية ب (أخبار الجبل) وقد تخبرنا الرواية عن لسان حال السارد: (كان كتابا غريبا، وفريدا، ومحيرا .. ففي بعض صفحاته كانت النبرة ذاتية، يتحمس فيها اليراع ويفلت من عقاله، فينطلق الأسلوب ويسترسل .. ثم وعلى حين غرة ينكفىء الراهب، كأنه خشي إرتكاب إثم الغرور . /ص١٢ الرواية)و الغريب في موضوع هذا الكتاب الذي قام السارد المشارك بمطالعته من التوطئة وحتى الختام، أنه كان يوجه إلى السارد مثل هذا القول القصدي:(أنت الذي سوف تقرأ كتابي ./ص١٣ الرواية)
- الكتاب الأخضر ورحلة المخطوطة الغوائية
١- الجمل التصديرية وسلطة موجهات الرمز:
لقد تابعنا سلفا في كتاب (عتبات) لجيرار جنيت ما تحدث عنه حول (التصديرات التوجيهية) التي تقع عادة بين مداخل الفصول، حيث منها ما كان ذاتيا من قبل تنصيصات الكاتب نفسه، ومنها ما كان مقتبس من متون الاساطير والملاحم، غير أننا ﻻحظنا في مداخل ما بين الفصول في رواية (صخرة طانيوس)ذلك الاقتطاع الضمني من حيز استنتاجات المؤلف الإظهارية في مدخلية كل فصل وكان أغلبها يعود إلى صلب موضوعة الرواية ذاتها . لعلنا من جهة ما لاحظنا أن طبيعة المحكي في مسرود الرواية كان ذو التبئير الداخلي الثابت، أي هو عملية اختيار السارد لذي شخصية محددة ليقدم الأحداث من خلالها. فقد سعى ما جاء تحت عنونة (العبور الأول: إغواء لميا) ذلك التصدير السردي الذي راح يستطرد في طبيعة الحياة في الضيعة، وكيف كانت محكومة من قبل ملكا اقطاعيا، حيث تعود زمنية حكمه إلى سلالة عريضة ومتينة من المشائخ: (عصر الشيخ في الزمن الحاضر، دون تحديد آخر، ﻻ تخفى على أحدهم، فقد كان ذلك الذي عاشت لميا في ظله . /ص١٧ الرواية) وتخبرنا الرواية إلى إن عشرات المقاطعات التي تجاوز فكفريبدا التي تتجاوز مساحة مقاطعته،كان يملكها الشيخ الأقطاعي فكفريبدا كانت هي الأخرى من ضمن ما يملكه ذلك الشيخ وصوﻻ إلى إمتلاك كافة حقولها، لذا كانت حدود حكميته لا تتجاوز (ثلاثمائة بيت!)و كان يعمل هذا الشيخ وأتباعه ضمن سلطة ما يسمى ب (أمير الجبل) وما تشتمل عليه مجموعة الأقاليم الأخرى بدءاً بطرابلس ودمشق وصيدا وعكا . ورغم وجود سلطة الاميركان سكان الضيعة يقدسون السلطان شيخهم الأقطاعي، ذلك لكونه ذو مقامية رصينة ومهيوبة من قبل جميع الأهالي: (كانوا يسلكون كثرا كل صباح، طريق القصر لانتظار استيقاظه من النوم .. متدافعين في الرواق الذي يفضي إلى مخدعه .. وحين يطل عليهم، تلهج حلوقهم بالأدعية التي يهمسونها همسا - كان معظمهم يحاكي زيه، سرواﻻ أسود فضفاضا - وعندما يؤوب هؤﻻء الرجال إلى بيوتهم ﻻحقا خلال النهار،يخبرون زوجاتهم: لقد رأيت يد الشيخ هذا الصباح؟ عوضا عن: قبلت يد الشيخ؟ كانوا يقبلونها ﻻ ريب وعلانية ولكنهم يأبون الاعتراف بذلك ./ص١٨ الرواية) ﻻ شك أن القارئ يلاحظ أن هذه الأمثلة تقترب من العبودية والرق، ولكنها عادات كان الناس في الضيعة قد استحسنها على قدم وساق .لعل الخطاب الروائي في مواطن الأحوال السردية، شبه متهكم وباذخ بسخرية لاذعة، وقد يكون الامر ممكننا بشكل من الأشكال . إذ لم تكن مجالات الرواية ذات مستوى خاص من لعبة الخفاء، خصوصا وان طبيعة دﻻﻻت النص تعكس الإرث الواسع من العبودية في تلك الازمنة الضاجة برحيق (السوط - الكف) وبمجرد نظرة أولية في قراءة تواريخ الاقطاعية سوف تتاح لنا معرفة الكثير عن مراحل عصيبة عاشتها الشعوب العربية في ظل هذه القوى الاحتكارية، ولكن كلامنا هذا قد يبدو مختلفا بخصوص وضع الشيخ ذات السترة الخضراء المطرزة بخيوط ذهبية، وهو يحمل صولجانا ليس لمعاقبة عصاته من الناس، بل ذلك إكماﻻ لعلامات وقاره وهيبته:(لم يكن الاقطاعي يعاقب على تنكيله برعيته، ولو صدف في نادر الأحيان أن وبخته السلطات العليا، فلأنها تعتزم التخلص منه لأسباب مختلفة - وعندما يسعف الحظ الفلاحين بسيد أقل جشعا وقسوة من سواه، يعتبرون أنفسهم محظوظين - كان ذلك هو الوضع السائد في كفريبدا، وأذكر أنني فوجئت وثارت حفيظتي، غير مرة، بسبب الود الذي كان يذكر به القرويون ذلك الشيخ وعهده ./ص١٩ الرواية) .
٢- تطويع خطاب الشخصيات لخطاب السارد:
و مما ﻻ شك فيه لاحظنا كيفية حدوث ظاهرة حين يتولى (الراوي؟) إسقاط الخطاب الاسنادي برمته ويبقى مطوعا خطاب الشخصية ليلائم خطابه نحويا وتركيبيا ودﻻليا، حتى وكأن الشخصيات في بعض الاحيان تبدو بعيدة عن مؤهلات إطلاق الكلام تماماً، كما تبقى حالة الربط بين الشخوص وصوت السارد المهيمن، وكأنها حالة تكوينية تنبع من عضوية العلاقة الخاصة والعامة في الرواية، ولكننا لو أحصينا جميع الاعمال التاريخية في الرواية، لوجدنا أن أغلبها ما يتيح للسارد العليم حرية تولي كافة الاصوات والعناصر العاملية .
- لميا والغواية بطبيعة الشيخ الشبقية
إن مشهد المقدمات الأولية من رواية (صخرة طانيوس) التي جاءتنا بوصفها الحركة في الزمنين (الذاتي = الموضوعي) وبما إن كلا الزمنين ﻻ يمكن فصلهما عن خطية الترابط في متواليات المسرود والسرد، وعلى هذا الاساس يتبين لنا أن المنظور الروائي ينطلق في تصوره للزمن النفسي والعاطفي الغرائزي من مبدأ مقاربة الطبيعة التراتيبية عبر الترابط بين دواخل الشخوص والاحداث ذات المتعلقات بالوصلة بين (الزمن - الذات)ومن خلال ديمومة بعض الصلات نتوقف على ملامح الصلة اللامباشرة حسيا وعاطفياً بين لميا وذلك الشيخ، إذ تتجلى ثمة حاﻻت شعورية لدى لميا تتعلق بمتابعة حاﻻت الشيخ الصحية التي حدثت بالمصادفة أمام تنصتات لميا له .. بل اصبحت حاﻻت الشيخ بمثابة الاهتمام لدى لميا وهي المرأة المتزوجة من إحد وكلاء الشيخ ذاته: (لربما كانت لميا تستحق بكل تأكيد زوجا أقل غثاثة،فقد كانت مرحة، ومغناجا، وعفوية، وكلما لفتت الأنظار بملاحظة نبيهة أو ضحكة مقتضبة، أو دندنت أغنية،رمقها جريس عابسا - قد يكون جريس على صواب، فلو أنها امتثلت لنصائحه، لوفرت دون شك على نفسها وعلى أهلها الكثير من المآسي،ولما أثارت في حياتها كل هذه الأقاويل - كان للشيخ على الأرجح نوايا مبيتة، إنما ﻻ يعني ذلك أن كل ابتسامة، وكل كلمة ودودة يتفوه بها كانت محسوبة . /ص٣٠ .ص٣١ الرواية) .
١- الخطاب المخاتل والمعنى الآخر:
عادة ما يكون المسرود الخطابي في وحدات الرواية (صخرة طانيوس) مخاتلا إن صح التعبير، ذلك لقدوم جملة من الوحدات على اهمية متكاثرة من الملمحات على المستوى الدﻻلي والمعنى الآخر من التحصيل كحالة مخمنة من القارئ في محاولة لربط الحقائق. أما بخصوص المؤشرات الحاصلة في نتيجة المحتملات الواردة، ما تشكل بذاتها رواجا جوانيا من حيث دﻻلة تقارب وميل لميا إلى الشيخ الأقطاعي عاطفياً: (في الواقع كانت المرأة الشابة غالبا ما تستسلم لطباعها العفوية) وعلى نحو من هذا السياق نلمح جملة أحاسيس شاردة تتكون في وحدة لميا بذاتها، ليبدأ جبرايل مؤكدًا: (كان حادثا مجرد حادث، ولكن عينيه كانتا تلمعان .. ومضى يسرد بأطناب وتنميق . /ص٣٢ الرواية) يتضح لنا في هذه الوحدات بأن السارد المشارك مازال تحت عبء قراءة المخطوطة في زاوية ما من زمنه المتخيل، لذا فهو زمن الإحالة في المتعلقات الدﻻليةالمضمرة، ومعنى هذا أن جميع محددات العلاقة الناظمة ما بين السارد وامتداد صفحات المخطوطة، ما غدا يشكل بذاته الحالة التنفيذية والمزامنة والمقيدة في منتج المؤوﻻت التعرفية فيما يتعلق بخطاطة الناظم السردي وزمنها اللامحدد في فعل الافعال المسرودة عبر عين الزمن الذي هو المرسل إليه ساردا .
- تعليق القراءة:
لعل حاﻻت الالتباس والتناقض من الشيوع في منظومة خلق نتائجية الأسباب والأغراض في بعض مواطن الرواية، فهناك عدة بناءات لم يحسن معلوف إعادة إنتاجها روائيا، لذا بقيت أشبه بحالة المراوحة بين (الاسطرة - التاريخ) . قد ﻻ ننكر أبدأ ما عليه أدوات معلوف الروائية من مثابرة ولياقة اسلوبية متينة، ولكن هناك مثالب في عملية الإقناع الاسبابي والحبكوي في متواليات صياغة العلل النصية، فما وجه هذا التقارب الفجائي بين(الشيخ = لميا) وكأنه حدث دون مبررات كافية من الشد والتدرج الموضوعي؟ ثم ما حجم هذه المادة السياقية لتشكل كل هذا التدليل المركز في جوامع النص؟ أما بخصوص تلك المخطوطات فلا يمكن ان تدون الحياة برمتها للشخوص والمصائر؟ عموما تبقى فرضيات الإنتاج عرضا في الأحوال المكانية والزمنية، ولا تعبر بمقدار حدود إرغامية على الاقتناع فيها ومن خلالها، ذلك لكونها محايثات خلطية تبدأ من (اسطرة مكونات السرد) وتنتهي ب (حكاية الواقع المؤسطر؟) فهي دﻻليا مدعمة من جوانب حسية تذكرنا بالاساطير الإغريقية ومن ناحية كونها تجربة المتخيل الروائي المنبسط بأجلى إمكانية الكتابة الروائية المتثاقفة .
***
حيدر عبد الرضا – كاتب وناقد عراقي