قراءات نقدية

غريب دوحي: البير كامو ومأساة شجرة البلوط

في يوم (1960\1\4) قطعت اذاعات العالم برامجها الاعتيادية لتذيع خبر وفاة الفيلسوف والرائي الفرنسي (البير كامو) بحادث اصطدام السيارة التي كان يستقلها بشجرة البلوط، انتشر الخبر في كل عواصم العالم لكن والدته كانت اخر من يعلم فقد كانت مصابة بضعف السمع غير ان شقيقها اعلمها بالخبر بعد جهد جهبد .

ولد البير كامو في الجزائر عام 1913 وتوفي في باريس عام 1960 ولم يكن امام مثقفي العالم كله الا ان يعلنوا الحداد الفلسفي والروحي على هذا الفيلسوف الذي كان يعاني من امراض عصره وحاول ان يعالجها كما انه كان رجل سياسة واخلاق، ناضل من اجل الحرية والعدالة وكاتبا صحفيا لقد وجد مثقفوا عصره عزاء في الثالوث المقدس الذي كان يؤمن به (كامو) وهو :العبث،التمرد، والثورة).

جاء في المعجم الفلسفي الروسي .. (ان كامو فيلسوف وروائي فرنسي وممثل للوجودية الملحدة تشكلت اراءه تحت تأثير (شوبنهاور) و(نيتشه) وتعبر فلسفته عن الضياع والقلق والعدمية، والانسان عنده في حالة عبثية دائمة ومقدر عليه ان يقوم بأنشطة لا معقولة وليس لها اي معنى ..).

وهكذا كانت ثلاثية العبث والتمرد والثورة هي المحاور الرئيسية الثلاث في فكر (كامو) حيث حاول معالجة العبث في روايته الشهيرة (اسطورة سيزف) وقد رفض كامو فكرة الانتحار ويرى ان الحياة يجب ان تعاش وان لم يكن لها معنى حيث اتهم بانه متناقض في احكامه العامة لانه استولت عليه فكرة عبث الحياة.

كان البير كامو يعشق (الجزائر) مسقط راسه وقد تصور ان مصيره قد ارتبط بها وهي كما كان يقول (تمنحني الشمس مجانا فأتمتع بالدفأ ..) وكان يهدف الى نشر حضارة جديدة يشترك فيها العرب والمستوطنون الفرنسيون فأسس فرقة مسرحية كان هو الممثل والمؤلف والمخرج معا ولكن القلق ظل يساوره فعاد الى باريس التي احتلت من قبل قوات هتلر فانضم الى حركة المقاومة السرية في باريس واتخذ شعار .. (انا اتمرد فنحن اذا موجودون) على غرار شعار (ديكارت) (انا افكر اذا انا موجود ..) حتى تحررت باريس عام 1944

حاز البير كامو على اعجاب الكثير من المفكرين الادباء والكتاب من حيث فلسفته واعماله الادبية ونظروا بعين الاهتمام والتحليل رواياته مثل :الغريب،اسطورة سيزف وغيرها وذهبوا الى العلاقة التي تربطه بالفيلسوف الفرنسي الوجودي (جان بول سارتر)من بين الذين كتبوا عنه الكاتب المصري كامل زهيري الذي ركز على مرحلة الطفولة التي مر بها هذا الفيلسوف،كتب زهيري في كتابه الموسوم (الغاضبون) (كان اغرب ما في حياة هذا الاديب انه يحب الرياضة (كرة القدم).. كان يسير وحيدا ويدرس وحيدا ويقف وحيدا وان الشيء الوحيد الذي تعود عليه البير كامو هو الوحدة منذ صباه،وكان يعيش في بيت متواضع لقد احب دراسته حبا عظيما وتعلق باول مدرس علمه الحروف الاولى في المدرسة الابتدائية الى الحد الذي جعله يهدي اليه الخطاب الذي القاه بعد اربعين عاما عندما حصل على جائزة نوبل عام 1957 .

لقد اهتم البير كامو بالشعراء والكتاب والفلاسفة واهتم بفلسفة اليونان اختار لرسالة (الدبلوم) دراسة عنوانها (العلاقة بين الفلسفة اليونانية والمسيحية) الا ان المرض منعه من اكمال دراسته واخذ يكتب بالصحف اليومية التي تصدر بالفرنسية عن الفقراء في الجزائر، وفي باريس ترأس تحرير جريدة كومبا اي (الكفاح) فكانت كتاباته عبارة عن مفاجئة لباريس وللأدب الاوربي كله، رحبت باريس بالكاتب الجديد الذي يكتب عن مأساة الانسان الحديث، لقد كان يتهم حياة الناس بانها حياة عادية سخيفة الانسان يصحو من النوم ويركب الترام ويقضي اربع ساعات في المكتب او المصنع ويتناول طعامه ثم ينام وهكذا ويمضي الاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس والجمعة بنفس الترتيب .

فأين هي الحياة الحقيقية؟ ومن هو الانسان ولماذا يعيش وماهي الغاية من الحياة ..؟

فماركس يقول ان الاقتصاد هو الذي يحرك التاريخ،فرويد يرى ان الجنس هو الذي يفسر الانسان وعندما جاء البير كامو قال ان الانسان يشبه (سيزف) بطل الاسطورة اليونانية التي تقول عليه ان يحمل صخرة كبيرة الى اعلى قمة الجبل، وهكذا فالحياة خليط من اللذة والسخف كما يراها (كامو) وتتأرجح بين المعقول واللامعقول وليس هناك شيء معقول تماما ولا مجنون تماما.

كان كامو معجبا بالطبيعة ويرجع سر اعجابه بها كما يصرح بانها لا تكذب وشريفة وان الانسان هو المخلوق الوحيد الي يرفض ان يبقى كما هو فهو وجود ومستقبل والحيوان وجود فقط)،هذا ما كتبه عنه كامل زهيري وختاما فالفيلسوف الذي عاش طوال حياته ينادي بفلسفة العبث مات بطريقة عبثية.

***

غريب دوحي

 

في المثقف اليوم