قراءات نقدية
شازاد كريم عثمان: الزمن الحقيقي في روايات غائب طعمة فرمان
اهتم الواقعيون من كتاب الرواية اهتماماً خاصاً بالزمن التاريخي وجسدوه في كتاباتهم القصصية، وهو الذي يمثل المقابل الخارجي الذي يسقطون عليه عالمهم التخيلي في نصوصهم الروائية. والزمن الحقيقي أو الواقعي هو الذي وقع فعلاً في حياة الناس خارج زمن الرواية الذي يحاول التقرب من تلك الوقائع ليخلق صلة فعالة معه وليمنح زمن الرواية بعداً واقعياً وحقيقياً حتى يكون له وقعه المؤثر في ذهن القارئ المتلقي.
إن الزمن العام في رواية (النخلة والجيران)، يدور في الحقبة الزمنية للحرب العالمية الثانية، وفي أثناء وجود الجيش الإنكليزي في العراق مع كل تأثيرات الحرب وسلبياتها، وزمن الرواية مدة محصورة بين شهر "آب" وبداية "كانون الأول"، قبل رحيل الإنكليز، أي "بدايات الأربعينيّات في القرن العشرين". والزمن الحقيقي وهو (العام) في رواية (خمسة أصوات) يمكن أن نحدده بواسطة الأحداث السياسية الموجودة فيها، والظواهر الطبيعية التي تشير إليها الرواية، وبواسطة الدلائل نعرف أن زمن الرواية هو الخمسينيات من القرن العشرين. (المدة ما قبل ثورة 14 تموز 1958)، فالقصة جرت أيام سقوط حكومة (الجمالي)، وأيام فيضان دجلة العام (1954)، وزمن الانتخابات (النيابية)، ولم يشهد تاريخ العراق الحديث انتخابات قبل ثورة 14 تموز إلا في الخمسينيّات، وفي النص، بالحوار بين الشخصيات نقرأ اسم (جبهة الاتحاد الوطني) وهذه إشارة أخرى إلى الحقبة لأن الجبهة تكونت العام 1957، حلت بعد حقبة قصيرة بعد اندلاع ثورة 14 تموز في العام 1958، والزمن في رواية (المخاض) فهو مدة ما بعد ثورة 14 تموز 1958 إلى بداية الستينيّات وهذا يمكن أن نستنتجه من العبارات الصريحة في بعض عبارات الرواية(المخاض:217،226)، فمثلاً "كل رسائلي و تساؤلاتي خلال عامين من عمر الثورة". (المخاض:14)
وعملية تحديد المدة الزمنية في رواية (القربان) ليس سهلاً، لأننا لا نرى أي دلالة نصيّه تشير إلى ذلك، ولكن بواسطة أجواء القصة (الأمكنة، والواقع الاجتماعي) نستطيع الاستنتاج أنها حدثت في الخمسينيّات وفي العهد الملكي وبداية الستينيّات، ونلاحظ في (مقهى دبش)، والكرسي الذي هو رمز للسلطة، والصراع عليه رمز للصراع على السلطة بعدما يموت صاحب الأملاك (دبش) الرجعي الديكتاتوري المتسلط على جميع العاملين وكذلك من حوله، وشدة القساوة مع ابنته (مظلومة).
إن وصية "دبش" لـ"حسن علوان"، وتسليم أملاكه له في حين لم تبلغ (مظلومة) الثامنة عشرة من عمرها يمثل الأمير عبد الإله الذي كان وصياً على عرش العراق، لأن (الملك فيصل الثاني) كان قاصراً مثل مظلومة.
إذا أخذنا بهذا التفكير تكون الأحداث قد جرت في المدة بين (1939) و(1953).
إن لا محدودية الزمن، وطبيعة الأحداث، وتطويراتها بعد موت دبش، تجعلنا نربط بين الصراعات الدائرة بين شخصيات الرواية والصراعات السياسية التي حدثت بعد ثورة 14 تموز 1958. ونستطيع أن نحدد الزمن الحقيقي في (ظلال على النافذة)، بفضل بعض المؤشرات والقرائن منها: الرواية التي كتبت العام 1978، وأحداثها جرت في بداية السبعينيّات، لأن عائلة "عبد الواحد" تسكن في حي الوشاش، وهو الحي الذي بدأ فيه البناء الجديد في نهاية الخمسينيات، وعبد الواحد اشترى قطعة الأرض في هذا الحي وتركها عشر سنوات قبل الشروع في بنائها بيتاً، واستغرق البناء سنتين وإن هذه الأسرة عاشت في بيتها الجديد ثلاث سنوات، والعائلة تعيش في حالة تمزق وانحلال في الداخل التي تجسد وضع المجتمع العراقي في الستينيّات، وكان منفساً على نفسه.
أما الزمن الحقيقي لرواية (آلام السيد معروف) فهو مجهول أيضاً، ولم نر أية إشارة زمنية، ربما لأن الرواية تخللتها موضوعات نفسية، فالموضوع صالح لكل الأزمان، وفي أي مجتمع يعاني أمراضاً اجتماعية واقتصادية، ومن إدارة بيروقراطية في مؤسسات الدولة، ويتحدث الروائي في هذه الرواية عن حياته ومعاناته وآلامه الخاصة. والزمن في رواية (المرتجى والمؤجل)، ليس واضحاً تماماً رغم وجود أدلة زمنية أيضاً، ولم يكن الزمن فيها صريحاً، ويمكن أن نحدد زمن أحداث هذه الرواية من خلال المؤشرات الموجودة في النص بشكل تقريبي، فمثلاً (قصة قطار الموت) التي حدثت العام 1963، على إثر الانقلاب العسكري ضد حكومة (عبد الكريم قاسم)، وهي محاولة لقتل مجموعة من الضباط والمناضلين، وذلك بوضعهم في قطار يحمل البضائع مغلقاً بدون نوافذ، وشحنهم من بغداد إلى السماوة، ليلاقوا حتفهم اختناقاً من شدة حر صيف العراق اللاهب، في ذلك الوقت كان عمر الصبي ثلاثة أشهر، وعندما أصيب الطفل بحادثة سيارة، ونقل للعلاج في الخارج كان لا يزال صغيراً، لدرجة أن الطبيب طلب موافقة أبيه لإجراء العملية لعدم بلوغه الثامن عشرة، أي أن زمن القصة ينحصر بين 1963-1980، والمؤشر الثاني: ما دار بين ثلة من الأصدقاء حول حازم بالعودة إلى العراق، إذ قال أحدهم: "اسمع نصيحتي حازم، سافر ما دامت الجبهة لم تلفظ أنفاسها بعد"( المرتجى والمؤجل:137)، ويقصد الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، التي عقدت بين القوى السياسية في العراق عام 1973، وانتهت عملياً عام 1978 إذ إن زمن الرواية كان في السبعينيّات. (ينظر: الزمان والمكان في روايات غائب طعمه فرمان: 155).
والزمن العام في رواية (المركب)، تبدأ أحداثها في أواخر آذار دون أن يذكر أية سنة، ينتهي خلال ثلاثة أشهر يعني في حزيران أكد ذلك (خليل) في حواره مع (رائد): "وهكذا هو الزمن يمر كالطيف يبدو لي أمس فقط كنا في سيارة (عصام) (الموسكو فيتش) منطلقين مع الشيخ للقاء المركب الذي كان يجب أن يأخذنا إلى (أم الخنازير). قال (خليل) مستغرباً: أمس فقط يبدو أنني عشت عمراً بأكمله خلال هذه الأشهر الثلاثة".(المركب:217)
ونتلمس مؤشراً آخر بواسطة الحوار الذي دار بين "رائد" :" وهكذا هو الزمن يمر كالطيف يبدو لي أمس فقط كنا في سيارة إذ يقول: "... سأقول لك من أنا، بالمناسبة أنا تركت الحزب وهو انتعاش، فوق النخل فوق، يعني لا يمكن أن اتهم بالتخاذل أو الانتهازية"(المركب:227). ويقصد (الحزب الشيوعي العراقي)، وربما يشير إلى الانتعاش النسبي في الحياة السياسية شبه العلنية، والتي لم يحدث إلا في زمنين: الأول في بداية ثورة 14 تموز 1958 وحتى 1963، والثاني خلال مدة (الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) (1973-1978). وكل المؤشرات تؤكد أن وقائع الرواية حدثت في الحقبة الثانية. فضلاً عن ذلك أن جزيرة (أم الخنازير) لم تكن عام 1959 مرفقاً سياحياً، وأن واسطة النقل (المركب) كانت مستخدمة في السبعينيات، أما في الثمانينيات فقد أنشأ جسر يربط الجزيرة بجانبي الكرخ والرصافة، وجرى الاعتناء، وبدل اسمها إلى جزيرة (الأعراس السياحية). وقد وردت عبارة أخرى تؤكد ما ذهبنا إليه: "هناك عناصر مغرضة تريد تثبيت فشل (القطاع العام)، ويقصد به قطاع الدولة كان سائداً قبل العام 1968، واستبدل بعد ذلك بـ(القطاع الاشتراكي) ومصطلح (التوجيه الاشتراكي)، كان سائداً في حقبة السبعينيات"(المركب:163).
***
د. شازاد كريم عثمان