قراءات نقدية
حيدر عبد الرضا: دراسة في رواية (العمى) لجوزيه ساراماغو
تشبعات المداليل وتحايلات مغاليق الداخل النصي
الفصل الثاني ــ المبحث (1)
توطئة:
أن أغلب ما قرأنا في آداب العقود الرومانسية وحقب الخرافات والأليغوريات وحكايا الجان ــ جميعها لم تكن سوى جملة من الأجناس والأنواع ما قبل الحداثوية والميتاحداثوية، إذ لم تؤخذ من قبل نقاد ما بعد الحداثة ذلك المأخذ في إيجاد مساحة خاصة من الغاية والأهمية، اللهم إلا من حدود تلك الإثباتات المرجعية أو الاستشهادية على نحو مفارق لجدية المواثيق في دراسة النصوص الممارس مقاربتها من ناحية موضوعية وأسلوبية. غير أن القارىء والناقد بنصوص الروائي جوزيه ساراماغو، لربما يجد ذاته إزاء عوالم تخييلية تتجاوز ملموسية التعرف الأجناسي والنوعي في ماهية هذا الأسلوب الذي وطن عليه ذاته ساراماغو في تراكيب أعماله الروائية، خصوصا ما عثرنا عليه في رواية (انقطاعات الموت) ورواية (العمى) موضع مبحثنا في عوالم الروائي الإمكانية والممكنة بطريقة ما يمكننا تأشيرها على إنها الأواصر والصلات المتراتبة في أفق الخطاب الأتفاقي الكامن في مضمرات السارد الشهودي. على إنها ذلك المظهر المتعارض وحقيقة ظاهرة خطابها الخارجي. الذي هو بذاته يشكل معطيات مرصوصة من سلسلة وقائع متكونة من اللاتحديد أو اللاوجود في تصديقات الأحوال العاملية المعتمدة شكلا وإطارا. يمكننا بالطبع تمييز النزعة الاسلوبية من جهة غاية في الموضوعية والدقة الاستدلالية حول بنيات رواية جوزيف ساراماغو، ولكن بعيدا عن الرؤية الإسقاطية والعجالة العابثة في مداولة مفردات مكوناته السردية، لذا أثرنا على دراستها في الصورة التي لامست نزعتها المتوارية خلف مؤشرات المعادل الرمزي والتحليلي والتأويلي، وصولا إلى متعلقات جوهرها الانطولوجي الذي سعى من خلاله ساراماغو إلى أن يكون مدركا للابعاد الذاتية والنفسية في حيوات الشكل والبنية والعلامة الايديولوجية في متعلقات الطابع والفحوى المجتمعية من حياة ومصير الشعوب إزاء تلك الكيانات السياسية اللامشخصة دالا ودليلا في الأواصر والصلات المتراتبة في الخطاب الاتفاقي في مضمرات السارد المنمذج.
ـــ الزمن السردي واحتمالات الأوجه المعادلة:
يثير فينا مستوى التضمين والإحالة بما لا يشكل ظهورا في صيغة الأحوال الدلالية، عبر ذلك الأفق بأتساع التأويلات حول ماهية موضوعة الطرح السردي تحديدا. أقول أن صيغة العلاقة فاعلة في شكلها التوظيفي، ولكنها بالتواصل الفعلي، بدت وكأنها حقيقية يحددها الهدف الامتدادي اللاحق من مسكونية المفترض أو المعادل من المعنى المعياري والتخييلي. تتشكل دلالات الاحوال عبر ملفوظها التركيزي حول غائية ذا حمولة موسومة بالشك والاضطراب والحمى الوهمية، وقد تكون المحددات في وسائل الأفعال والمسرود، متمثلة في الأصل الموقفي من قضية ما في الواقع المجتمعي، أو إنها الطرف الغائب من المتجلي في طموحات الفرد العاملي الذي هو أحوج للتوسع في طرح املاءات واقعه بصيغة البدائل المعادلة لانعكاس أوجه ذاته الكلية والجزئية من رهان السؤال والقلق الكبير.
1ــ إشكالية زمنية ومكانية تداخلات العمى اللاإرادي:
إقرارا يمكننا الاعتقاد بأن سياق معطيات الأحداث الروائية، قد حلت في حدود ذلك (الأفق التفارقي) وحتى لا نقول من جهتنا بأن الرواية أهدرت زمننا في ظلماء الوهم، سوف نعاين حتما أواصر القيمة الكفائية والإمكانية في وسائل ووسائط السرد، والاقتناع بمدى الاقتدار في متواترات الحكي، بما راح يمنحنا قصدية مألوفة في معاينة مستويات وآليات اللحظات الأكثر قضوية من الشك في نزوع السرد إلى الكشف الجانبي المبتسر. إن الخاصية الزمنية في ضوء معطيات الوقائع السردية في مستهل وحدات الرواية، بدت مرتهنة في مساحة تعزز البعد المكاني الذي غدا متفردا في المستهدف من ناحيتي (السياق ــ المؤول) فكم من الوقائع الجادة في مستويات النصوص، ما تتحول إلى مكونات خلفية بالتوالي الامتدادي للزمن والمكان والعامل المقصدي. إلا أن توظيف الخاصات من المكون المكاني، راح معتمدا على مقدرات الاستعادة والتخصيص في تحويل صيغة الإنتاج عبر نظام خاص من أفعال المتابعة المنتجة: (أبقى السائقون أقدامهم المتعجلة على دواسة القابض، تاركين سياراتهم في وضع الاستعداد، تتقدم للأمام، وتتراجع مثل خيول هلعة يمكنها أن تتحسس السوط الذي يوشك أن يهوي عليها ــ بعض الأشخاص يؤكدون قائلين إن هذا التأخير الذي يبدو غير مهم ظاهريا، سوف يتضاعف بفعل آلاف الإشارات المرورية الموجودة في المدينة. /ص19 الرواية) ربما من الواضح أن صيغة هذا النوع من (التعطيل = الوقوف الزمني) تتطلع إلى حالة خاصة من الوعي الذاتي إلى حقيقة ملازمة تفرضها إحالات السارد العليم بطريقة موحية إلى كلا القوة الشبيهة بقدرة المصادرة والتمثيل لهما في حقيقة مثال الطبقة الايديولوجية التي يتمتع بها إباطير الوجود السياسي، وهذه الكيفية بذاتها تصويرا نحو انغلاق كينونة الأفراد وغشاوة رؤيتهم عن رؤية الأشياء والحالات في شكلها الصريح. وربما من جهة خاصة أن حياة الفرد غدت أكثر تدرجا نحو تقاطعات الحقيقة المادية الواضحة، لذا أصبحت التمثيلات الايعائقية أكثر رؤية من صفاء الذات عبر وازعها الضمائري وجهة نظر السارد في موضع القصد المتعين في حياة الأفراد الداخلية، وهذا هو الموضع عينه الذي يبدأ منه مفهوم (العمى) عند قرارة الوعي الذاتي تبصرا، فهو العماء الانعكاسي في المكان والزمن، وبالأساس الأول في ما يتعلق في موضع الضمير الإنساني والإغفال عنه، طالما أصبحت ممارسات الأنظمة الاجتماعية شكلات من الاهتمامات بالخارج المعطى، كعلامة تعنى في ما تعنيه، الاستحالة البصرية عن رؤية المعنى القلبي واستبعاده من مزامنة الفرد لمشروع وجوده في ظل الاشارات القمعية المنتجة لحيوات أكثر عكسية لمصداقية أطروحة فطرية الإنسان: (اشتعلت الاشارة الخضراء أخيرا، فانطلقت السيارات مسرعة، لكن تبين فيما بعد أن ليس جميع السيارات انطلقت بالسرعة نفسها عند اشتعال الإشارة. /ص20 الرواية) هناك ما ينبغي أن يعلمه القارىء، بأن طبيعة مؤشرات الروائي ساراماغو، أكثر إعادة في تشييد المتضادات في التتابع الإجمالي من انطلاقة السرد، فهو، ــ أي ساراماغو ــ من أشد الكتاب استبعادا للمحاور الفعلية في ظهور الأدوار الشخوصية، لذا فإننا عادة ما نجد صوت السارد هو العلامة المتوحدة في زمن نطقها عن مواضع التحليلات للمواقف الشخوصية، كذلك أيضا ما يخص نظام ترتيب الأحداث وتواترها، وعلى هذا النحو وجدنا أغلب رواياته تتمثل ب (أطروحة المؤلف) والسارد من خلفه، شبيها بالترجيعات الحدثية والنفسية والكلامية الطافحة بالمكونات الدالة عن عوالم الشخصيات الصورية والشذرية والحلقية: (تبين الأمر حين تمكن أحدهم، أخيرا، من فتح باب سيارته ــ أنا أعمى ــ. /ص20 الرواية).
2ــ حسية الإمكان الوقائعي وغشاوة الوعي الباطن:
لعل رهانات المتحكم المعادل للصورة الأنموذجية للذات الفردية في أحوال صفة العمى الفجائي في وقائع حياة الشخوص، هي الحالة الانشطارية التي يمكننا من خلالها عد هذا الموصوف دون الصفة الحقيقية لوقوعه الفعلي، بل ما أراده التخييل، هو الكشف عن وجود حالات تعمى في هواجسها وأبصارها الباطنية وليس دون ذلك من حقيقة الظاهرة الفعلية من صفة العماء. إذن لابد وأن هناك من الدليل على أثبات حسية وحقيقة هذا العماء المثالي. ولابد من القول هنا أن السياق النصي غدا يكتسب بعدا فنطازيا قريبا من عوالم المسخ والتحول,وينطق البطل الشخوصي بهواجسه المقلقة كونه بات يشعر بعدم الرؤية، وهو الأمر الذي راح يجعل من التصور الذهني لديه بأنه على أتم الانزلاق في هاوية الغشاوة البيضاء التي تصله بالمجرد من التباعد عن الأشياء وضبابية المرأى منها: (توسل إليهم الرجل الضرير قائلا: أرجوكم، هل يستطيع أحدكم أن يأخذني إلى منزلي.. المرأة التي اقترحت أنها حالة ناجمة عن الأعصاب، هي التي اقترحت فكرة استدعاء سيارة إسعاف كي تقوم بنقل الرجل المسكين إلى المستشفى، إلا أن الرجل الكفيف أبى أن ينصت إليها، بطريقة لا ضرورة لها على الإطلاق.. كانت هنالك هممات، شعر الرجل الأعمى أن أحد الأشخاص يأخذه من ذراعه: تعال، تعال معي؟. /ص22 الرواية) تبعا لهذه الوحدات من التلفظ الخطابي، نستدل بأن حكاية الرجل الضرير، لم تأت كما يبدو عليه حال الفارض المزمن في العماء فطريا، بل أنه ذلك النوع من الضر المفاجئ، والمعاينة التأويلية في مثل هكذا حال، لربما تقودها اعتبارات وإحالات خاصة في الوضع النفسي، وليس بالضرورة أن يكون العارض عضويا، وهذا ما ندركه تحديدا، عندما يصل الرجل الضرير مقتادا بمساعدة رجلا آخر إلى قعر منزله: (كانا قد وصلا إلى مدخل المبنى السكني، تطلعت امرأتان من الجيران بفضول وهما تريان جارهما يقاد من ذراعه غير أن أيا منهما لم تفكر في طرح أي سؤال ــ هل تشكو من شيء ما في عينك. /ص24 الرواية) يتحول كلام الشخصية في هذا المشهد إلى علاقة تنافذية تجمع كلا من (السارد ــ الشخصية = تداخل الوعي) ولو أردنا معرفة مؤطرات الترتيب العلاماتي والإيحاء بنوع من العودة إلى دائرة الحكي عبر مراحل مغامرة وصول الرجل الضمير إلى منزله، لواجهتنا ثمة علامات خاصة توحي للقارىء، بأن هناك علاقة خفية بين أضواء إشارات المرور وخاصية عماء الرجل ذاته: (كان حائرا لأنهما يجب أن يبقيا في موضعهما: ــ لماذا لا تتحرك، سأل: الإشارة الضوئية حمراء؟ رد عليه الرجل الآخر. من الآن فصاعدا لن يعود يعرف متى تكون الإشارة الضوئية حمراء. /ص23 الرواية) وقد لا يتعلق الأمر بدوره هنا على كون الزمن عبر تبدلاته يطرح البداهة المباشرة في كون الرجل أصبح فعلا في حالة عمى، لذا فإنه منطقيا لا يرى بعد الآن، لا أبدا ليس الأمر هكذا فهناك وحدات في أكثر من مكان في بدايات الرواية، تعول حوله المقارنة بين عالم (الشخصيات ــ علامات المرور الضوئية) ويظهر لنا الأمر كحالة نوعية بأن دلالات (التوفق = العبور) تشكلان تأكيدا رمزيا تخص حالة العماء ظرفيا ونفسيا وسياسيا معا. وإذا أردنا معرفية رصيد الأفعال المتقدمة في فحوى هذا الشأن، لوجدنا العديد من تضاعيف هذه المرمزات قد تدخل في وجوه غريبة من حياة الشخوص في الرواية، كحال هذه النماذج من الوحدات: (اشتعلت الإشارة الخضراء أخيرا. ص20 / كانت الإشارات الضوئية قد تغيرت مرة أخرى. ص21 / وهي إشارة مرورية حمراء مستديرة عند الإشارات المرورية. ص21 / اشتعلت الإشارة الكهرمائية. ص19 الرواية) كذلك يمكننا معاينة تمثلات الاشتغالات الاستباقية، وبالتضافر مع عناصر خطية في حوار الرجل الضرير مع الرجل الذي أوصله إلى بيته: (لا تشكرني، اليوم أنت، وربما سيأتي الدور عليك أنت في الغد. /ص24 الرواية) وعلى هذا النحو من المصادفات الاستباقية، تتحقق فعلا إصابة الرجل الآخر بالعمى مستقبلا وبذات الغاية والوسيلة من العماء الفجائي الذي حدث للرجل الأول صاحب السيارة.
ــ فصول من العماء الجماعي وكوامن برزخ الغشاوة البيضاء:
أعتقد أن معنى الاختلاف في فن رواية ساراماغو ما هو إلا حالة مؤسسة على فكرة العلامات المستخلصة من بنيات موضوعاتية خارج دلالات الواقع الانتاجي النمطي في أعراف وسنن الموضوعة الروائية، فهناك إمكانية تشكل تعارفا في صناعة الموضوعة من ناحية قبولها الواقعي، ولكن هذه الموضوعة رغم سياقها الاختلافي مع نسيج الصحة القبولية للموضوعة، تراها بين السطور تشكل جملة محمولات رمزية إحالية ثرية بالمعنى والعلامة والعلاقة المتشكلة بعدة فواعل تفارقية، لذا فإن من الصعوبة تأويل نصوص ساراماغو بمعنى المفاهيم الخطية في رسم الأشكال والمضامين الروائية السائدة الآن، ولكنها رغم ذلك تبقى خروجا عن واصلات المعنى التتابعي، لتسجل لذاتها ذلك الاختلاف النوعي في الأسلوب والرؤية والموضوعة والأداة إجمالا. أردت أن أقول تباعا، أن حقيقة عناصر دلالة العمى، أصبحت من الخصوصية الشائعة في مدينة (انقطاعات الموت) والآن وصولا إلى (العمى) بأعتباره العارض الوجودي في وقائع أحوال المدينة، ولكن يمكننا من هنا طرح الأسئلة حول صور وأحوال ومداليل هذا المركب هذا المركب الاستثنائي من العمى، فهل خصوصيته بوصفه علامة متأتية عن كيفية معادلة من التوجه النفسي وظلام الضمير؟أم إنه صيغة انتقادية من شأنها وصف تمثيلات خاصة بالطبقة الايديولوجية بطريقة ما؟. وربما سوف أتفق أخيرا مع مواضع سردية من الرواية ذاتها، على أن حصيلة الإصابة بعارض العماء، هو بإختصار تلك المعالجة لا شد حالات الذات نزوعا نحو ملازمة عوالم أهواء النفس وانطوائها في مواقع الدونية من ملاذات النفس الآثمة. هذه الخلاصة اللامستقرة، لا تعفينا من معاينة مواضع (ميتاروائية) في حدوثات وتراكيب الرواية ذاتها أوغيرها من روايات الكاتب: (إذ كان هنالك بياض غير قابل للاختراق يغطي كل شيء. /ص25 الرواية) هنا البناء السرد يتعلق بملامح نفسية، تقدمها دلالات التمويه لتتخطى المظهر الخطي في بعض انطباعات الوحدات: ولكن إلى أين يمكن أن تتعلق دلالات العمى المستشرية في مفاصل تلاءم فقط تلك الانماذج الآثمة تحديدا؟وهل أراد ساراماغو لوظائف دليل العمى تلك اللوثة التي تصيب أصحاب العوائق السلوكية من المجتمع جدلا؟.
1ــ الرؤية النفسية وبلاغة مفاجأة العمى البياضي:
يمكننا معرفة والتعرف على الآليات والكيفيات في بناء الرواية وحالات اشتغالاتها الموضوعية والتقانية. وقد هدفت عناصرها المسارية في المسرود والسرد والوصف والأخبار، إلى تكوين عوارض جسيمة من الإصابة بذلك العارض من العمى الفجائي، والذي هو ليس بالعمى العضوي تماما، كما أوضحته بعض تقارير الأطباء والفحوصات المجهرية إلى تلك الظاهرة المنقوصة في تعليلها: (: ــ ابق عينيك مفتوحتين ولا تتحرك؟. اقتربت المرأة من زوجها، وضعت يدها على كتفه، وأنبرت قائلة: ــ سوف يتم تشخيص الأمر، سترى؟. /ص36 الرواية) رغم أنني لا أريد القفز خارج تتابعية معطيات الاحوال السردية، ولكني أحببت أن لا يتوهم القارىء بأن هناك حالة من الأغفال في إجرائية الدراسة في مبحثنا الأولي هذه العناصر ومكونات الرواية. أردت أن أقول أن المؤلف لا يعكس زاوية ثانوية من المحاور التي تلعب في أدوار النص المكرسة دورا نسبيا ما، بل هناك إشارات قصدية ــ عضوية، لا يمكن تجاوزها في مقاربة النص ووحداته الأولى. رغم أن سياق الوحدات كما أسلفنا لا تعكس اللحظة الحقيقية من الفعل الخطابي دليلا ومؤشرا، لذا ظلت متصلات المنظور السردي، تتوارى، تتماهى، خارج حينا وداخل حينا من إشارات الوحدات المتأتية والقادمة من إجراءات مذوبة في بنية علاقة تنسجها الأسباب وتفارقها العلل الكظيمة. يتخفى في السرد الوارد المنكشف، ولا يحدث في زمن المطروح سوى جملة شوارد تلاحق مخالب الظاهرة العصية من (العماء ــ البياض ــ غشاوة الزمن) ويبدو من وراء هذا الأمر الذي أستعصى على الأطباء تشخيصه، ما يشكل بذاته بالحادث المنظور من جهة الطالع اللاكتمالي، سعيا منه إلى تقويض الراكد من العوارض اللامرئية التابعة في الأنفس والأرواح البشرية، تماشيا مع التحولات الايديولوجية والاجتماعية داخل واقع هو شتات من ألوان البنيات والقوالب الخارجية والداخلية من الذوات.
ــ تعليق القراءة:
في الواقع أن رواية (العمى) تكتظ بصور ذهنية ونفسانية، بمختلف مشخصاتها وحالاتها، وما استقامتها إلا في البحث في أقصى دلالات القيم والمقامات التي تعالج وتطالب الذات الفردية من الانعتاق من شراك الماثول الانحرافي في النفس الآدمية. حاولنا تقديم في معرض مبحث دراستنا الأولية هذه، المأزق المفترض من عارض وظاهرة العماء التي هي الرؤية الرمزية لأشد حالات النفس الفردية انتهاكا لقيم الاخلاق والاعتبارات الطهرية في الطبيعة الفطرية لكل كائن إنساني.. إذن كثيرا ما تشكل مشاهد الرواية، رموزا مهيبة لمحمولات خطيرة، والتفكر فيها بدقة وعناية لربما يقودنا نحن أيضا إلى حالة قصوى ومرعبة من العماء والغثيان والعار ونحن نواجه ظلال مراحلنا العمرية كلها وسط أروقة الغشاوة والعمى القهري خصوصا ونحن نمارس حياتنا اليومية بين سلالم الصعود والهبوط نحو طقوس الضحك والبكاء، الطفولة والشيخوخة ونحن نلهث أخيرا وسط زحمة الظلام واللامرئي من خطايا غشاوة وجودنا المنحرف.
***
حيدر عبد الرضا