قراءة في كتاب

عدنان حسين أحمد: طريقي.. سيرة جماعية لمناوأة العنف والاستبداد

صدر عن دار "مسامير للطباعة والنشر" بالسماوة كتاب "طريقي.. سيرة ليست شخصية" للمخرج هادي ماهود وهو الكتاب الثاني في رصيده السردي بعد أطروحته الجامعية المعنونة "الفيلم الوثائقي العراقي والهُوية الوطنية" لنيل درجة الماجستير من جامعة RMIT في أستراليا. يجمع هذا الكتاب بين السيرة الذاتية التي لا تتوقف عند حدود "الأنا" المتعالية أحيانًا وإنما تمتدّ إلى الآخرين وخاصة الشخصيات المُحببة إلى نفسه والمقرّبه إليه من دون أن يهمل الشخصيات الأخرى التي لا يحبّها مثل بعض الساسة الفاسدين، ورجال الدين المُرائين، ونزّاهي الفرص الذين يميلون حيث تميل الريح.

يتألف هذا الكتاب من 13 فصلًا يبدأ بـ "مدخل" وينتهي بـ "ببليوغرافيا". وعلى الرغم من أهمية هذه الفصول الثلاثة عشر إلّا أنّ هذه المراجعة أو القراءة النقدية على الأصحّ، ستغضّ الطرْف عن أربعة فصول وهي على التوالي:"حرب الخليج الأولى"، "انتفاضة آذار 1991"، "الهروب إلى الصحراء"و "معسكر رفحاء" ليس لأنها غير مهمة وإنما لكونها تقع خارج النسق السينمائي الذي نتحدث عنه والذي يمكن تتبّعه في الفصول السبعة المتبقيّة إذا ما استثنينا "المدخل" بوصفه عتبة للكتاب و "الببليوغرافيا" كسيرة ذاتية وعلمية مكثّفة.

الإلمام بأسرار السرد

لا يجد هادي ماهود حرجًا في القول بأنه لم يحقق الحدّ الأدنى مما رسمه لحياته الشخصية ويُلقي باللائمة على السياسيين العراقيين الذين تحكّموا بتوجيه مسارات حياته عنوة. كما يعترف متسائلًا بنبرة تهكمية ساخرة:"وهل أنا غاندي حتى أكتب مذكراتي"؟ وبما أنه مُخرج سينمائي ويمتلك بعض أسرار السرد، ويلمّ بالعديد من تقنيات البناء السينمائي المُبهر فلا غرابة أن تتسم كتابته بالسلاسة والعذوبة والتشويق، واعتماد الكلمة الشعبية في بعض الأحيان لاعتقاده "بعجز المفردة الفصيحة عن إيصال الأحاسيس"([1]). ويضيف بأنّ استعمال المفردات الشعبية قد زادَ من مصداقية شهاداته التي يعني بها مذكراته أو سيرته الذاتية التي تمردت على حدود الذات المتقوقعة وإمتدت إلى حيوات الناس الآخرين الذين عاش معهم وتلاقحَ مع آرائهم وأفكارهم وتطلعاتهم الفنية والثقافية والاجتماعية وما إلى ذلك. ويضيف ماهود في هذا المدخل بأنهُ لم يصنع لنفسه بطولات وهمية ولم يتوانَ في رصد لحظات الجبن التي مرّ بها في بعض المواقف فكان شاهدًا أمينًا في سرد إخفاقاته الشخصية وانتكاسات وهزائم وطنه الجريح وحلم أبنائه بالحياة الحرّة والعيش الكريم. وقد وجدتْ هذه الكتابات صدىً لدى بعض القرّاء الذين أُعجِبوا بكتاباته وأشادوا بمضامينها الشائقة وذكّروه ببعض ما تسرّب من ذاكرته فقَبِل بفكرة الحذف والتعديل والإضافة فكُلنا معرّضون للنسيان واختلاط المعلومات وتداخلها إلى الدرجة التي تثير الاستغراب أحيانًا.

لا يفوّت ماهود الفرصة للإشادة ببعض الأصدقاء الخُلّص الذين رافقوه في رحلة حياته الفنية والثقافية والاجتماعية وأمدّوه بطاقة لا تنضب أمثال الشاعر المُبدع والإعلامي المتميز عبدالحميد الصائح، والأكاديمي الرصين عامر موسى الشيخ، والنحّات المُرهف أحمد البحراني، ولا ينسى التنويه بمواقف زوجته المُلهِمة أسماء الحسين التي آزرتهُ في السرّاء والضرّاء، وأويقات الانفراج والشدّة. وكانت آراؤها مثل المقياس الأمين الذي يثق بدقته وحسّاسيته المُفرطة الأمر الذي ضاعف من زخم استذكارته وقوّة انثيالاته بدءًا من سنوات الطفولة والصبا، مرورًا بمرحلة اليفاعة والشباب، وانتهاءً بالوقوف على أعتاب الشيخوخة التي لا مَنجاة منها أبدًا.

يبدو الطفل هادي ماهود محظوظًا جدًا فقد تسنّى له أن يدخل صالة سينما "الشعب" بالسماوة في سن الخامسة؛ وهي السن التي تنطبع فيها الكثير من الذكريات ولا تغادرها بسهولة حيث شاهد أفلام الكاوبوي وما يصل إلى مدينته من الأفلام الهندية التي تستدر الدموع وتثير الأشجان والأحزان.

الولع المبكِّر بالفن الرابع

يؤكد هادي ماهود بأنّ علاقته بالمسرح قد بدأت في الصف الثالث الابتدائي وهي مرحلة مبكرة جدًا وحجتهُ في ذلك أنّ شقيقه الأكبر عبدالحسين ماهود كان ممثلًا في تلك العروض المسرحية التي يقدّمها على مسرح إعدادية السماوة وسوف يتأثر بأخيه المُولع بالأدب والفن إلى حد الشغف ويقتفي أثره. وقد أصبح هادي عضوًا في فرقة المسرح الريفي وهو طالب في الصف الأول المتوسط. وقد أنجز رغم حداثة سنّه بحثًا عن الحركة المسرحية بالسماوة وقد رصد فيه أولى العروض المسرحية التي قُدِّمت منذ العام 1939م.

التحق هادي ماهود بمعهد الفنون الجميلة ببغداد سنة 1976- 1977م وأكمل سنتهُ الأولى بقسم المسرح لكنه سرعان ما انتقل في السنة الثانية إلى قسم السينما الذي تمّ استحداثه. وقد توقّع المخرج محمد شكري جميل للطالب هادي ماهود:"أن يكون أهمّ مخرج في السينما العراقية في المستقبل"([2]).

لم تخلو حياة هادي ماهود في معهد الفنون من منغصات فعندما كتب سيناريو "راقصة الشرق الأولى" ليكون مشروعًا لأطروحة تخرّجه تعرّض للتحقيق من قِبل 15 عضو فرقة في حزب البعث مُشككين بنيّاته وتوجهاته الفكرية المناوئة للنظام حيث طلبوا منه في خاتمة المطاف أن يترك هذا السيناريو ويبحث له موضوع آخر لا يثير الجدل أو يستفز المشكلات المبطّنة التي تحتمل أكثر من تأويل. ومع ذلك فقد أكمل فيلمه الثاني "الساعة 1800" الذي كان صرخة مُدوّية ضدّ الحرب العراقية - الإيرانية التي نشبت في عامها الأول. اشترك هادي ماهود في تجسيد العديد من الأدوار المسرحية من بينها مسرحية "رجل غريب يدخل القرية القديمة" لمؤلف تونسي ومن إخراج محمد فليّح. كما اشترك في مسرحية "بكاء في ضوء القمر" لوليد إخلاصي ومن إخراج عبدالحسين ماهود. ومن يتتبع مسيرة هادي ماهود المسرحية سيكتشف من دون عناء ولعه بهذا الفن الذي سوف يرافقهُ في منفاه الأسترالي ويقدّم عددًا من المسرحيات باللغتين العربية والإنگليزية.

تخرّج هادي ماهود في معهد الفنون الجميلة ببغداد سنة 1982م وواصل دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة، ومثّل في بعض المسرحيات والأفلام من بينها مسرحية "ذات الخمار الأسود"، وفيلم "الحُب كان السبب" للمخرج الراحل عبدالهادي مبارك. وأخرج مسرحية "شعيط في المدينة" المعرّقة عن مسرحية "شيخ المنافقين" لبن جونسون. ثم أصبح ماهود في هذه المرحلة رئيسًا لـ "نادي سينما الشباب" ووجه دعوة للفنان المصري نور الشريف وعرض في تلك الندوة فيلم "حدّوتة مصرية" للمخرج يوسف شاهين، بطولة نور الشريف ويسرا إضافة لأسماء فنية بارزة. كتب ماهود سيناريو فيلم "الغريق" ليكون أطروحة تخرّجه في أكاديمية الفنون.

يفخر المخرج هادي ماهود بأنه درّس الكثير من طلّاب مدينته باعتباره خرّيجًا لمعهد وأكاديمية الفنون الجميلة وقد أصبح بعضهم أعضاءً في الپرلمان العراقي، وتوزع الآخرون على وظائف مهمة وحسّاسة في الدولة العراقية فمنهم القاضي، والقائمقام، والطبيب، والمهندس، والعميد وما سواهم ويضيف ساخرًا:"حتى نوري السعيد كان واحدًا من طلّابي"([3]).

رسوب مُتعمّد وتأجيل الخدة الإلزامية

وبعد سنوات من الرسوب المتعمّد والتأجيل للهروب من الخدمة العسكرية تم سوقه إلى الكلية العسكرية الثالثة بـ "خان بني سعد" لكنه سيتملص منها ويعتبر هاربًا من خدمة العلم حيث يلتجئ إلى معسكر رفحاء قبل أن يجد طريقه إلى "صوت الشعب العراقي"، الإذاعة المعارضة لنظام صدام حسين؛ الدكتاتور المُغامر الذي جرّ البلاد إلى إحنٍ ومحنٍ كثيرة.

أوفدت الإذاعة العراقية المعارضة التي تبث برامجها من جدة الشاعر خالد العامري الخضري لدعوة هادي ماهود وطارق حربي وسعد الجبوري للعمل في الإذاعة التي سبقهم إليها كُتاب وشعراء وفنانون ومخرجون عراقيون أمثال عبدالحميد الصائح، ويحيى السماوي، وعودة وهيّب، والمذيعة اللبنانية هدى المهتدي الريّس، وابراهيم الزبيدي؛ مدير الإذاعة ومؤسسها الذي كان مُديرًا للإذاعة والتلفزيون في زمن الرئيس أحمد حسن البكر ، وكان زميلًا لصدّام حسين في مرحلة الدراسة الابتدائية. وحينما حرّرت القوات الأمريكية الكويت من الاحتلال العراقي وسحبت معظم قواتها من الكويت أوصت السعودية برعاية الإذاعة ودعمها ماديًا من دون أن تتدخل بتوجهاتها الفكرية والسياسية وهذا ما لمسه الكائن السيري هادي ماهود طوال مدة عمله في الإذاعة التي تحولت من "صوت العراق الحرّ" إلى "صوت الشعب العراقي" التي كانت حاضنة لجميع أطياف الشعب العراقي بتوجهاته الفسيفسائية المتنوعة. وقد اعتبر ماهود العمل في هذه الإذاعة المعارِضة تاريخًا مُشرّفًا لكل العاملين بها.

مُقاتلة الدكتاتورية عبر الأثير

يكشف هادي ماهود عن طبيعة عمله الفني في الإذاعة التي تعتبر موضعًا لمقاتلة النظام الدكتاتوري عبر الأثير. وقدر تعلّق الأمر به، وهو الفنان القادم من فضائيّ السينما والمسرح، فقد تخصص بكتابة المسامع التمثيلية التي تلاحق أحداث العراق، والمسلسلات التي تصل الواحدة منها إلى 15 حلقة يمثّلها النجوم العاملون في الإذاعة. كان هادي يسجّل النداءات التحريضية بصوته المعروف من قبيل:"يا شعبنا العراقي العظيم ثوروا على الطاغية المنبوذ الجاثم على صدوركم.. " وكانت دوائر الأمن العراقية وخاصة في محافظة السماوة  تسجّل تلك النداءات وتستعملها كوثيقة إدانة لابتزاز عائلته. فحينما يستلم شقيقه فاضل ماهود الحوالة المادية يقبضون عليه ويعرّضونه للتعذيب وهو يستمع إلى النداءات التي يُطقلها شقيقه هادي فيبتزونه بأخذ نصف مبلغ الحوالة إن لم تكن كلها في كثير من الأحيان.

يُعد هذا الكتاب توثيقًا أمينًا لغالبية العاملين في إذاعة "صوت الشعب العراقي" حيث يتعرّف القارئ على غزارة ما يكتبه الشاعر يحيى السماوي. وعلى البرامج التي يكتبها الزملاء الآخرون مثل برنامج "ها.. شنو الأخبار؟" الذي يعدّه عودة وهيّب، وبرنامج "حچاية أبو يونس" لأديب القليه چي بلهجته الموصلية المُحببة، والشاعر خالد العامري الذي يكتب العديد من الأغاني الوطنية للفنان فؤاد سالم، بينما يغرّد المذيعون بأصواتهم الاحترافية الجميلة مثل المذيع عبدالحميد الصائح، واللبنانية هدى المهتدي الريّس، وزاهد محمد زهدي  وداليا العقيدي. إضافة إلى الرسائل الصوتية التي تصلهم من صادق الصائغ بلندن، وجليل العطية من باريس ومراسلين آخرين من الإمارات وعمّان وما سواهما من عواصم عربية.

استدعت الإذاعة فرقًا فنية من معسكر رفحاء لتسجيل وبثّ أغانٍ وطنية مثل فرقة "الثوّار" وفرقة "الانتفاضة" اللتين كانت لأغانيهما وقعًا كبيرًا على الشعب في عموم المحافظات العراقية. ولكي يضفوا على البرامج الإذاعية مسحة من الفكاهة والسخرية أسندوا للشاعر خالد العامري الخضري مهمة تقليد أغنية "يا عواذل فلفلوا" بصوت صدّام حسين الذي كان يتقنهُ جيدًا وليس بصوت الفنان فريد الأطرش الذي اعتدنا عليه وأحببناه. وهذه الطُرف الخفيفة والمُحببة هي التي منحت الكتاب خفة دم كسرت إيقاع حرب الخليج المفجعة وأجواء معسكر رفحاء الموحشة.

ثمة إشادة بالمواقف الوطنية للشاعر عبدالحميد الصائح الذي ذهب سنة 1994 إلى عرفة وحينما نُقل الميكروفون إلى إذاعة وتلفزيون الجمهورية العراقية وبعد قراءة الكليشيهات المعتادة قال الصائح مخاطبًا الله جلّ في علاه:"... جئناك نتضرّع إليك يا ربنا يا ذا العزة والجلالة بانقاذنا من العصابة الحاكمة التي يقودها سفّاح دكتاتور قتل وسبى العباد" وكانت تنقل هذا الكلام 55 محطة تلفاز دولية وهذا الموقف الوطني يُحسب لمصلحة الشاعر والإعلامي عبدالحميد الصائح وبطولة تُسجّل له و"تدخل في ميزان معارضته"([4]) كما قال مؤلف الكتاب.

تمجيد اللغة البصرية

عمل هادي ماهود في أكثر من إذاعة سواء بجدة أو بسدني لكنه لا يحب هذا العمل كثيرًا ويعتبره مصدر رزق لا غير، فالسينما، من وجهة نظره، لغة صورة بينما "الإذاعة لغة صوت ولغو لا ينتهي"([5]) ومع ذلك فقد انغمس في العمل الإذاعي كتابة وإخراجًا وتمثيلًا وومونتاجًا وتقديم برامج وسوف يترك أثرًا سلبيًا في خياله كمخرج سينمائي يمجِّد الخطاب البصري، ويتعاطى مع الصورة ولا يلجأ إلى الحوار إلّا عند الضرورة القصوى.

كثيرة هي الأحلام التي كانت تدور في مخيلة هادي ماهود من بينها إنتاج الأفلام الوثائقية الثقافية بدءًا برموز الشعر العراقي، وأقطاب الرواية والقصة والمسرح، وأساطين الموسيقى والفنون بأنواعها المختلفة. فقد كان يطمح لإنجاز أفلام وثائقية عن الجواهري والبياتي، وعن السينمائيين والمسرحيين والكبار، وعن الموسيقيين والفنانين التشكيليين وهلم جرا لكن ثمة عقبات كانت تحول دون تحقيق هذه الأحلام الفنية وأولها الحاجة المادية وضيق ذات اليد. ففي جدة أراد أن يصنع فيلمًا وثائقيًا عن الشاعر زاهد محمد زهدي، صاحب الأغنية الشهيرة "هربژ ي كورد وعرب رمز النضال"([6]) التي كتبها الشاعر زاهد محمد زهدي ولحّنها وغنّاها أحمد الخليل. كما أراد أن يُنجز فيلمًا عن الفنان التشكيلي الكوردي عزيز سليم الذي كان في حينه وزير ثقافة جمهورية مهاباد لكنه فارق الحياة تاركًا حلم ماهود يتوارى في مهب الريح. ومع هذه الإحباطات كلها إلّا أنّ هادي ماهود قد نجح في وضع اللمسات الأخيرة على فيلم "تراتيل السومري" للشاعر غيلان حوشي علي الذي لامسَ رغبته الأدبية فقط ولم يتعداه إلى شاعر أو روائي أو مفكر آخر. ولعله في قادم الأيام يحقق بعض ما عجز عن تحقيقه في السنوات والعقود الماضية.

حصل هادي ماهود على الجنسية الأسترالية وعمل في أماكن متعددة مذيعًا للأخبار العربية، وحارسًا في إحدى الملاعب الأولمپية سنة 2000م. وأنجز بعض الأفلام الأسترالية التي لم يكن مقتنعًا بها تمامًا على الرغم من نجاحها الفني لأنه مفتون بالثيمات العراقية على وجه التحديد. وهذا الفيلم يحمل عنوان "الرحيل موتًا" للمخرج الأسترالي كريس هيلتون الذي يتمحور على ثلاث شخصيات؛ الأولى روسية يتم تهريبها إلى إيطاليا وقد تبنّى هذا الجزء كريس نفسه، أما الشخصية الثانية فهو صيني يتم تهريبه إلى نيويورك، والثالثة شخصية كوردية يتم تهريبها على مركب سيفيكس وقد غرقت زوجته وابنته بعد صراع مرير مع الأمواج استمر قرابة عشرين ساعة وكان ابنه الوحيد قد وصل قبله مع أجداده، وقد التقاه المخرج في المُحتجَز الأسترالي الذي يستقبل المغامرين الذين يضعون أرواحهم على كف عفريت.

البحث عن ملاذٍ آمن في القارة الأوروپية

ثمة أسباب شخصية دفعت المخرج هادي ماهود لمغادرة أستراليا والتوجّه صوب القارة الأوروپية بعد أن منحته أستراليا الملاذ الآمن، ووفّرت له العيش الكريم، وحققت له رغبته في مواصلته دراسته العليا لنيل درجة الماجستير من جامعة RMIT لكن بعض المنغِّصات الأُسرية هي التي دفعته للبحث عن مكان بديل وبعد أن تجوّل في عدد من البلدان الأوروپية مثل ألمانيا وهولندا والدول الأسكندنافية مثل النرويج وفنلندا والدنمارك والسويد التقى بها بالعديد من أصدقائه الكُتّاب والفنانين وحتى الناس العاديين الذين ينتمون بالأصل إلى مدينة السماوة ولكنه قرر في خاتمة المطاف أن يعود إلى بلده الثاني أستراليا ليكحّل عينيه برؤية ابنه الأول آدم الذي وُلد يوم 22 سبتمبر 2001م.

خلال هذه المدة تقع حادثة غرق مركب اللاجئين الذي يحمل على متنه أكثر من 400 إنسان غالبيتهم من العراقيين فيبدأ ماهود بإطلاق مناشداته للأحزاب العراقية، ورجال الدين، وقيادات المعارضة العراقية المبثوثة في إيران وسورية ولندن وأمريكا وغيرها من العواصم لكنه لم يتلقَ أي رد من هذه الأطراف. وحينما نشر رسالة مفتوحة للعراقيين جاءه رد من المواطن أحمد التميمي المقيم في كندا بأنّ لديه أصدقاء في الإمارات العربية المتحدة أعربوا عن استعدادهم لدعم هذا المشروع الإنساني. ولعل مساعدة المحامي جوليان بورسنايد، وهو من أشدّ المدافعين عن حقوق اللاجئين وزوجته الفنانة التشكيلية كيت جوليان اللذين أرسلا رسالة إلى  أعضاء مجموعتهم وفيها عنوان هادي ورقم حسابه وفوجئ بوصول مبالغ مادية تتراوح بين 50 إلى 300 دولار يوميًا وهذا ما مكنّه من السفر مع طاقم التصوير والمكوث هناك لمدة 12 يومًا لمقابلة الناجين من هذا الحادث المروّع. وتبيّن على وفق تحليل توني كيڤن، السفير الأسترالي السابق في كمبوديا أنّ الحادث مخطط له بعناية من قِبل الشرطة الفيدرالية الأسترالية التي تريد أن تحتفظ ببعض الناجين ليتحدثوا لوسائل الإعلام عن هذه الكارثة التي حلّت بهم عسى أن يعزف اللاجئون الباقون في أندونيسيا عن خوض مغامرة العبور إلى أستراليا ثانية.

يسقط نظام صدام حسين في 2003 فيحزم هادي ماهود حقائبه ويعود إلى العراق وينجز فيلم "العراق موطني" الذي ينتهي نهاية سعيدة تُتوج بالزواج من أسماء الحسين ويبدأ مرحلة جديدة تتسم بالتحريض والتنوير والاحتجاج التي خصّصنا لها مساحة واسعة من هذا الكتاب.

***

عدنان حسين

.......................

[1] - ماهود، هادي، طريقي، ط1، دار مسامير للطباعة والنشر، السماوة، 2021، ص 7.(هناك إشارة ثانية في ص3 بأنّ الكتاب قد طُبع سنة 2022).

[2] - المصدر نفسه، ص 15.

[3] - المصدر نفسه، ص 82.

[4] - المصدر نفسه، ص 167.

[5] - المصدر نفسه، ص 172.

[6] - أغنية شهيرة كتبها الشاعر والإعلامي والسياسي اليساري زاهد محمد زهدي وانتشرت انتشارًا واسعًا يقول مطلعها:"مِن تهبّ أنسام عذبة من الشمال / على ضفاف الهور تتفتّح گلوب / لو عزف بالناي راعي بالجبال / على الربابة يجاوبه راعي الجنوب"

 

في المثقف اليوم