قراءة في كتاب

سناء عبد القادر: قراءة في كتاب الخيار الآخر

يتميز كتاب الخيار الآخر لمؤلفه مازن الحسوني بأنه كتاب عن موضوع مهم في الوقت الحاضر ألا وهو موضوع السير العائلية، إذ قلما تجد كتاب من هذا النوع يتحدث بصدق عن سيرة لعائلة مرت بظروف صعبة منذ بداية تأسيسها وارتباط الزوجين برباط عائلي قائم على الحب والتفاهم والثقة المتبادلة التي تشكل الحجر الأساس لبناء أسرة سعيدة وقوية تقف بوجه عاديات الزمن التي لا يمكن التنبؤ بها منذ نعومة أظافر هذا الحب إذا سمح لنا باستخدام هذا التعبير. فنظرة الاعجاب الأولى لا تكفي لإثبات صدق هذا الحب وحتى المواعيد الغرامية لا يمكنها أن تبرهن على صدق العاطفة ولكن الوقوف بوجه الظروف الصعبة التي تواجه المحبين والثبات على صدق العلاقة وتطورها بشكل إيجابي هو الدليل القوي على نضج المحبين. وهذا الذي نجده في سيرة حياة باسم وليلى وما لاقوه وتعرضا له من مصاعب أثبتوا أن الحب الأول لابد أن ينجح ويتكلل ببناء عش الزوجية، وعلى الرغم من أنه توجد إحصائية قديمة في ستينيات القرن الماضي ملخصها أن الحب الأول يفشل بنسبة 60% ولا ينجح في مواجهة المصاعب التي يمر بها المحبين حتى وإن كانوا مخطوبين لبعض وباتفاق عائلتي الطرفين، وبالنتيجة فسخ الخطوبة وكل منهما يذهب في طريقه. كما يتميز الكتاب بأسلوب سلس ولا يوجد فيه اطناب وهذا ما اضفى عليه مسحة جميلة وحيوية التنقل من فكرة الى اخرى. باسم هو أحد أبطال هذه السيرة عمل في مفرزة الطريق من ضمن تشكيلات حركة الأنصار الشيوعيين العراقيين في كوردستان العراق: وكانوا " مسؤولين عن تمرير شحنات الأسلحة والملتحقين عبر الحدود وبطرق خاصة يعاونهم عليها بعض الأكراد من كوردستان تركيا، بوصفهم أدلاء مؤتمنين. ص 41".

كان باسم يسكن في بيت مع رفاق آخرين يؤدون نفس المهمة وهم يسكنون في مدينة صغيرة بعيدة عن العاصمة دمشق وكثيرا ما تتبدل الوجوه ولكن بطل الرواية مع قليل من الرفاق لا يتبدلون في هذه السرية الأنصارية. وعلى الرغم من ظروف العمل السرية وقع باسم في حب بنت الجيران. وتمكن من الزواج منها، زواج رسمي في المحكمة في العاصمة دمشق ولكن بوثائق لا يوجد فيها دليل على شخصيته الحقيقية. جواز سفر يمني جنوبي و بإسم بهجت جواد حسين (ص65). وكذلك "وكيل العروس الذي هو صديق باسم وهو رجل مسيحي بإسم محمد ويحمل كذلك وثيقة يمنية وزوج اختها الأكبر منها" ص 65.

بعد الاحتفال الصغير بزواج باسم وليلى في بيت محمد المسيحي الذي كان غنيا ودسما بكرم ونبل الزوجين اللذين وجد فرحتهما تفوق فرحتهم كما يصفه باسم في صفحة 66 من الكتاب. أجمل عبارات وجمل وجدتها في الصفحة 67 تعكس درجة وعي باسم وحبه الحقيقي لزوجته ليلى التي تحملت معظم وخطورة أوزار هذه الخطوة الجريئة أمام عائلتها المتمسكة بالتقاليد الإسلامية والعربية:" قضينا يوم عسل، إنما بلا اختراق الحاجز الأخير الفارق بين البنت والزوجة. أردته زواجا صوريا ليتحول بعد إجبار الأب على الموافقة الى عرس حقيقي"(ص67).

ونقرأ في نفس الصفحة العبارة التالية التي تعكس لهفة باسم ليكون أحد أعضاء عائلة الحاج أبو ليلى.: " متى يفتح لي هذا الباب بحب بدل الخوف ".

 والطريف في الأمر أن كلا العروسين باسم وليلى لا يعرفان ولا يتوقعان سير الإجراءات الرسمية بعد عقد القران في دائرة الأحوال الشخصية والنفوس التي يجب أن تجرى بعد إجراءات الزواج. انكشف امرهما وعلمت عائلة ليلى بذلك بعد ثلاثة أيام من الحدث السعيد. تم اشعار بلدة القامشلي بذلك وذلك بعد استلامها نسخة من عقد الزواج لأجل تغيير قيد نفوس ليلى من عازبة الى متزوجة (ص 68). وصل الخبر الى عائلة ليلى بواسطة جارهم الذي يعمل في دائرة نفوس القامشلي. قرر باسم أن يذهب الى أهل ليلى ويتحدث معهم حول علاقته بليلى وخصوصا مع والدها. طرق الباب فخرج له الحاج أبو ليلى مكفهر الوجه ولا تعلو وجهه ابتسامة ترحاب ولم يرد على تحية باسم. " قال باسم أنا بهجت اليمني، هل تريد أن نتحدث أمام الباب...؟ قال كمن أسقط في يده: تفضل " (ص 70). وبعد الجواب على أسئلة الحجي المختلفة، قال باسم حجي..! قبل أن أقول لك أي شيِء... بنتك ما زالت بنت. سحب له نفساً (يعني تنفس الصعداء)" (ص71).

وبعد نقاش طويل طلب الحجي من باسم أن يطلق ليلى. رفض باسم هذا الحل وغادر المكان. تعرضت ليلى لضغوط عائلية كبيرة وفي مقدمتهم الأب وتعرضت للضرب المبرح عدة مرات وحتى التهديد بالقتل إن أصرت على رفض الطلاق ولكنها صمدت ولا فائدة من التهديد والوعيد. بعد مرور وقت طويل تكلم معها والدها في الغرفة المحجوزة فيها وتحدث معها بصوت مبحوح: دعه يطلقك أولا ومن ثم يأتي ليخطبك مني أمام الناس.. أعدك أني سأوافق عليه (ص72).

قابل باسم ليلى في بيتهم بطلب من والدها وعلم بخطة والدها وشعر بأن والدها سوف لا يبر بوعده وهذا الذي حصل بعد الطلاق. دخلت ليلى في الإقامة الجبرية المشددة، بما فيها عدم الذهاب الى دمشق لتكملة دراستها الجامعية. ولهذا لم يتمكن باسم من رؤيتها لا على سطح البيت ولا في خارج الدار. وكذلك بعد انتشار خبر العلاقة بين زواج وطلاق اعتبر شخصا غير مرغوب به من قبل الحزب وأرسل الى دمشق بانتظار حصوله على زمالة دراسية لإكمال دراسته الجامعية.

تمكن باسم من الحصول على عمل بتخصصه الهندسي في دمشق بانتظار الزمالة الدراسية. انقطعت وسائل الاتصال مع ليلى لعدة شهور الى ان حصلت على سماح من أهلها لمواصلة دراستها في العاصمة دمشق (74). تمكن باسم من لقاء ليلى في دمشق واخبرته بأن والدها وافق على قدومه الى القامشلي وخطبتها بشكل اصولي حسب الأعراف والتقاليد.

 بعد مرور فترة من الزمن وقدوم أخيه الأكبر من المغرب سافرا معا الى القامشلي، وهناك تمكن بمساعدة عدد من الأصدقاء السوريين من وجوه المدينة المعروفين بتشكيل وفد والذهاب الى بيت أهل ليلى. كان في استقبالهم أخ ليلى الكبير الذي قال لهم بأن الحجي مريض ولا يتمكن من مقابلتهم. لم يفي الحجي بوعده وهذا الذي توقعه باسم. طلب أخوها الكبير شروطا تعجيزية من باسم ولهذا لم يوفق باسم من خطبة ليلى (ص76).

تمكن أهل ليلى من اقناعها بالسفر الى بلغاريا حيث يدرس أحد اخوانها على أمل أن تحصل على منحة دراسية هناك لتكملة دراستها. فرح باسم بهذا الخبر وقال لها هو موعود أيضا من قبل الحزب بمنحة دراسية ويتمنى أن تكون في بلغاريا أيضا حيث يمكنهم من الزواج هناك ولن يستطيع أحد من يوقفهم. فرحت ليلى بهذه الخطة (ص 76). ولكن كما يقول المثل العربي: تهب الرياح بما لا تشتهي السفن، وهذا الذي حدث: لم تتمكن ليلى من الحصول على المنحة الدراسية، وكل الذي حصلت عليه هي سنة لدراسة اللغة البلغارية في صيف العام 1987. أما باسم فقد حصل على منحة دراسية في الاتحاد السوفيتي في صيف العام 1988، وبهذا انقطعت اخبارهم عن بعض لمدة سنة كاملة (ص77).

تمكن باسم من العثور على رقم هاتف السكن الطلابي حيث يقيم صديقه القديم محمود مع زوجته وبعد جهد كبير بسبب صعوبة الاتصال تمكن من الحديث معه ورجاه بأن يبحثا هو وزوجته عن ليلى. تكللت جهودهما بالنجاح وعثر محمود على ليلى. وبعد فاصل طويل من المزاح من قبل محمود أخبره الأخير بأن ليلى متزوجة وزوجها معها هنا (ص80). أ صاب باسم الذهول ولكن محمود أخبره بأن ليلى لا زالت تحبه وفرحت كثيرا بوجوده. اتفق باسم مع محمود على التواصل مع ليلى كما حدد موعد لمكالمة هاتفية معها.

ظل باسم يفكر كثيرا في السبب الذي دعا ليلى الى الزواج من شخص آخر إلى حين حلول موعد المكالمة الهاتفية. " كانت أول جملة قالتها ليلى حتى قبل التحية: حبيبي باسم..أهلي فرضوه عليً..وظروفي فرضته... لا أطيقه... ولم أكن أعرف شيئاً عنك...أنت الانسان الوحيد الذي يجعلني أتنفس....أرجوك افعل شيئا...! لا أريد العودة الى سوريا...افعل شيئا أرجوك " (ص81). "هددوها بالعودة الى سوريا. ولما رفضت قالوا ليكن زواجا على الورق لمجرد الحصول على الإقامة "(ص82). حصلت ليلى على إقامة لمدة سنة حتى تتمكن من دراسة اللغة البلغارية بعد أن تزوجت شخص من معارف العائلة مقيم في بلغاريا ويتودد لها كثيرا، لعلها تنسى العراقي الذي (لا نعرف قرعة أبوه من وين)(ص83)، وهذا هو الزواج الثاني اتفق الاثنان باسم وليلى على ان يأتي الى بلغاريا في العطلة الصيفية لأنه حسب الأنظمة الدراسية في الاتحاد السوفيتي وقتذاك لا يحق للطالب الأجنبي أن يسافر خارج الاتحاد السوفيتي إلا في العطلة الصيفية والشتوية.

كان شرط باسم هو أن تتطلق من زوجها وهذا الذي حصل حسب القانون البلغاري إذ يحق لأي من الزوجين التقدم للمحكمة للطلاق أو الاثنان. قدمت هي الطلب ولم يحضر الزوج رغم تبليغه فحصلت على الطلاق وهذا هو الطلاق الثاني لهذه البنت دون أن تتذوق حلاوة الزواج أصلا (ص84). تمكنت ليلى من الحصول على منحة دراسية في كلية التمريض بمساعدة الأصدقاء بعد اكمالها سنة دراسة اللغة البلغارية. استمرت زيارات باسم الى بلغاريا في جميع العطل الدراسية بالشتاء وبالصيف. ويذكر باسم في الصفحة 86 من الكتاب ما يلي: " كنت معها العاشق الولهان الجائع الذي لا يشبع مهما قدم له من لذائذ الحب. أيام عسل قليلة نقضيها معاً، يعقبها فراق وشوق والتياع نخفف من وطأته باتصالات متقطعة بين حين وآخر".

بعد ثلاثة سنوات أنهت ليلى دراستها في كلية التمريض عمل لها باسم دعوة رسمية لزيارة الاتحاد السوفيتي وسافر هو الى هناك لاصطحابها معه الى موسكو. كان في توديعهم ئاشتي صديق باسم من أيام العمل في كردستان الذي أهدى لهم ساعته اليدوية ويعتبرها باسم أغلى هدية على قلوبهم (ص 87). بعد وصولهم الى موسكو قاما بتسجيل زواجهم في الجامع بحضور شهود وبأسمائهم الحقيقية. احتفل العروسان مع الأصدقاء المقربون بهذا الحدث السعيد وقاموا بتسجيل الحفل في فيلم فيديوساعدهم فيما بعد بتثبيت زواجهم وفق الأصول في المؤسسات السويدية وكذلك عند أهل ليلى(ص88).

بدأت مرحلة جديدة في حياة باسم وليلى ابتداء من الفصل السادس: التبني.

بدأوا بمراجعة المؤسسات السويدية الحكومية وغير الحكومية للتزود بالمعلومات القانونية وما تحتاجه عملية التبني من شروط فيما إذا كانت متوفرة فيهم أو غير متوفرة. وعليهم تقديم أنفسهم من حيث مكان عملهم وخبرتهم ورغبتهم في تبني طفلا بغض النظر عن العرق واللون والدين والجنس. وكذلك عمر الطفل،" كلما كان صغيرا كان أفضل لأجل التأقلم وبناء العلاقة بشكل سريع وأقوى معه" (ص92)..في جوابهم على أسئلة مالين الموظفة في مؤسسة الرعاية الاجتماعية.

وبعد فترة قصيرة اتصلت مالين بليلى وأخبرتها بالحصول على الموافقة الأولية للمؤسسة لطلب التبني. مع سؤالها : " هل سنتدبر بأنفسنا عملية التبني ضمن الضوابط القانونية السويدية أو لنترك الأمر للمؤسسة بتولي هذه القضية من صلاتها مع العديد من الدول التي تعتبر مصدرا للأطفال المعروضين للتبني؟" (ص 93).

بعد تشاور ليلى مع باسم اتفقوا على أن يتبنوا طفلا من سوريا. وكان عليهم حضور جلسات مع عوائل أخرى ترغب في التبني حتى تساعدهم على الاستعداد بشكل أفضل وهذا ما فعلوه (ص94).

 وفي دمشق اتضح لهم بأنه لا يمكنهم تبني طفل سوري لأن تعليمات وزارة الشؤون الاجتماعية السورية تنص على ان يكون الزوجين الراغبين بالتبني أن يكونا من حاملي الجنسية السورية ولا يكفي أن تكون الزوجة سورية " (ص102). وبسبب هذا الشرط لم يتمكنا من تبني طفل سوري لأن باسم عراقي وليلى سورية.

ان تجربة تبني طفل عراقي اسمه أحمد موجود في السويد باءت بالفشل على الرغم من تهيئة كافة الظروف المناسبة له في البيت من غرفة وملابس وأدوات رياضية وبإشراف كارين من مؤسسة الرعاية الاجتماعية لأن والد أحمد طلب أن يلتحق به في دولة أخرى كما أن عمره ليس 11 سنة كما هو موجود في الوثائق الرسمية السويدية وإنما تبين لهم من خلال تصرفاته وصوته أن عمرة 15 سنة. (ص 103-126).

في الفصل الثامن (ص 127-145) يتوجه باسم الى النشاط الاجتماعي الذي يأخذ جل وقت فراغه بعد عمله معلم رياضة في احدى المدارس السويدية، ينشط في مجال فضح النظام السياسي في العراق من خلال إقامة الندوات والاجتماعات السياسية والمظاهرات السلمية وكذلك المشاركة في الندوات التي تقيمها الأحزاب اليسارية السويدية وخصوصا قبل العدوان الأمريكي الأوروبي على العراق في ربيع العام 2003. كل هذا ساهم في اصابته بوعكة صحية خطيرة أدت الى اجراء فحوصات طبية عديدة للدماغ والرأس " مع هذه التطورات السريعة داخلني إحساس مزدوج، كازدواج أوجاع رأسي بين الشقيقة وتصلب عضلات الدماغ، يلح بالسؤال المهمل من سنين طويلة، يا ترى ما هو مشروعي الشخصي والبلد قد فتح على آخره، لم تعد هناك حدود ولا سدود، لا حراس حدود ولا حتى حراس سيطرات الطرق الداخلية "(ص139). قرر باسم السفر الى العراق في نهاية شهر تموز 2003. وقع الخبر كالصاعقة على ليلى.

" - الى العراق.. وأنت مريض؟

- أشعر أن السفر سيساعدني على الأقل نفسياً

- ما زالت عندك علاجات ومواعيد مع الأطباء؟

- لا يهم" (ص141). لم تستطع ليلى من ثني باسم عن قراره بالسفر الى العراق على الرغم من عدم وجود خطوط طيران الى هناك. جاوبها سأدبر حالي. ثم بادرها بالسؤال : " ألا تريدين طفل زغيرون...هيك قد الكمشة تضعينه في حضنك تناغيه ويخرمش خدودك..؟ "(ص142). اقتنعت ليلى بحجج باسم بعد حوار طويل.

الفصل التاسع: " العودة الى الجذور" (ص146) اسم له وقع وتأثير عاطفي على أي انسان وخصوصا الذي غادر الوطن مرغما لفترة طويلة ومتلهف لزيارة مرابع الطفولة والصبا والشباب. شد باسم الرحال الى العراق عبر سوريا، أولا دمشق ومن ثم مدينة الذكريات الأليمة والسعيدة القامشلي.

" لي في المدينة في كل شارع وزاوية ذكرى، علامة، حكاية. حتى الهواء فيها يبدو لي مختلفا عن كل المدن الأخرى التي مررت وعشت فيها. إنها المكان الذي عرفت فيه ليلى زوجتي:. في هذا المكان نبض ولأول مرة عدادي العاطفي. العداد الذي حسبته لسنين أن تروسه قد صدئت ولم تعد قادرة على الدوران. في هذه المدينة النائية بالنسبة للعاصمة دمشق، هي بالنسبة لي، الخارج من بلده بلا أمل العودة، تتساوى الأمكنة بين النائي والقريب، كلها نائية "(ص153).

بعد مناقشة أمر خطورة سفر باسم الى العراق في شهر تموز العام 2003 مع الحاج أبو ليلى

بوصوله سالما الى أهله في مدينة البصرة ثغر العراق الباسم.

في صباح اليوم الثالث من وصول باسم الى القامشلي خرج الى مرأب السيارات المتوجهة الى مدينة اليعربية على الحدود السورية العراقية. استقل سيارة من النوع الذي يسع عشرة نفرات. كان ركاب السيارة سوريين وعراقي واحد. فضل باسم عدم الحديث معهم قدر الإمكان ولكن الظرف وأسئلة السوريين الملحة اضطرته الى الإجابة على أسئلتهم باختصار

وعرف أن من بينهم من كان في العراق مشاركا ضمن (المتطوعين العرب) الذين كانت الفضائيات العالمية تنشر أفلاما عن تدريباتهم واستعدادهم للدفاع عن العراق. أما العراقي فكان كما بدا له من تجار الشنطة كما يقول المصريون، يعني تجار ما خف وزنه وغلى ثمنه.

" وصلنا الحدود السورية، تبعت العراقي الى المخفر السوري المتكون من بناية حجرية متهالكة بطابق واحد تتوفر بداخلها غرفتان واسعتان، كل غرفة مقسمة الى كابينات بشبابيك زجاجية. والشيء نفسه ينطبق على النقطة الأخرى العراقية غير البعيدة عنها "(ص163).

تجاوز باسم المخفر بسهولة بسبب التنظيم والمسافرون ملتزمون بالنظام. أما المخفر العراقي

فحدث ولا حرج من حيث عدم التنظيم والالتزام بالطابور على الرغم من وجود العسكريين الأمريكان في هذه النقطة الحدودية. بعد تفتيش الحقائب عبر سقيفة بالهواء الطلق وتحت اشعة شمس شهر تموز اللاهبة (تموز اللي ينشف المي في الكوز كما يقول العراقيون) فالوضع المزري وتصبب العرق على وجه الموظفين وتذمرهم واصل الى مدياته القصوى مصحوبا بالشتائم الثقيلة العيار وعدم التزام المسافرين بالطابور تسبب في إطالة وقت الانتظار(ص164).

بعد التي واللتا كما يقول العراقيون والتكلم مع العسكري الأمريكي بالإنكليزي حينما شاهد الجواز السويدي والى أين هو ذاهب.. الى البصرة، تمكن باسم من الحصول على ختم جواز السفر وتأشيرة الدخول (ص170).

ومن عنوان الفصل العاشر " البصرة تلوح لي " نفهم أنه سوف يبدأ فصل جديد في حياة باسم حيث قطع طريقا طويلا من اليعربية الى الموصل ومن ثم الى بغداد. كان حذرا جدا من الكلام مع المسافرين اللذين كانوا معه في وسائط النقل حتى وصل الى بغداد حيث قضى ليلة واحدة في فندق يقع في الكرادة. وفي صباح اليوم التالي توجه الى ساحة النهضة حيث ركب في سيارة (ج ام سي) الامريكية التي تسع سبعة ركاب متوجهة الى البصرة. أول منظر لفت انتباهه بعد وصوله الى مرأب سعد في البصرة هو " يغلب على الناس ما يشبه الزي الموحد، دشاديش متسخة ولحى طويلة غير مشذبة مع سمنة ظاهرة. أما النساء فلا تشاهد غير كائنات سائرة على قدمين ملفوفة بالسواد الحائل لونه الى الأملح لكثرة القدم. المباني لا تختلف عن حال ساكنيها مبنية من البلوك، الطين، صفائح معدنية، تشكو العوز والفقر وما خلفته سياسات الحصار الخارجي منها والداخلي. طرق السير للعجلات وللناس عشوائية، الأزبال في كل مكان ولا أحد يهتم بها " (ص197).

لم يود باسم أن يخبر أهله بموعد وصوله الى البصرة حتى لا يقلقون في حالة تأخره عن الموعد. اعتمد على ذاكرته لعنوان بيتهم في شارع مقابل شركة النفط، ولما وصل وجد هناك عدة فروع مقابل شركة النفط. سأل أحد المارة عن بيتهم باسم أبيه الذي توفى قبل عدة سنوات فلم يعرف الاسم ولكن يعرف بيت شخص آخر بنفس الاسم وهو بيت أبو سامر، قال نعم أنه أخي الصغير.

بدأ البيت يستقبل الأهل والأقارب اللذين سمعوا بقدوم باسم وهم غير مصدقين بوجوده بينهم. انتهى الأسبوع الأول وباسم سجين البيت وسجين حكايات الحاجة أمه عن كل ما حصل لهم.

" – حجية خليني هسه أشبع من شوفتكم وأريد أشوف المدينة بعدين "(ص204).

بعد القيام بجولة في سيارة أخيه أبو سامر في مدينة البصرة واطلاعه ومشاهدة ما حل بها.

فاتح أهله حول الغرض من زيارته في اليوم السابع من مكوثه بينهم، حيث صدمهم برغبته المشتعلة في تبني طفلا من البصرة، طفلا يكون له تذكارا لمدينة يحبها ومستعد للتضحية بنفسه من أجلها ( ص 207-208).

بعد مداولة موضوع التبني بإسهاب اقتنع الأهل بالفكرة وبدأ باسم مع أخيه أبو سامر بالبحث عن طفل رضيع بأيامه الأولى للتبني في المستشفى. بعد أخذ المعلومات من طبيب قسم الولادات عن وجود طفل يمكن أن يتبناه باسم. اصطدم باسم بشرط حضور الزوجين عند تقديم طلب التبني وهو مهم جدا مع توفر عقد زواج رسمي للعائلة المتبنية بالإضافة الى أن تكون العائلة أو فقط الأب عراقيا، جودة الحالة الاجتماعية للزوجين، عدم محكومية، وثائق رسمية تثبت هوية العائلة، الحالة المادية الجيدة (ص214). هاتف باسم في نفس اليوم زوجته ليلى في السويد وشرح لها الموضوع، وهكذا تم تأجيل تبني طفل الى السنة القادمة.

يتذكر باسم في الفصل الثاني عشر - "آخرون أيضاً يبحثون عن طفل"، "في نهاية السبعينات جمعتني مع علي رفقة النضال في بعض معسكرات التدريب الفلسطينية، قرر حينها الحزب الشيوعي العراقي اللجوء الى الكفاح المسلح في التعامل مع نظام صدام حسين، باتخاذ الإمكانيات المتوفرة في المناطق الجبلية من كوردستان العراق. قدمت بعض الفصائل الفلسطينية (الجبهة الديمقراطية) و (الجبهة الشعبية)، (فتح) بعض المساعدة في هذا الأمر(ص228). " دخلت الى العراق مع آخرين عبر مدينة القامشلي. جرى اختيارنا أنا وعلي مع آخرين للعمل في تلك المحطة اللوجستية التي تتكفل بنقل السلاح والملتحقين من سوريا وتركيا وباقي المنافي الى داخل العراق. أما سعاد فالتحقت في منتصف الثمانينات قادمة من الخارج بعد إكمال دراستها هناك. التقيا وتعارفا في القامشلي، ثم قررا الزواج" (ص229).

لم يتمكنا سعاد وعلي من إنجاب أطفال لأسباب قاهرة، ولهذا فهما يبحثان عن طفل يتبنوه. بدأ الجميع بالتخطيط للمشروع بجدية وهم يعرفون الى اين هم ذاهبون، ولهذا كانت الخطوة الأولى هو الطلب من المؤسسة المسؤولة عن التبني منحهم الموافقة للتبني من العراق، وهذا الذي حصل، على الرغم من استغراب المسؤولة السويدية التي ساعدتهم في هذا الطلب (ص234).

يضم الفصل الثالث عشر مفاجئات لم يتوقعها باسم وهي إلى البصرة من جديد.. الزواج الثالث. قرر الأربعة (باسم وليلى وعلي وسعاد) السفر الى العراق في شهر كانون الأول لأسباب تتعلق بالعمل وصعوبة الحصول على إجازة ليس أكثر من ثلاثة أسابيع وخصوصا بالنسبة الى ليلى (ص235).

 سافر علي وسعاد بواسطة الطائرة من ستوكهولم الى عمان ومن هناك بالسيارة الى بغداد. أما باسم و ليلى فكان لابد من زيارة أهل ليلى في القامشلي. ولهذا السبب سوف يمرون الى العراق عبر معبر ربيعة. كان عبورهم المنطقة الحدودية سلسا بفضل وبمساعدة أحد أقارب ليلى لمعارفه الكثيرين في المخفر السوري وحتى العراقي ولأنه يعمل في التجارة عبر الحدود(ص237). وصل الاثنين بسلام الى بغداد في نفس اليوم ولكنهم منهكين لكثرة تبديل وسائط النقل. قضوا ليلتهم في أحد فنادق العاصمة وفي اليوم التالي توجهوا بالسيارة الى البصرة.

نجحت ليلى خلال اليومين الاولين بعد وصولهم الى البصرة في رسم صورة جميلة بعلاقتها مع الجميع وبالأخص مع والدة باسم وأنستها سؤالها الأزلي حول من هو السبب في عدم الانجاب ابنها أم ليلي. (ص243).

على مدى ثلاثة أيام توزع فريق البحث العائلي بين مستشفى الولادة ومستشفيات أخرى وعدد من المساجد، ولكن دون جدوى(ص247). في اليوم الرابع اتصلت سعاد على هاتف بيت أهل باسم وأخبرتهم بأنهم نجحوا في الحصول على طفل في الناصرية. بعد يوم اتصلت سعاد على هاتف باسم " وكانت مستبشرة:

- باسم... الحق بسرعة...! أنا الآن في المستشفى مع بنتي وهي مريضة – تقمصت سعاد دور الأم سريعا – إلى جانبي امرأة ستلد بعد يومين أخبرتني أنها لا ترغب في أخذ الطفل ستتركه بالمستشفى لأجل التبني...! جاوبها باسم:

- سعاد نريد هذا الطفل..أرجوك أعلمي المستشفى أننا قادمون وسنقوم بإعداد كل الأوراق اللازمة" (ص250-251).

ملأ الفرح قلبي باسم وليلى وحضنوا بعضيهما لفترة طويلة من الزمن وأم باسم وأخته الصغرى وأخوه أبو سامر وزوجته والأطفال يتفرجون عليهم ويضحكون كما لو أنهم يشاهدون فيلم مصري من أيام زمان.... نزلت دموع ليلى..قبلها باسم من عيونها ووجهها(ص251).

ومن أجل إتمام تبني الطفل لابد من تسجيل زواج باسم وليلى في المحاكم العراقية عليهما ترجمة عقد زواجهما من اللغة السويدية الى العربية ومن ثم تصديقه....الخ وهذا يحتاج وقتا طويلا. أحسن حل هو أن يعقد باسم على ليلى من جديد، وهذا هو أحسن وأسرع حل لقضيتهما.

قاما بالفعل بعقد الزواج الثالث في نفس اليوم وبـأسرع وقت ممكن بمساعدة عماد معقب معاملات في المحكمة. ومن ثم قاما بتسجيل عقد الزواج واستنساخه. كما قاما بتسجيل عقد الزواج بنفس تاريخ زواجهم لدى السلطات السويدية حتى لا يتعارض مع اوراقهم السويدية الأخرى. وهذا الذي حصل وبمبلغ بسيط دفعه للموظف. وهكذا أصبحت كل الأوراق جاهزة وأصبحا زوجان حسب القانون العراقي والشرع الإسلامي. ولم ينس باسم من اكرام الصديق عماد بمبلغ جيد على الخدمة التي قدمها لهم، إذ لولاه لما تمكنا من إتمام تلك التفاصيل بتلك السرعة (ص257).

في الفصل الرابع عشر ولد ابننا...! تبدأ مرحلة أخرى من عملية التبني وليست بتلك السهولة لاسيما وأن الوقت ضايق باسم وليلى بسبب قرب انتهاء الاجازة وضرورة السفر الى السويد لأنه لا يمكن تمديد الاجازة ولا تغيير تاريخ تذكرة السفر الى ستوكهولم. كما أنه يجب استلام وثيقة رسمية من المستشفى مكتوب فيها ان الطفل مجهول النسب ويمكن تبنيه بعد اصدار الأوراق اللازمة. تمكنت سعاد من الحصول على هذه الوثيقة وارسلتها الى باسم بواسطة الهاتف على الشبكة السويدية لافتقار العراق الى شبكة انترنيت وقتذاك. في اليوم التالي توجه باسم مع أخيه أبو سامر الى المحكمة حيث كانا على موعد مع احد المحامين.

طلب المحامي احضار بطاقات الهوية، عقد الزواج، بيان ولادة الطفل، ورقة المستشفى، ورقة لا محكومية، بطاقة السكن، بطاقة التموين,, وغيرها الكثير من الوثائق التي كان بعضها معهم والبعض الأخر يجب تجهيزه. استمارة تبني طفل كانت تباع عند كتاب الطاولات المنتشرين خارج بناية المحكمة. بدأ الركض بين غرف بناية المحكمة الكبيرة من الساعة الثامنة والنصف صباحا الى الواحدة ظهرا (ص266). وصلنا برفقة المحامي الى غرفة نائبة القاضية التي كتبت نص قرار المحكمة الابتدائي كي يعرض على القاضية مسؤولة محكمة الاحداث لتوقعه. أخذ باسم وليلى القرار ودخلوا على القاضية التي كانت غرفتها مكتضة بالمحامين وهي نفسها التي رفضت طلب باسم لعدم وجود زوجته ليلى. " تذكرت القاضية باسم وقالت الى المحامين الجالسين :

- هذا الرجل جاءني بشهر تموز... هو يعيش في السويد ويريد أن يتبنى طفل من العراق، لم تكن زوجته معه لهذا رفضت طلبه. استمرت القاضية بالحديث حيث قالت رجعت الى بيتي وظلت قضيته عالقة في بالي لغرابتها بالنسبة لي. حكيتها لبنتي وهي بعمر 14 سنة.. تصوروا ماذا قالت اللعينة...؟ قالت: ماما ليش ما تحاولين تخلينه يتبناني وأروح وياه للسويد..!

التفت لي: بعدك مصرً على التبني من العراق..؟ "(ص268-269).

أجاب باسم بنعم بعد أن شرح لها الأسباب حتى أن أحد المحامين الجالسين سأل باسم:

- أستاذ تسمحلي أسألك...

أنت شيوعي..؟

تدخلت القاضية: رجاء بلا سياسة. جيب أوراقك عيني..!

وقبل ان تهمش القاضية على الأوراق وجهت سؤال الى ليلى: هل أنت سورية؟ أجابت ليلى بنعم، قالت القاضية: أهلا وسهلا بك.. العراق بلدك كذلك. همشت القاضية على الورقة الأخيرة. ثم قالت مبروكين " (ص269-270).

خرج باسم وليلى وهم فرحين بهذا الانتصار، وفجأة رن هاتف باسم وإذا مكالمة هاتفية من السويد من لينا مديرة المدرسة التي يعمل فيها باسم حين قالت قلقون عليهم والدوام سيبدأ بعد أيام قليلة. جاوبها باسم: لينا...لقد نجحنا..نجحنا.. حصلنا على طفل.

الفصل الخامس عشر وليد الناصرية..

كان خبر الحصول على وثيقة الموافقة مفرح لجميع أعضاء العائلة وفي مقدمتهم ام باسم على الرغم من معارضتها للفكرة في البداية. " يقولون: إن الفرحة الأكبر للأب والأم بقدوم الأحفاد تتفوق على فرحتهم الأولى بقدوم الأبناء والبنات "(ص 276).

" وصلنا انا وليلى الى الناصرية بخير وسلام والتقينا بكريم أخ سعاد الذي اقترح الذهاب الى بيتهم للراحة وتناول الطعام. قالت ام كريم اثناء شرب الشاي بعد تناول الاكل سوف أتوجه معكم الى المستشفى" ولكن قبل ذلك عليكم شراء بطانية طفل مع بعض لوازمه من رضاعة وحليب وتأتي معي ليلى فقط لأنهم لا يسمحون في المستشفى بدخول الرجال "(ص286).

" خرجت ليلى من باب المستشفى أولا، كما لو انها تركض، تلحقها عن بعد الحجية أم كريم، ابتسمت ابتسامتها الجميلة، كان وجهها كله مشعاً بالفرح. تحضن الطفل بحنان ودموعها تسيل على وجنتيها"(ص289).

أخذ باسم الطفل وبدأ يقبله بحذر وهو فخور به وسعيد الى حد لا يصدق، ولكنه في نفس الوقت يخاف العدوى في الجو الملوث بالغبار، لأن جسمه صغير ومناعته ضعيفة لا تساعده على مقاومة الفايروسات. طول الطريق من المستشفى الى بيت كريم وليلى وباسم ينظران الى الطفل بزهو وفخر. وما ان وصلوا البيت حتى سمعوا زغاريد خرجت من احدى زوجتي أشقاء كريم.

وهكذا عم الفرح في بيت الحجية أم كريم اللذين قدموا المساعدة في احتضان العائلة الجديدة، عائلة باسم وليلى ورامي الطفل الذي تبنوه قبل يومين. قدم الاثنان الشكر الجزيل لأهل بيت كريم لكرم ضيافتهم وما تحملوه من مشقات وأتعاب معهم. قام كريم بإيصالهم الى مرآب سيارات البصرة. ركبوا في حافلة صغيرة متوجهة الى ثغر العراق الباسم البصرة الفيحاء. نام الطفل طوال الطريق ولم يستيقظ الإ على أصوات عائلة باسم وتحوله الى ما يشبه الفرجة (ص296).

الفصل السادس عشر.. رامي

بعد ابتهاج الجميع بوصول الطفل المتبني الى أهل باسم، بدأ التفكير باختيار اسم له. تمت موافقة الجميع على اسم رامي بناء على اقتراح من قبل ليلى التي قالت أن رامي اسم مناسب خال من كل ما يرمز لأي شيء وسيكون مقبولا في السويد، خفيف اللفظ وقليل الحروف(ص300).

ان اصدار وثيقة سفر لرامي يجب ان يكون معهم بيان الولادة الذي فاتهم في خضم الفرحة أن يحصلون عليه من المستشفى في الناصرية. ولهذا تم الاتفاق على أن يسافر أبو سامر الى الناصرية لجلب بيان الولادة بمساعدة بيت أم كريم. تم تصوير رامي بالموبايل ومن ثم استنساخ الصورة في المكاتب التي يتوفر فيها كومبيوتر وهذا الذي قاموا به في اليوم التالي (ص301).

تعقدت مسألة اصدار وثيقة سفر لرامي بسبب أن باسم لا يوجد عنده جواز سفر عراقي ولا تكفي الهوية المدنية العراقية وحينما أخرج جواز السفر السويدي للموظف تعقد الأمر أكثر.

" وعلى الرغم من موافقة مدير الجنسية بعد أن راجعه باسم وكتب على وثيقة الطلب " تسهيل الأمر للحالة الإنسانية "، لكن الموظف صاحب الشأن لم يأخذ بأمر المدير وظل مصرا على الرفض.

انتحى بباسم وبأبو سامر موظف آخر كان يراقب الحالة من مكانه ويعرفه أبو سامر جيدا قال لهم: أخي هذا الموظف مسنود لا يهمه المدير"، في حين طلب موظف آخر 500 دولار أمريكي بعد أن قال لباسم أن توجد عنده كل الأختام اللازمة(ص306-307).

بعد إصرار باسم على عدم تقديم رشوة، قال لهم الموظف يوجد في السوق مكتب هندسي، تحدثوا مع صاحب المكتب وأخبروه بأنكم من طرفي وهو سوف يقوم باللازم وبمبلغ بسيط.

لا شيء يدل على انه مكتب هندسي باستثناء كمبيوتر وجهاز طبع (برنتر) على طاولة بسيطة وكرسيان. رحب بهم صاحب المكتب وقال لهم تعالوا بعد ساعة وسوف تكون وثيقة السفر جاهزة. وبعد ساعة من الزمن كانت الوثيقة جاهزة ومسحوبة على الكومبيوتر وليست مكتوبة باليد كما هي العادة في دوائر الدولة. طلب صاحب المكتب مبلغ 50 ألف دينار عراقي وهو أقل من ثلاثين دولاراً !!!. (ص310).

وكذلك قام باسم بمساعدة سعاد وعلي بعمل وثيقة سفر لابنتهم وأرسلوها مع كريم الذي جاء الى البصرة. كذلك قام باسم بترجمة كتاب موافقة المحكمة للتبني الى اللغة الإنكليزية لكي يسهل عملية موافقة السلطات السويدية في سوريا في منح رامي وثيقة السفر السويدية (ص316).

بدأت صحة رامي تتحسن، اختفت ألوان الأزرق والأصفر من وجهه، بدأ لونه ينكشف، يفتح عينيه ليتعرف على عالمه الجديد، يحرك يديه ورجليه ما إن يتخلص من القماط، يرضع جيدا وقل بكاؤه (ص317).

الفصل السابع عشر انفجار قرب الفندق

سبع ساعات هي مسافة الطريق من البصرة الى بغداد لم يشعر باسم وليلى بثقلها وطولها كونهم كانوا فرحين بوجود رامي بين احضانهم على الرغم كون الطريق غير مريح بسبب تهشم الاسفلت ومطاعم وسخة وحيوانات سائبة على طول الطريق، محطات استراحة تفتقر لأبسط

وسائل الراحة، أما المرافق الصحية وهي لا تنتمي للصحة بشيء يصدم الداخل لها مشهد طوفان مجرى الفضلات والروائح العطنة. بعد وصولهم الى بغداد ذهبوا الى نفس الفندق الذي نزلوا فيه في السابق، فندق المفتشين الدوليين قبل الاحتلال (ص323).

خابرت ليلى كارين في السويد وطلبت مساعدتها في مسألة منح رامي إقامة المعيشة في السويد.

قامت ليلى بإرسال الطلب الى دائرة الهجرة بواسطة البريد الالكتروني مع صورة لقرار المحكمة العراقية الخاص بالتبني باللغتين العربية والإنكليزية مع قرار دائرة التبني السويدية الخاص بالموافقة على السماح بالتبني من العراق.

وفي صباح اليوم التالي لوجودهما في غرفتهما بالفندق وحينما كانت ليلى تتحدث بالهاتف مع كارين حدث انفجار قوي قرب الفندق وحتى كارين سمعت صوت الانفجار بالهاتف وأرادت التحدث مع باسم للاطمئنان عليه. خرج باسم لمعرفة آثار الانفجار ومساعدة الجرحى والمصابين والتقليل من هلع الناس. رجع باسم الى الفندق وجسمه وملابسه ملطخات بالدم. ٍاتصلت كارين مرة أخرى للاطمئنان عليهم (ص332). تمكن الثلاثة من عبور الحدود العراقية السورية بسلام بعد مناقشات حادة مع شرطة الحدود في البلدين (ص339-340).

وصل الثلاثة الى بيت أهل ليلى في القامشلي. فتح الأب الباب وإمارات الفرح على محياه وهو يسمع صوت ليلى، كانوا قلقين طيلة وجودهم في العراق. قام الأب بخطف رامي من حضن ليلى وذهب به الى داخل البيت، انزوى على مقعد في ممر البيت ثم بدأ يكبر في اذن رامي مباشرة وهذه تقاليد إسلامية لابد منها (ص341). أصبح باسم بعد زواجه من ليلى ولحبه الشديد لها يشار له بالبنان وموضع احترام وتقدير من قبل الحاج أبو ليلى واعتزازه به.

سافر باسم الى دمشق لمراجعة السفارة السويدية للحصول على تأشيرة دخول لرامي الى السويد. وعلى الرغم من شدة القلق عند باسم ولكنه كان مطمئنا في قرارة نفسي بالحصول على سمة الدخول لرامي الى السويد وبمساعدة من كارين التي بذلت قصارى جهدها في مساعدتهم وهذا الذي حصل (ص345-352). سافر الثلاثة باسم وليلى ورامي بالطائرة من مطار دمشق الدولي وعلى الرغم من بيروقراطية وفساد شرطة المطار تمكنوا من حل العراقيل والطيران الى ستوكهولم (ص355-358).

الفصل الثامن عشر: حضانة الأب

في اليوم الثاني من وصول ليلى وباسم الى ستوكهولم بدأوا بتحضير غرفة رامي الصغير من شراء سرير نوم وملابس متنوعة ولعب أطفال وحفاضات وحليب أطفال. كما أرسلوا باقة ورد الى مسؤولة ملف رامي في دائرة الهجرة بادرة شكر وامتنان لما أقدمت عليه من مخاطرة بوظيفتها وكذلك باقة ورد الى كارين صديقتهم العزيزة التي كانت الساعد لأيمن لهم في تذليل الروتين الإداري(ص361).

وصلت هيلين اخت ليلى من الدنمارك لتعلم باسم على حضانة ورعاية رامي وبقيت في ضيافتهم لمدة أسبوعين. تعلم باسم الكثير من هيلين ونجح في الامتحان كما أكدت ليلى(ص363-365).

" كبر رامي وأصبحنا نشعر بأن لا خوف عليه من عواقب الزمن، لا من قضية صحته ولا حالته النفسية، بل وجدناه منسجما مع نفسه ومع الذين حواليه، ويشعر بمقدار الحب والمودة التي يكنها له الجميع، سواء نحن أو الأقارب والأصدقاء مما ساعده على الخطو بشكل جيد في حياته "(ص387).

الفصل التاسع عشر: رونيا ابنة الجامع

"حادثة في السويد هي الأولى من نوعها منذ خمسينيات القرن الماضي، امرأة تترك رضيعة بعمرعدة أيام في جامع بمدينة ستوكهولم..! الشرطة بدورها تتسلم الرضيعة وتسلمها الى مؤسسة الرعاية الاجتماعية للعناية بها، بعد أن جرى فحصها في المستشفى. قالوا أن الرضيعة بخير ولا تعاني من حالة مرضية معينة، لكنهم يطلبون المساعدة من كل من يعرف شيئا عن هذه الحادثة، من تكون الأم ولماذا وكيف ومتى"(ص389-390).

عرف باسم بالخبر وهاتف ليلى حتى يخبرها بالحدث الذي اهتزت له ستوكهولم، جاوبته ليلى بأنها تعرف القضية وحتى هاتفت مؤسسة الرعاية الاجتماعية لتستطلع معلومات أكثر وتحدثت معهم كعائلة تريد تبني الرضيعة وتركت معلومات لديهم. وهنا حدس وشعر باسم بأن ليلى كانت تفكر مثله واتفق الاثنان على تبني الرضيعة التي سيصبح اسمها رونيا في المستقبل.

وبعد مراجعة الدوائر الرسمية المختصة بالتبني وخوض الموضوع من مقابلات عديدة مع مؤسسة الرعاية الاجتماعية وإعطاء معلومات كاملة عن وضع العائلة الاجتماعي والمادي

 وإمكانية تبنيهم للطفلة وكذلك مكان السكن والى آخره من المعلومات المهمة وافقت الجهة المختصة على تبنيهم للطفلة. وهكذا أصبحت رونيا أخت رامي (ص427).

 الفصل العشرين: رامي...رونيا..

" طفلان في بيت كان خاليا من مرح الطفولة وضجيجها، لابد أن يكون لهذا التغيير من آثار.

بدأت التغييرات في البيت من تأثيث غرفهم بما يجعلها مكانا صالحا ليس للنوم فقط، وإنما للعب والمرح، ثم معالجة مخاطر السلالم داخل البيت، جرى غلق فتحاتها بحواجز خشبية تقفل. هذا غير رفع كل ما هو قابل للكسر إلى رفوف أعلى من استطاعة أيديهم على الوصول"(ص428).

"سارت أيام وسنوات الأخوين بشكل جميل. اضطلع رامي ومنذ تعرفه على رونيا الى المهرج الجاهز لإضحاكها. دور كان يسعده بدلالة أنه يقوم بتكرار تلك الحركات المصحوبة بموسيقى إحدى اللعبات التي تختارها هي (ص429)". لم يشعر بالغيرة من وجودها، على العكس بدا سعيدا بظهورها في حياته التي ما زالت في بداياتها. أضطلع رامي بدور الحامي لرونيا في الروضة وفي داخل البيت. وهي كذلك بدأت تدرك بعض التفاصيل الحياتية، تهتم بشؤونه الصغيرة الخاصة مثل حذاءه، كفوف اليد في الشتاء وملابسه أيضا. وهكذا تمر الأيام والسنين ويتخرج رامي من المرحلة الثانوية، أقامت العائلة حفلة صغيرة لرامي حضرها عدد من أصدقائه، كانت رونيا تتصرف كما لو أن الحفل هو حفلها (ص430). وتمت الفرحة بعد أن حصلت رونيا على الرقم الشخصي الحكومي الذي يحمل اسم عائلة باسم وليلى(ص431).

أشياء كثيرة بدأت بالظهور على سلوكهما، كانت تفرح باسم وليلى وتجعلهم يطمئنون عليهم وأن ما زرعوه بدواخلهم من حب وحنان ومودة، وجدت أثارها الإيجابية عندهم(ص450).

يعيش اليوم باسم وليلى مع رامي ورونيا كعائلة متحابة فيما بينهم وهذا نتيجة لوجود الأطفال معهم الذين أضافوا طعما لذيذا لهذه العلاقة وكذلك حجم المسؤولية التي شعروا بها بوجودهم وكانوا مستعدين لأجلها منذ اللحظة الأولى التي اقتنعوا فيها بفكرة التبني.

وفي نهاية هذه المقالة عن كتاب الخيار الآخر للصديق العزيز مازن الحسوني أنصح بقراءتها من قبل الناس الذين يؤمنون بأن الجهد المبذول لتبني وتربية أطفال ولدوا ليس من نفس الأب والام هو عمل إنساني حقيقي ويستحق الإشادة والتقدير العالي.

***

اسم الكتاب: الخيار الآخر.

المؤلف: مازن الحسوني

الناشر: مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع العراق – محافظة بابل – الحلة – شارع أربعين جوال: 009647831010190

ISBN:978-9922-736-31-0.

الطبعة الأولى 2024

 البريد الالكتروني: [email protected]

عدد الصفحات: 454 صفحة

***

أ.د. سناء عبد القادر مصطفى

في المثقف اليوم