قراءة في كتاب

علجية عيش: هذه أسباب انكفاء الإسلام على ذاته

دعوة إلي الوسطية والإعتدال في الفكر والسلوك.....

حاول أئمة السلف فرض أراءهم الاجتهادية على مر الأزمنة ومختلف الأمكنة، وقالوا ما على الخلف إلا اتباع ما أجمعوا عليه، وكانت النتيجة الطبيعية لتمكن هذه النظرة هي قفل باب "الاجتهاد" منذ القرن الرابع الهجري، ووقع ما وقع بين الأئمة والعلماء من جدال كالغزالي وابن تيمية بعد أن كادت حركة الفقه الإسلامي أن تخلوا من أيّة استجابة للتغيرات والمستجدات التي تنشأ في المجتمعات الإسلامية على مرّ الزمن، يقول الإمام الصادق المهدي رئيس المنتدى العالمي للوسطية، أن العوامل التي عززت التقديس لاجتهادات الأوائل، أدّت إلى الجمود الفكري والجمود الفقهي وظهرت إلى السطح الديني في العالم الإسلامي نزعة التعصّب ونفي الأخر، والتمذهب المتعصب، وظهر ما يسمي بالإسلام المنكفئ والذي انتهي بنشوء الدولة المستبدة
إن المشكلة التي يواجهها المسلمون اليوم في أمر الدين والخلافة والفقه والسياسة هي ادّعاء كلّ واحد منهم أن رأيه هو الصحيح وأنه على الحق وغيره على الباطل، بل وصل الأمر إلى تكفير بعضهم البعض وذلك نتيجة التعصب للفكر والرأي والموقف، خاصة حين يتعلق الأمر بالفقه والشريعة والحكم، وما يصدر من فتاوى من هنا وهناك دون سند، ففي نزعة التعصب و"نفي الأخر" سادت فكرة تقديس أراء مذهب وتسفيه أراء مذهب أخر وتضييق مساحة التجديد والاجتهاد، وهذا ما أدى بالدولة المستبدة إلى تجميد الفقه والاجتهاد، لأن الحكام منعوا الفقهاء من الخوض في الأحكام التي تؤثر على مصالحهم، خاصة بعد ظهور الفلسفات العقلانية، وقد ساهمت الحروب الصليبية المحملة بالعصبية ضد الإسلام في إفراز التعصّب المضاد، جسدته أفكار ابن تيمية وفتاويه وتلاميذه كابن قيم الجوزية، هو العدوان القديم يتجدد في العدوان الحديث، الذي يقوم به الغزو الغربي للعالم الإسلامي بأدواته العسكرية والسياسية والفكرية والثقافية، يقول الإمام الصادق المهدي: " إن "الفكر المنكفئ على ذاته، أي الذي يريدنا أن نتبع الإسلام بشكل ماضوي، فكر لا مستقبل له، لأنه يربط بيننا وبين الماضي، ينبغي الآن أن نتحدث عن الحاضر والمستقبل، والفكر الإسلامي إحيائي وله استعداد كي يستوعب قضايا الحاضر والمستقبل".
كانت هناك دعوات ونداءات لرفض غلق باب الاجتهاد، حيث دعا بعض المفكرين إلى إعادة فتحه من أجل أن يفهم المسلمون دينهم على الوجه الصحيح، كي لا يظل الإسلام منكفئا على مجموعة من المعارف التي وجب تحليلها فيما يتناسب مع العصر الحالي، خاصة ونحن في زمن الرقمنة والذكاء الإصطناعي، ومن دعاة إعادة فتح باب الاجتهاد المفكر الدكتور محمد سليم العوا، في الرد على من قالوا أن القرآن أحصى كل شيئ فلا حاجة بنا لأيّة معارف أخرى، كما ردّ العوا على الرافضين لاستعمال مفاهيم غير عربية في تكوين مفاهيم المسلم، لأن الكلمة غير العربية حسب هؤلاء ظرف يحتوي على استعمار ثقافي معبأ، وهناك مظاهر أخرى عززت انتشار الطائفية، حيث أصبح لكل مذهب من المذاهب أتباع مقلدون، هذا التقليد (الأعمى) يعبر أصحابه عن رفضهم لكل ما هو جديد في الساحة الفكرية، لدرجة أنهم حذّروا من خطر التفلسف بعد أن انفتح المسلمون على ثقافات وحضارات العالم، في ظل تطور الزمن وانتشار العلوم وتدوينها كالمنطق وعلم الإنتروبولوجيا، ومقارنة الأديان واللسانيات وعلم الفلك والعلوم الطبية وغيرها... الخ.
فهؤلاء المتعصبين لهم فَهْمٌ طفوليٌّ للدين، وهذا الفهم يتناقض حتما مع الحرية الفكرية والعقلانية، وهم بذلك يعكسون الآية الكريمة: " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " ( الآية 24 من سورة محمد –صلعم- )، " إنّما أنتَ مُذَكِّرٌ، لست عليهم بمسيطر " ( الآية 21،22 من سورة الغاشية)، هي دعوة إلى الإعتدال والوسطية طبقا لقوله تعالي : وكذلك جعلناكم أمّة وسطا ..إلى أخر الأية 143 من سورة البقرة أي تجنب الغلوّ والتطرف في الفكر والسلوك، إن الغلو يؤدي إلى تكفير المسلمين لمجرد عصيانهم أو انحرافهم عن الطريق المستقيم، فقد أدّى هذا الغلو إلى استباحة دماء الأبرياء من المسلمين وأعراضهم وأموالهم،كما يحدث في بعض البلاد الإسلامية، ممّا شوّهَ صورة الإسلام، وهذا التهوّر في إصدار الأحكام على الناس وتكفيرهم شجّع أعداء الإسلام على محاربته بكل الأسلحة الدعائية والمادية وتشويه صورته والطعن في نبيّه وإلصاق بالإسلام تهمة الإرهاب ( الإسلاموفوبيا).
***
علجية عيش بتصرف
....................
* من كتاب بعنوان: "نحو ثورة ثقافية" للإمام الصادق المهدي، صدر عن مكتبة دار الشروق- القاهرة- 2006م. والإمام الصادق المهدي شغل منصب رئيس مجلس الحكماء العرب للحلف العربي لفض المنازعات، وعضو مجلس أمناء مؤسسة "آل البيت" وهي مؤسسة إسلامية غير حكومية عالمية مستقلة، مركزها عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، تعمل لخدمة الإسلام والإنسانية جمعاء، من مهامها: التعريف بالدين والفكر الإسلامي، وتصحيح المفاهيم والأفكار غير السليمة عن الإسلام، وتعميق الحوار وترسيخ التعاون بين أهل المذاهب الإسلامية، وتوضيح إنجازات آل البيت ودعوتهم إلى الوسطية والاعتدال والتسامح.

 

في المثقف اليوم