قراءة في كتاب
حاتم حميد محسن: الاقتصاد الإلهي.. قراءة في كتاب جديد
يشرح هذا الكتاب الطريقة التي تمكنت بها الأديان العالمية من الحصول على السلطة، وطريقة العمل بها وكيفية الحيلولة دون اساءة استخدام هذه السلطة. المؤلف بول سيبرايت يحقق في الكيفية التي كسبت بها الاديان الأتباع والمناصرين وكيف استحوذت على الثروة والسلطة. هو يرى من المفيد التعامل مع الدين كشركة والنظر اليه بعين الاقتصادي. لكن اتجاه المؤلف هذا أوسع من ذلك، حيث يدمج بين ثناياه السوسيولوجي والنظرية السياسية وعلم النفس التطوري.
لكي يفهم القارئ الكتاب، يجب عليه ان يضع في ذهنه رؤيتين اثنين للدين. الرؤية الضيقة وهي تعريف المؤلف للدين، والرؤية الأوسع والتي يسميها المؤلف "رؤية النموذج" platform perspective".
كتعريف يستعمل المؤلف الدين باعتباره مجموعة واسعة جدا ومتنوعة من النشاطات الانسانية التي تستلزم بشكل مباشر او غير مباشر تفاعلا مع أرواح غير مرئية تتدخل في العالم والتي يمكن ان تتأثر بنداءات الناس ودعواتهم (ص36).
حين يضع المؤلف "الأرواح اللامرئية" في صلب التعريف، هو يدمج ما نعتقده عموما كدين. لكنه يستبعد وصف شيء ما كدين فقط لأن الناس يهتمون به كثيرا . انت قد تصف شخصا ما كـ "عابد للدولار" او "مؤمن بتقلبات المناخ" لكنك لا تتعامل مع الدولار او المناخ كأرواح تُوجّه لها الصلوات والدعوات.
غير ان هناك اناس ينتسبون لدين معين يؤمنون فيه بأرواح غير مرئية لكنها غير هامة او حتى غير موجودة. سلوكهم يُفهم بشكل أفضل من خلال رؤية النموذج.
"الحركات الدينية هي نوع خاص من الشركات – انها رؤية نموذج (اطار عمل يخلق قيمة للشركة عبر الترابط بين مختلف الجماعات وتسهيل التفاعل بينها). هي منظمات تسهّل العلاقات التي قد لا تعمل بفاعلية في غياب النموذج. (ص15)". الكاتب يدّعي ان رؤية النموذج تساعد في توضيح الكيفية التي تنجذب بها الاديان الناس، وكيف تؤثر في السلوك و تتنافس مع غيرها.
الناس هم كائنات اجتماعية، والأديان تطورت لتلبية حاجاتنا للانتماء.
ان فعاليات الدين تضمنت تاريخيا كل شيء من الصلاة الخاصة والتأمل الى عنف الحروب الصليبية والجهاد. انها وجّهت العواطف المتنوعة كالرهبة والخوف والتفاني والغضب والاثارة والحب. انها تلبي الحاجة للطقوس والسمو والحاجة للسلام والكفاح للتغلب على التحديات والحاجة للانجاز الذاتي وتلبية حاجات الآخرين ...
النماذج او المنصات الدينية تخلق جاليات تعبّر بقوة عن البُعد الجمعي لحياة الناس. بعض المؤسسات العلمانية مثل الاحزاب السياسية يمكنها ايضا القيام بذلك . لكن المنصات الدينية لديها امكانية الاستفادة من التقاليد التاريخية والقصص التي تمنحهم ميزة قوية (ص331).
يجادل الكاتب بان الأديان تخلق روابطا اجتماعية خاصة.
"هي تزعم بثقة ان أعضاءها جديرون بالثقة وهم اكثر جدارة بالاحترام والاهتمام من الأعضاء العاديين في المجتمع. (ص332)". هو يعترف ان هناك مؤسسات علمانية تقوم بهذا الى حد ما. اذا انت تستطيع القول انك كنت في مشاة البحرية، فان الناس الذين لديهم خلفية مشابهة سوف يميلون للثقة بك.
الكاتب يقدم تحليلا مطولا عن المنافسة الدينية. هو يكتب:
"... أي شيء يجعل من السهل للناس عمل مقارنة واضحة بين فوائد الانتماء لمختلف الحركات سوف يزيد من حدة المنافسة الدينية. (ص333)."
هو يقدم افكارا حول الطريقة التي تطورت بها الاديان تحت ضغط المنافسة. هنا هي تواجه تحديات مشابهة لتلك التحديات التي تواجهها الشركات.
يعتقد الكاتب ان الانترنيت سيفرض تطورا ان اجلا او عاجلا. هو يرى ان الكنيسة الكاثوليكية يُحتمل ان تتعرض الى انقسام آخر، مقارنة بما حدث في أعقاب اختراع الصحف المطبوعة. بالطبع، المؤلف يأمل ان لا يترافق ذلك مع المزيد من العنف. يعتقد الكاتب ايضا ان التوترات ستبرز فيما يتعلق بالعلاقة بين الدين والسياسة.
كل ما نراه في هذا الكتاب حول نموذج الحركات الدينية يقترح ان الدين لا يمكنه ان يتولى القيادة الشرعية لمعظم السكان اذا كان قادته يستعملون تلك الشرعية لدعم الحكام السياسيين سواء كانوا سلطويين ام غير سلطويين. (ص339).
"كمنصات، تمارس الاديان تأثيرا قويا على الاقتصاد و السياسة والعلاقات الاجتماعية عموما. الخلافات تبدو حتمية ويصبح من غير الواضح قيمة تطبيق التعديل الاول"(1).
هذا يعيدنا للتوتر بين التعريف الضيق للدين والمعنى الأوسع للمؤلف . اذا كان الدين فقط ايمان في ارواح معينة، عندئذ على الاقل في الولايات المتحدة الناس يجب ان يكونوا سعداء للاعتماد على التعديل الاول والموقف المتسامح في عبارة "ان تعمل وتستعمل ما تحب".
يصر المؤلف على ان الدين ليس فقط سيتلاشى. هو يستنتج ... ان الحركات الدينية ظل البعض ينظر اليها ولفترة طويلة بنوع من التبجيل الغريب، وبازدراء من جانب البعض الآخر. ردود الفعل الخاصة هذه ليست طريقة للتفكير في الدين في الحياة العامة. الحركات الدينية تتمتع بالامتيازات وهي يجب ان تعترف بالالتزامات. حان الوقت للتعامل معها ببرجماتية اكثر، ليس بتقديس وانما باحترام. (ص341).
***
حاتم حميد محسن
............................
* كتاب الاقتصاد الإلهي: كيف تتنافس الأديان لأجل الثروة والسلطة والناس، تأليف بول سيبرايت، صدر عام 2024 عن مطبوعات جامعة برينستون.
الهوامش
(1) التعديل الاول The first Amendment من وثيقة الحقوق في الدستور الامريكي يضمن الحرية في الدين والتعبير والتجمع وحق الالتماس. انه يمنع الكونغرس من الترويج او تشجيع دين معين ضد الاديان الاخرى او تقييد الممارسات الدينية للافراد. يُشار الى ان الدستور الامريكي مؤلف من ديباجة وسبع مواد و 27 تعديلا.